الأربعاء، 22 أغسطس 2018

العنف ليس إسلاميا ... والإرهاب ليس عربيا


مجلة العربي، السبت 1 ابريل 1995  2/11/1415هـ /العدد 437   

محنة "الأصوليين"هنا شهادات غربية تؤكد أن العنف ليس إسلاميا وأن الإرهاب ليس عربيا، وأن التسامح والتعددية وترك المجتهدين يموتون على فراشهم هي: "الأصول"المعروفة للحضارة العربية والإسلامية. وهذه الشهادات لا تدافع عنا، بل تهدف إلى إنقاذ الغرب من أصولية انتحارية مازال يعيش تجلياتها. ومن سخرية التاريخ أن توصف الليبرالية بأنها غربية والتطرف الديني هو "الأصولي" بينما العكس هو الصحيح. وليست المسألة سواء تفاهم مع الكلمات... بل مع التاريخ، وتلك هي "محنة الأصوليين".             "الفرسان هنا، ولكن الغزاة لم يأتوا. وصل أناس عن الحدود، قالوا إنه لم يعد هناك غزاة، ماذا سيحدث لنا إذن في غياب الغزاة... لقد كانوا- لنا- نوعا من الحل". 
          كفافي، الشاعر اليوناني، ألقى هذا النشيد على شواطئ الإسكندرية، جامعة الحضارات، قبل قرن من الزمان، وهو يـكاد يلخص "محنة الليبرالية" العربية والإسلامية اليوم. إذ إن هذه الليبرالية تمتحن على جبهتين: غرب يبحث عن بديل للغزاة الروس بعد زوال التهديد السوفييتي. وهو يجده فيما يسميه " الإرهاب" العربي والإسلامي، ويشترط هذا الغرب على الليبرالية المصالحة الحضارية مع الدولة "الدينية" لا العبرية في إسرائيل، كي يمنحها شهادة براءة ذمة من الإرهاب وتواجه هذه الليبرالية شرقا يزعم بعض أصحاب السلطة فيه ومثلها الخارجون على هذه السلطة، إنهم،.  وحدهم، من دون هل الاجتهاد جميعا أصول الإسلام وسيوفه يستلونها لاغتيال هذه الليبرالية، باعتبارها ابنة غير شرعية للغرب، يريدون مواجهة غزوها عبر إرهاب المجتمع المدني وتدمير العمران الحضاري الذي ما قام إلا على الحرية والتعددية وحق الاجتهاد وكلها أصول إسلامية وعربية وليبرالية.
          ولكن في مواجهة سياسة الهستيريا الباحثة عن غزاة تخترعهم في الداخل وليس على الحدود، تنهض مجموعة من الرواد، في الغرب كما في الشرق، تأخذ دور الشاهد على حضارة تؤكد أن العنف ليس إسلاميا، وأن الإرهاب ليس عربيا ولا "أصوليا"، وأن نسغ الاجتهاد وحده هو ما حفظ ويحفظ شجرة خير أمة أخرجت للناس. وهذه الشهادات الغربية لا تدافع عن العرب والمسلمين بقدر ما تهدف إلى إنقاذ مجمعاتها من "أصولية" غربية ذات تفسير أحادي للدين والتاريخ. تقتل، باسم الله، المسيحيين المخالفين، قبل أن ترتد على العرب والمسلمين. وهي تأخذ في المرحلة الراهنة تجليات أخرى. ولعل هذه الشهادات التي تمتد على مدى نصف القرن الأخير تعيد لليبرالية العربية والإسلامية "أصولا" كاد يخطفها إرهاب يخون تاريخه، ويحارب حضارته... بسيوف صليبية صدئة!.  
الراهبة تروي
          كارين أرمسترونع، راهبة كاثوليكية سابقة. وضعت أخيرا كتابا هو "تاريخ السماء"- العنوان مترجم بتصرف ويبحث في تاريخ والديانات السماوية الثلاث، وقد صدر وما زال قائمة الكتب الأكثر رواجا. ومع أن الكتاب لا ينصف الدين الإسلامي، مقارنة مع اليهـودية بالذات، إلا إنه يعترف ومن دون تحفظ بما حققته: لحضارة العربية والإسلامية من إنجازات علمية "لم بكن لها مثيل في أية مرحلة تاريخية سابقة".
          تقول المؤلفة: "إن الإسلام لم يحاول أبدا إلغاء من  سبقه من الأنبياء، على العكس، إنه يؤكد على تواصل التجربة الدينية لدى الناس. ومن المهم التركيز على هذه  النقطة. لان التسامح ليس هو الفضيلة التي يشعر كثير من الغربيين. اليوم أن الإسلام يستحقها... إن المسلمين، منذ البداية، لم يتعاملوا مع البعثة النبوية بتلك الخصوصية الشديدة  (المعادية للآخر) التي تعامل بها اليهود والمسيحيون مع أنبيائهم. "وتضيف المؤلفة"  إن التعصب الإسلامي الذي يدينه الكثيرون اليوم هو تعصب ضد الظلم، سواء كان من يرتكبه حاكما من  بينهم، مثل شاه إيران محمد رضا بهلوي، أو دول الغرب القوية. إن الإسلام لا يدين التراث الديني لدى الآخرين باعتباره مزورا أو ناقصا، ولكنه يكشف عن أن كل نبي يظهر... يتواصل مع من سبقه. إن القرآن  يؤكد أن الله بعث برسول لكل أمة على وجه الأرض ويروي التراث الإسلامي أن 124 ألف حملوا الرسالة وهو رقم رمزي قد يعني ما لا نهاية...".  
الحرب العادلة
          وردا على التراث الغربي الذي دعمته الحملات الصليبية، تقول الراهبة السابقة: "في الغرب، تم  تصوير النبي محمد وكأنه "أمير حرب" يفرض الإسلام على عالم متردد بقوة السلاح. إن الواقع يختلف كثيرا فالرسول كان في موقف الدفاع عن النفس، وكان يخوض الحرب العادلة، كما أقرها القرآن وكما يتفق معها المسيحيون، إن محمداً لم يرغم أبدا أحدا على أن يغير دينه، وفي الواقع أن الإسلام يحدد، وبوضوح شديد أنه "لا إكراه في الدين" وفي القرآن فان الحرب الوحيدة العادلة هي حرب الدفاع عن النفس، وفي أحيان كثيرة فإنه من الضروري أن تحارب دفاعا عن القيم، كما آمن المسيحيون أنه من الضروري أن يحاربوا هتلر...."
          وتلتقط المؤلفة تراث محاكم التفتيش وإحراق المجتهدين في الغرب. وتقارنها مع التراث الإسلامي، فتقول:
          "إن الغرب فشل في تطوير تراث متنوع ومتعدد والتزم بأحادية التفسير للدين، وافترض أن وحدة التفسير هذه لا بد أن يؤمن بها الجميع، وبدلا من أن يسمح الغرب للمجتهدين بأن ينصرفوا إلى حال سبيلهم فإن المسيحيين الغربيين لجأوا ببساطة، إلى محاكمة هؤلاء المجتهـدين " لمختلفين" وإدانتهم، وحاولوا اقتلاع كل من لم يؤيدهم في تفسيرهم الأحادي، من جذوره، بينما في مملكة الإسلام، فان المجتهـدين كانوا عادة يموتون على فراشهم". وربما يختلف بعض المفكرين مع المؤلفة في تجاوزها لكثير من "المحن" التي تعرض لها بعض "المجتهدين" ولكنها بالتأكيد تحاول جهدها إنصاف الحضارة الإسلامية وقيمها، وفي طليعتها "التسامح" وهي تضيف في هذا السياق:
          "في الوقت الذي كان الغرب يحاول فيه تدمير الإسلام في الشرق الأدنى، كان المسلمون في إسبانيا يساعدون هذا الغرب على بناء حضارته الخاصة به...". وردا على محاولة إحياء بقايا الفكر الغربي الصليبي الذي يعتبر أن المسلمين جميعا هم "إرهابيون"، ترتد المؤلفة على بقايا هذا الفكر الغربي، وتدينه، ليس في مواجهة المسلمين فحسب، بل حتى في مواجهة المسيحيين الشرقيين، أصحاب "الاجتهاد" المغاير للكنيسة الغربية فتكتب:
          "إن التوتر بين الشرق والغرب إنما يبلغ ذروته من خلال الحملات الصليبية، خاصة، عندما قامت جيوش الحملة الصليبية الرابعة باستباحة العاصمة البيزنطية القسطنطينية في عام 1204" قبل أن تقتحمها قوات محمد الفاتح (1453 م) بحوالي قرنين ونصف القرن.
          والحضارة الإسلامية كما تراها الراهبة السابقة، هي حضارة تسامح في مواجهة التعصب الغربي، وهي حضارة تقوم على التعددية في مواجهة "أحادية" الغرب، وهي حضارة تحترم المجتهدين، ولا تقتلهم، وهذه الحضارة تخوض حروبا عادلة دفاعا عن النفس وعن قيم يهددها الطغيان الذي كان يجسده أكثر من "هتلر" في عصور الفتح. ولكن ليس في هذا التاريخ أي عزاء عندما يستورد بعض الشرق "أصول" التعصب الغربي لمحاربة هذا الغرب بالذات تحت زعم أنه مسلم "أصولي" (!).
          هـذا الموقف في نقد بقايا الفكر الصليبي الغربي. وفي الدفاع ليس عن الحضارة الإسلامية فحسب، بل وعن "أمة العرب" بالذات، في تسامحها وتعدديتها وسعة صدرها في"المواجهة مع الآخر" يكشف عن تفاصيله في كتاب "سياسة الهيستريا "وقد صدر عام 1964 من تأليف الأمريكيين "ادموند ستيلمان" و"وليام بفاف".
          الكتاب يؤكد أن العنف في الأساس "صنع في الغرب" وتم تصديره إلى باقي أنحاء المعمورة، وأن  الغرب دفع وما زال يدفع ثمن محاولته لفرض حضارته بعد تقويض الحضارات المغايرة، وللتحكم في مسيرة تاريخ يعتقد واهما أنه بملك مفاتيحه جميعها.  
احرقوهم جميعا
          يتوقف المؤلفان عند محطات في صراع الغرب "المتطرف" مع الشرق "المتسامح"، بداية من العصور القديمة وحتى التاريخ الحديث، فينقلان عن المؤرخ الفرنسي المعاصر "فرديناند نيل" روايته التالية:
          "زحف الصليبيون من مونتلبيه في العشرين من يوليو عام 1209 م. وبلغت قواتهم أسوار مدينة "بيزيه" وعبر وساطة رجال الكنيسة، طلب الصليبيون من أهل المدينة تسليم الهراطقة "الكاثار" الذين يسرحون بينهـم. ولكن أهل المدينة رفضوا، وبالتالي قام الجيش الصليبي بحصار المدينة وقام أهل المدينة بمحاولة فاشلة لاختراق الحصار، غير أنهم ردوا على أعقابهم، وزحف الصليبيون خلفهم ودخلوا المدينة .... وبدأت المذبحة.
          "أهل المدينة بحثوا، فزعين عن ملجأ لهم في الكنائس، وأخذ الآباء مواقعهم داخلها، وبدأت الأجراس تقرع، ولكن هذا لم يوقف الزحف الصليبي، سبعة آلاف شخص ذبحوا في كنيسة واحدة، وتوالى النهب بعد القتل ثم الحريق- بقيت المدينة تشتعل على مدى يومين، ولم يوفر الصليبيون أحدا: هراطقة، كاثوليكا، نساء وأطفالا، كلهم ذبحوا في سياق مجزرة هائلة تستعيد في ثناياها الأيام المظلمة للغزاة البرابرة.
          "غمر الفرح قادة القوات الكاثوليكية، بعد هذا النصر الذي اعتبروه أقرب إلى المعجزات، ولعلهم بالغوا في أرقام القتلى، قالوا إنهم ذبحوا مائة ألف، ولكن ثلاثين ألفا تبدو أقرب إلى الرقم الصحيح. ومن المؤكد أ، أهل المدينة قتلوا جميعا. وقد وقع حادث في سياق الغزو أثار نقاشا واسعا، فقد سئل راعي ابرشيه "سيتو" عن الوسيلة التي يمكن بها التمييز بين الكاثوليك وبين الهراطقة، فأجاب: احرقوهم جميعا، إن الله سوف يعرف جماعته"! ويعلق الكاتبان في مؤلفهما الذي قامت بتمويل طبعه "مؤسسة روكفلر" في نيويورك، فيكتبان:
          "هناك بالطبع ما يوازي هذا الهوس الغربي في الثقافات الأخرى. ولكن بالتأكيد أقل بكثير مما يفترضه البعض، إن الصورة التقليدية عن محاربي الصحراء المهـووسين، ينطلقون من جزيرة العرب، في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، لينشروا الإسلام بحد السيف، هي صورة مجتزأة ومشوهة. نحن نقع في خطأ فادح عندما نتصور أن المسلمين استخدموا السيف بشكل رئيسي كوسيلة لفرض دينهم على الآخرين... ". ويقتبس المؤلفان، لتأكيد هذه الشهادة، من المؤرخ البريطاني المعاصر "دبليو. جي. ديبورغ" قوله: "لقد كان السيف لدى المسلمين، أقرب إلى من يكون سلاحا سياسيا، لفرض السيادة السياسية، إذ إن العرب لم يحاولوا فرض الإسلام قهرا على المواطنين، وقد فضل بعضهم دفع الضرائب (الجزية) على اعتناق الإسلام. إن الإسلام كدين لا يعرف التعصب، بل أننا وحتى القرن السابع عشر كنا نقرأ أن رجال الدين من جماعة "الكويكرز" الذين طردوا من مستوطنتهم في (ماساشوستس" البيورتانية يلجأون إلى القسطنطينية ليمارسوا حرية عباداتهم تحت رعاية السلطان المسلم".
          وبعد شهـادة المؤرخ البريطاني يستعير المؤلفان شهادة مؤرخ بلجيكي في القرون الوسطى هو هنري بيرنيه الذي كتب: "لم تكن هناك عداوة لدى المسلمين، كما لم يمارسوا أية ضغوط... على نقيض ما فعلته الكنيسة بعد انتصارها.  
... والمرأة تأكل ولدها
          ويتابع المؤلفان الأمريكيان تجليات هذه الأصولية الغربية فيكتبان: "في حرب الثلاثين عاما الدينية (1618 - 1648 م) تشير التقديرات الجادة إلى أن عدد سكان ألمانيا والنمسا انخفض من واحد وعشرين مليون نسمة في ثلاثة عشر مليونا فقط. أما بوهيميا، بؤرة الحرب، فقد تقلص عدد سكانه من مليونين إلى سبعمائة ألف فحسب، ولم يبق في أصل خمسة وثلاثين ألف مدينة وبلدة فيها أكثر من تسعة وعشرين ".
          ويضيف المؤرخ البلجيكي الذي عايش وحشية تلك الحروب الدينية بين أهل الغرب نفسه:
          "إن ذبح كل من يرفض الاستسلام بات عرفا لدى الجميع، وقد شعر الجنود أن المدنيين هم أهداف مشروعة، فقد كانوا يطلقون النار على أقدامهم في الشوارع للتسلية، ويصادرونهم باعتبارهم خدما، ويخطفون أطفالهم طلبا للفدية ويحرقون كنائسهم للاستمتاع، لقد قطعوا أطراف رجل دين بروتستانتي، لأنه قاوم "تدمير كنيسته، وربطوا القساوسة تحت عجلات العربات وأرغموهم على الزحف على أربع حتى الإغماء. أما المحاصيل فقد كانت تنهب لإطعام الجنود وما تبقى منها يحرق لمنع العدو من الاستفادة منه. وفي بلاد " الالزالس" كانوا يقطعون جثث المشنوقين ويلقونها للراغبين في أكلها، وفي بلاد "الراين" كانت جثث الأموات تخرج من فبورها لمقايضتها بالطعام وفي "زوبريكن" اعترفت امرأة بأنها أكلت ولدها".  
القتل باسم الله
          ويتابع هذا العنف الغربي تجلياته في التاريخ المعاصر، فيكشف المؤلفان عن حروب الأديان التي شنتها- النازية ضد الشعوب المغلوبة على أمرها من دون تخصيص اليهود بهذه الإبادة. وينتقلان إلى ما ارتكبه ستالين في الاتحاد السوفييتي من حملات تطهير وتهجير ثم يتوقفان عند الحرب العالمية الثانية ليؤكدا على أن هذا العنف لم يقتصر على ألمانيا النازية ولا روسيا الشيوعية، إنما اجتاح الديمقراطية الغربية أيضا، وينقلان عن الوثائق البريطانية بعض تفاصيل الهجمات الجوية التي قام بها سلاح الجو البريطاني بمرافقة أمريكية، بين عامي 1939 و 1949 على أهداف مدنية في ألمانيا، وهنا بعضها :
          "في ربيع عام 1942، وقف نائب في مجلس العموم البريطاني؟ وهتف: أنا من اتباع "كرومويل" إنني مؤمن بأنه يجب أن نقتل... باسم الله" ويرد وزير الدفاع الجوي السيد ارتشيالد سنكلير، فيقول: يغمرني الفرح عندما اكتشف أننا، أنت وأنا متفقان تماما حول سياسة القصف الجوي التي ننفذها ضد ألمانيا".
          ويقول المؤلفان: "نتيجة لهذه القناعة" القتل باسم الله "استخدمت بريطانيا في إغارتها على مدينة هامبورغ، ليلة السابع والعشرين من يناير، ما أسمته قنابل "عاصفة النار" فأحرقت المدينة بكاملها. وبين الرابع والعشرين والتاسع والعشرين من يوليو، زاد عدد القتلى في هامبورغ وحدها على اثنين وأربعين ألف قتيل، وبعضهم يزيد الرقم إلى مائة ألف، وفي مدينة "كاسل" مات سبعون في المائة من القتلى اختناقا، أما أكثر ما وقع وحشية فقد كان الهجوم العسكري غير المبرر في نهاية الحرب، إذ أغارت الطائرات البريطانية على مدينة درسدن ليلة الثالث عشر من فبراير، فحصدت قنابلهـا مائة وخمسة وثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل، أي تقريبا ضعف عدد الضحايا الذين سقطوا في "هيروشيما" اليابانية، بعد قصفها بالقنبلة الذرية. ومع أن كتاب "سياسة الهستيريا" صدر قبل اندلاع الحرب في فيتنام، فان رسالة المؤلفين في منتهـى الوضوح وهي تحذير الغرب من العودة إلى "الأصولية" ومحاولة فرض حضارته على الآخرين لأنها سوف تمتد عليه. وتؤكد أن التعددية الحضارية هي ما يصنع الفرق بن السياسة... والتاريخ.
          أما عن اتهام العرب في حقبة الستينيات كما اليوم بأنهم متعصبون دينيا وقوميا، فيقول المؤلفان:
          ربما كان الاستثناء الوحيد لسماحة الإسلام والمسلمين هو ما وقع في الهند خلال القرنين الثاني والثالث عشر. عندما فرض الفاتحون، بقوة السلاح على السكان المحليين اعتناق الإسلام وقتلوا أعدادا منهم. وعلى أية حال، فان أولئك الفاتحين لم يكونوا أبدا من العرب الذين انطلقوا من الجزيرة الغربية لنشر الإسلام، بل كانوا مجموعة من قبائل آسيا الوسطى يحفل تاريخها بمجازر فيما بينها هي أقرب ما تكون إلى الانتحار الجماعي.
          هل تذكرنا هذه الشهـادة الأخيرة بما يجري في أفغانستان، وبظاهرة ما يسمى "الأفغان العرب" إن الغزاة الروس رحلوا من أفغانستان، ولكن "الأفغاني" بطبعته العربية كما الأفغانية كما الباكستانية يبحث عن بديل لأولئك الغزاة، وهو يجده في المجتمع المدني الليبرالي، يدفعه بحد السيف إلى الانتحار الجماعي، ومعه هذا الأفغاني تكتمل محنة الليبرالية العربية والإسلامية، فالغرب، بعد أن خان هذه الليبرالية عندما دعم وجود دولة دينية يهودية في فلسطين، عاد ليسقط عليها تاريخه ويحشرها في قائمة الإرهاب، بينما الأفغاني، في مختلف وجوده وجنسياته، يحاول أن ينتزع من هذه الليبرالية تاريخها وأن ينزعها من أصولها، فيختار من تراث الغرب التعصب والأحادية وقتل الاجتهاد وحرق المغايرين ليصنع من هذا الركام الدموي المستورد سلاما يواجه به الليبرالية الأصولية.. والمستقبل وليست المسألة سوء تفاهم مع الكلمات... بل مع التاريخ، وتلك هي "محنة الأصوليين"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق