وا".. لو أن السيدة الأولى منى الهراوي أخبرت مؤتمر المرأة الذي شاركت فيه في مدينة نيويورك أن في لبنان 170 حدثا ينتظرون المحاكمة بتهمة القتل عمدا لتحول تصريحها الى مانشيت على 8 أعمدة في صحيفة «نيويورك تايمز».
ولو أن السيدة الأولى أبلغت المؤتمِرات أن أمّد سلّمت ولدها للشرطة لأنه اغتصب أخته الصغيرة، وأن حدثين آخرين قتلا طفلاً عمره 8 سنوات، وأن طفلة قاصرا وضعت طفلة وهي في السجن... لو أبلغتهم ذلك لعجزت عن رد كاميرات التلفزيون عن باب غرفتها في الفندق، ولمّا توانت حتى «بربارة والترز» عن الركض إليها تطلب مقابلة تلفزيونية.
صحيح أن السيدة الأولى كانت تشارك في مؤتمر عن المرأة وليس عن الطفل، ولكن أليس خلف كل «مجرم» أكثر من أمرأة مفجوعة؟
نيويورك المرعبة التي تطحن بين ناطحات سحابها ما يزيد عن 12 مليون إنسان نهارا ولا أقل من 8 ملايين ليلا، ليس في إصلاحياتها أكثر من 23 حدثا متهمين بالقتل العمد... وتعتبر المدينة أن الرقم كبير.
أما جارتها ولاية ميريلاند فقد فرضت نظام منع التجول على من هم دون الثامنة عشرة ليلا، والسبب أن 3 أحداث ارتكبوا 3 جرائم قتل في عام واحد.
واشنطن العاصمة هي «أم الجرائم» سقط فيها خلال العام الماضي حوالى 400 قتيل، وصار عندها «مناعة» في مواجهة برك الدم، ولكنها قامت ولم تقعد عندما أطلق حدث النار من مسدسه على طالب منافس وهو يدخل المدرسة.
إن الطفل قاتلاً كان أو مقتولاً، هو ضحية وهو قضية تسرق النوم دائما من عيون الناس... وخاصة المسؤولين. ومع ذلك فإن أميركا، مقارنة مع باقي دول الغرب، تظل الأولى في تصنيع «القتلة الصغار».
عندما زار وزير الدفاع الأميركي كاسبر وينبرغر لبنان أيام الرئيس الراحل بشير الجميل، تلقى من الشيخ بشير عرضا بتحويل لبنان الى ولاية أميركية. يقول وينبرغر في مذكراته «كان العرض غريبا، ولم أجد شيئا مشتركا يمكن أن يجمع ما بين لبنان والولايات المتحدة».
ربما يمكن تجديد العرض اليوم «فالقتلة الصغار» قاسم مشترك ولا تنقصه معمودية الدم.
... ولكن هؤلاء «القتلة الصغار» هم القمّة الظاهرة فحسب من جبل الجليد. «جاك الخنّاق» ظهر في لندن، نهاية القرن الماضي، كان قاتلا «فاضلاً» يختار ضحاياه من بين المومسات. كان يخنق الضحية، ثم يقطع أعضاءها التناسلية بمهارة الجرّاح. أهل الفضيلة وخاصة الزوجات كن ينتظرن بشغف وشماتة ظهور صورة الضحية الأخيرة في الصحف. الشرطة عجزت عن كشف هويته، ولكن صحافيا، وبعد أن وصل عدد الضحايا الى 7 مومسات، قرر أن يخوض في عالم الليل، وكما يكشف كتاب عن «لندن ذات اللذات المرعبة»، فإن الصحافي بدأ يخترق، ميدانيا، عالم العاهرات والقوّادات، تظاهر بأنه زبون، واستطاعت إحدى القوادات أن تؤمن له فتاة «عذراء» عمرها 9 سنوات، مقابل 5 جنيهات فقط. قالت القوادة «تستطيع أن تحصل على آلاف الفتيات في الأحياء الفقيرة مقابل هذا الثمن»، وخرج الصحافي ليكتب عن تجربته. قال ان المجتمع الراقي، ومعه رجال الأمن، هم الشريك الحقيقي لجاك الخنّاق. فهم يقتلون الضحية مرتين، ويحوّلون أحياء الفقراء الى مبغى كبير يمارسون فيه متعهم المرعبة... والسرية.
وانقسمت لندن حزبين: الأغنياء والسلطة في حزب، والفقراء والنفايات في حزب... وأودع الصحافي السجن بتهمة الاعتداء على قاصر (!).
الفضيلة على أيدي جاك الخنّاق وشركاه تنتصر دائما.
قبل أسابيع داهمت قوات من الجيش اللبناني مرابع ليلية وكباريهات و«أوكارا» في مناطق جونية والكسليك. وكانت الحصيلة عشرات المطلوبين والمطلوبات أودعوا السجون. الخبر مرّ عابرا، لم يسأل أحد: لماذا الجيش، وليس قوى الأمن الداخلي أو مكتب الآداب...؟
هل باتت «مافيات» المخدرات والدعارة تملك من القوة والسلطان ما يجعل الجيش وحده هو القادر على مواجهتها؟ الجواب، وبحكم ما نعرفه عن «نظافة» الجيش، هو نعم وبالتأكيد. وهذا ما يكشف عن حجم جبل الجليد المختفي في أعماق مجتمع، تحاول حكومته أن تنمّي حسه المدني، فلا تجد إصلاحيات كافية لرعاية أطفاله.
... والحل؟ أسهله الوعظ في المساجد والكنائس والحسينيات والخلوات، وهو «ضحك على الدقون» كما نعرف. فالكلمة لا تسد جوعا. ولا تشبع مشردد ولا يتيمد. المساعدة في بناء الاصلاحيات، كما يقترح التحقيق المنشور في هذه الصفحة؟ ولكن بالأساس لماذا يترك الطفل مشردا حتى يرتكب جريمة ويدخل الاصلاحية؟
مصدر قضائي، طلب عدم نشر اسمه، يؤكد: إن في الشوارع آلافا من حالات التشرد. هؤلاء، عاجلاً أم آجلاً، سوف ينتهون في أوكار «المافيات»: مدمنين ومنحرفين ومجرمين... وفي كل الحالات ضحايا».
أسأله: لماذا لا تجمعونهم... من الشوارع؟
ويجيب بمرارة: نستطيع أن نجمعهم ولكن أين نضعهم؟
ألا يصلح «قصر المؤتمرات عندما يكتمل بناؤه، لهذه المهمة؟
زرت «بيت اليتيم» في بلدة عبيه. شاهدت مئات الطلاب والطالبات بملابس نظيفة، في صفوف نظيفة وغرف نوم نظيفة. «يسرى» عمرها 21 عاما، قالت انها دخلت بيت اليتيم طفلة، وعندما تخرجت، تابعت العمل فيه «أعرفهم جميعا، أنا من الجنوب، وهذه أسرتي».
... ومن هنا تبدأ المواجهة مع «جاك الخنّاق» وشركاه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق