الخميس، 9 نوفمبر 2017

رتق البكارة

«غسلت الشرف... يا مير»، قالها الشاب وهو يرمي برأس الفتاة المقطوع بين قدمي الامير مجيد ارسلان، في باحة قصر «خلدة». لم يتزحزح الامير من مكانه. اقترب رجل كهل كان يرافق الشاب، وقال بما يشبه الهمس: «انها اخته». ألقى الامير نظرة سريعة على الرأس، وأشار بيده الى الشاب كي يقترب. وعندما فعل، ربت الامير على كتفه وقال: «أحسنت». 

حدث هذا قبل حوالى 40 عاما. كنت طفلا حملني والدي الى قصر خلدة كي ألقي قصيدة للامير... وطارت القصيدة مع رأس الفتاة المقطوع

رويت الحادثة للامير الشاب طلال ارسلان فقال: «ظلمت المير»، سألته عن ردة فعله، فيما لو تكرر المشهد، هل ستكون مشابهة. قال «لا...»، تحدث الامير عن دولة القانون، قال انه يرفض ان يعمد المواطن الى تنفيذ القانون بيده. ثم، وبعد برهة من التفكير، قال: «... ولكن الامر يختلف، اذا ضبطها بالجرم المشهود. تعرف ان الانسان حزمة عواطف، وهذه في بعض الاحيان يـصعب السيطرة عليها...».


في إحصاء عن جرائم الشرف عام 1975 تبين انها الاولى بعدد الضحايا في لبنان.
يروى ان جهاز «السافاك» ايام الشاه في ايران، اعتقل آية الله طالقاني. كانوا يريدونه ان يعترف فعذّبوه، ولكن آية الله صمد. أحضروا ثلاثاً من بناته. كن عذراوات. أبلغوه ان رجال «السافاك» سوف يتناوبون على الفتيات امامه. قال آية الله كلمات، بينها «يا حثالة». بدأت حفلة الاغتصاب، وكلما اعتلى وحش فتاة، كان آية الله يردد: بسم الله الرحمن الرحيم. اني زوّجتك إياها».

... وصمد آية الله و... لم ينكسر. وبقي الوطن أغلى من البكارة

«شردت بعرضي»، هي اللازمة التي تتردد في كتاب «الفلسطينيون: اقتلاع ونفي». مؤلف الكتاب الدكتور حليم بركات كان استاذا في الجامعة الاميركية في بيروت. وبعد هزيمة حزيران 1967، كان السؤال: ما السر الذي دفع بما يزيد عن 600 الف فلسطيني الى ترك حقولهم ومنازلهم و... الوطن، خلال فترة قياسية لا تزيد عن 6 ايام؟ وبحثا عن الاجابة، شكّل حليم بركات فريق عمل من طلاب الجامعة الاميركية، وانتقلوا الى المخيمات في الاردن، قابلوا آلافاً من النازحين الجدد، وسمعوا العبارة تتردد على الافواه «اليهود يدخلون القرى والمدن، يغتصبون النساء ولا يوفّرون الفتيات القاصرات. لا اريد ان تُغتصب اختي او ابنتي... شردت بعرضي». 

العرض أغلى من الارض و... الوطن؟ 

صديق من غزة، يعمل استاذا في دولة الامارات، يروي: عندما دخل اليهود الى غزة عام 67، كنا في المنزل: أنا مع امي واثنتين من اخواتي. كان عندي مسدس قديم ورثته عن والدي.. ومعه بعض رصاصات. تجمعنا في العليّة، ومن كوّة صغيرة كنت اراقب الطريق. عندما بدأت طلائع القوات الاسرائيلية تظهر، جهّزت المسدس. قالت اختي الصغرى: أبدأ بي. فوضعت فوهة المسدس في رأسها، ولكن الاسرائيلي لم يدخل المنزل... وبعد يومين تركنا غزة.

هل خطر لك ان تطلق النار على الاسرائيلي؟

ـ لم أكن أملك إلا بضع رصاصات. هل اوقف بها جيشاً؟

... القتل أهون من الاغتصاب!

«لا مانع من ان يقوم الطبيب بنفس مطمئنة وبضمير مرتاح بعملية رتق الغشاء (البكارة) ويعتبر انه حفظ حياة انسانة، او انه حفظ ظروف انسانة في حاضرها ومستقبلها»، صاحب هذه العبارات هو السيد محمد حسين فضل الله، أطلقها في مستشفى الشرق الاوسط، خلال ندوة عن «الطب والدين»، قال: «ربما تُخدع انسانة فتفقد عذريتها، وربما تُغتصب، وربما يترك هذا الموضوع تأثيرا سلبيا على حاضرها او مستقبلها بحيث تتعرض حياتها للخطر انطلاقا من الذهنية المتخلفة التي تحمّل المرأة مسؤولية شرف العائلة...».

وقال: الرجل الذي يعتدي تنطلق العائلة من اجل ان تحميه وتوكل محاميا للدفاع عنه. اما المرأة التي لا تنحرف بل تُغتصب او تُخدع او يُشاع عنها ذلك، فإن الجميع، حتى لو كانوا حجاجاً، لا يحفظون إلا هذا البيت من الشعر: لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى... حتى يُراق على جوانبه الدم».

وقال: نحن ضد الضعيف، والمجتمع مجتمع الرجل، وفي هذه الحالات، اذا كانت حياتها معرضة للخطر او لعار كبير يجوز للطبيب ان يقوم بعملية رتق الغشاء وبقلب مطمئن... لأن الناس يحبون ان يخدعهم الآخرون. ولا يحبون ان يصارحهم الآخرون...».

وفتوى السيد فضل الله خطوة على طريق تصنيع البكارة لاستعادة الوطن.
04/01/1996 السفير 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق