الجمعة، 1 يونيو 2012

الحرب الالكترونية مع القراصنة تعيد امريكا شرطيا للعالم المواجهة بين الاخ الاكبر و.. الاصغر

من الملف السياسي، التاريخ:

أي وسيلة افضل لحماية منزلك: ان تضع المزيد من الاقفال على الباب الخارجي لمنع اللصوص من اقتحامه ام ان تقوم بتثبيت كاميرا فوق الباب نفسه ترصد اي حركة يقوم بها شخص مشبوه قرب المنزل وتقبض عليه ما ان يهم بالاقتحام؟ السؤال طرحه قبل ايام رئيس وحدة خاصة في مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي، ومهمة هذه الوحدة منع »الهاكرز« اي قطاع الطرق، او القراصنة او المتسللين من اختراق مواقع الشركات او الافراد او المؤسسات المحفوظة في الانترنت، وقد اجاب قائد الوحدة على السؤال قائلا: ربما علينا في البداية ان نعمل بالطريقتين معا: القفل الثقيل والمراقبة. وجاء هذا الحوار بعد ان قام الهاكرز بسبع عمليات هجومية استهدفت مواقع شركات بيع الكترونية ابرزها »ياهو« لبيع الكتب، و »باي كوم« و» اي باي« و »سي. ان. ان كوم«، اثارت ذعرا في اوساط التجارة الالكترونية، ودفعت الرئيس بيل كلينتون الى ان يعقد مجلس حرب في البيت الابيض ضم »جنرالات« شركات الكمبيوتر العملاقة، وترافق مع مؤتمر صحافي عقده مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي والى جانبه المدعي العام كان بمثابة اعلان حرب رسمية على الهاكرز.
وكانت الخطوة الاولى التلميح الى ان مكتب التحقيقات الفيدرالي سوف يضطر الى القيام بالمزيد من عمليات »المراقبة« وهو ما رأى فيه جماعات حماية الحرية الشخصية عودة الى سياسة »الاخ الاكبر... يراقبك«. ولكن الكاتب والمحلل الامريكي توماس فريد مان يرى على النقيض من تلك الجماعات ان الخطر لا يأتي من »الاخ الاكبر« وهو الحكومة هذه المرة بل من »الاخ الاصغر« الذي نجح في »استرقاق« مجموعة من المواقع تزيد على 50 موقعا، وتركها في حالة كمون الى ان قرر ساعة الصفر فأطلقها باتجاه اهدافه مما ادى الى تعطيل المواقع المستهدفة وتجميد عملياتها التجارية، وعزلها عن عالم الانترنت لفترات تراوحت بين 45 دقيقة و 4 ساعات، كانت خلالها تغرق في طوفان من المعلومات والاستفسارات الكاذبة يطلقها جيش من »الرقيق« الالكتروني، من مواقع لا تخطر على بال، من بينها شبكات الجامعات، وشركات ابحاث وكلها من الحجم الكبير، اما »السيد« فقد كان يقبع في مكان ما من هذا العالم، في الصين او الهند او اوروبا او الولايات المتحدة يتابع هذه المعركة خلف جهازه مراقبا وليس محاربا، من دون ان يترك اية بصمات الكترونية تكشف عن اهدافه او شخصيته. الحيتان والسردين ويكتب فريد مان في »نيويورك تايمز« عن هذه الحرب الالكترونية وساحتها العالم كله: عندما بدأت الجدران بين امم الارض تتهاوى وبات العالم اكثر تواصلا عبر الانترنت فقد اصبح الجميع نظريا اقوياء بمن فيهم الافراد والمخربون... ان شركة امازون كوم تملك 180 موقعا لبيع الكتب ويمكن تداول كتبها من 180 بلدا، وهي بالتالي مكتبة مدججة بالقوة الى حد الكمال، ولكن لسوء الحظ فان اسامة بن لادن المتهم بمسئوليته عن تفجير سفارتين امريكيتين في شرق افريقيا هو رجل مشحون بالقوة وغاضب، ان لديه شبكته الخاصة وهي اقرب الى ان تكون من نوع »الجهاد اون لاين« وهو يستخدمها لمواجهة الولايات المتحدة وقتل الامريكيين... وفي الاسبوع الماضي فان مخربا الكترونيا من نوع »السوبر« يعمل غالبا على جهاز كمبيوتر شخصي ويقيم في قبو في مكان ما من هذا العالم نجح في شل الحركة في مواقع اكبر شركات التجارة الالكترونية العالمية. لقد تغيرت موازين القوى، فالحيتان ازدادت حجما اما السردين فقد ازداد قوة. ويضيف فريد مان: ان التهديد اليوم لا يأتي من احتمال ان يتحول اسامة بن لادن او المخرب الالكتروني من نوع السوبر الى قوة عظمى، بل ان التهديد يصدر عن تساؤل وهو كم يبلغ عدد الاشخاص الذين باستطاعتهم ان يتحولوا الى اسامة بن لادن او مخرب سوبر؟ لقد كان السؤال الاول الذي طرحه الناس بعد الهجوم على الشركات الشعبية هو: هل سرقوا معلوماتي او حصلوا على رقم بطاقة ائتماني الشخصية؟ ان هذا يكشف عن جانب آخر من المخاطر في هذا العالم المترابط وهو قدرة الاخ الاصغر على اختراقه. ويؤكد فريد مان في نهاية مقاله انه في هذا العالم المترابط فان الحكومة هي المكلفة بمهمات الحماية. اي الاخ الاكبر. صياد الرؤوس ماذا تعني المواجهة بين الاخ الاكبر و... الاصغر؟ ربما من المفيد العودة الى بعض المفردات التي استخدمتها وسائل الاعلام الامريكية بكثافة، لعلها تحدد بعض الملامح للمعارك المقبلة، ففي وصفها لاهمية العالم الالكتروني او السيبرنطيقي في الانترنت استخدمت مجلة »نيوزديك« صفات من نوع شريان الحياة، وهو يمس الحياة الشخصية لكل فرد، بينما وصفت مجلة »تايم« نتائج الهجمات بأنها ادت الى »انهيار عصبي« اصاب هذا العالم الافتراضي في مقتل، اما الهاكرز او قطاع الطرق فقد تدفقت النعوت عليهم من نوع: اصحاب البرامج الشيطانية والغزاة واسراب الجراد، كما اطل في ساحة المواجهة ابطال جدد هم »التوابون« اي الرجال الذين حوكموا وادينوا بتهمة تخريب بعض المواقع الالكترونية بعد اختراقها وهؤلاء تحولوا الى قديسين تتسابق الشركات كما الحكومات الى توظيفهم لديها للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في تعقب الهاكرز، وهؤلاء التوابون اقرب الى »صيادى الرؤوس« في افلام الغرب الامريكي، حيث يطارد الواحد منهم الاشقياء ويتحول من مجرم الى شريف، وهناك اخيرا طائفة »العبيد« وهي اجهزة الكمبيوتر القابعة حتى الآن في الشركات الكبرى والجامعات والتي لم يوفر لها اصحابها الحماية الكافية حيث يهاجمها المخرب ويسترقها ويجعلها في خدمته، يطلقها حين يشاء وباتجاه اي هدف. وكالة الغباء الامريكية اذن فإن ساحة المواجهة هي العالم كله، وليس هناك قواعد تحكم اللعبة فالهجمات قد تستهدف اي موقع، ولأي سبب، من وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية التي نجح القراصنة في اختراق موقعها وتحويل اسمها الى »وكالة الغباء المركزية الامريكية« مرورا بشركة »ريل نيمز« التي تعرضت لعملية اختراق ولكنها لا تعرف اذا كان القرصان قد استولى على ارقام بطاقات ائتمان زبائنها وكذلك شركة »يونيفرس« التي تم السطو على ارقام 300 ألف بطاقة ائتمان لعملائها، وطلب القرصان الذي اختار اسما حركيا له هو »ماكسيم« ان تدفع له الشركة فدية تبلغ 100 الف دولار للافراج عن تلك الارقام وتدميرها، والا فإنه سوف يطلقها على الانترنت مع اسماء اصحابها، وهو ما فعله تماما بعد ان رفضت الشركة الدفع، ونصل اخيرا الى المناورات التي اجراها البنتاجون قبل عدة اشهر حول حرب الكترونية ضد الولايات المتحدة، استخدم خلالها 30 خبيرا للقيام بعملية الغزو، وقد نجح هؤلاء في تدمير مرافق حيوية امريكية اكثر مما نجحت القنبلة النووية التي القاها الامريكيون على مدينة هيروشيما اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية. ولان المواجهة بين الاخ الاكبر والاصغر تشمل العالم كله، ولأنها حرب بلا قواعد ولا ضوابط فان برنامج الوقاية الذي يقترحه مكتب التحقيقات الفيدرالي يشمل الارض كلها، حيث الاخ الاكبر يراقب كل شىء ويعرف كل شيء... وحيث »صياد الرؤوس« الامريكي يتجول في المؤسسات وغرف النوم في اربع زوايا الارض... ولا خيار امام العالم الثالث، فاما ان يستغني عن الكمبيوتر والانترنت ويبقى وحيدا في كهوف التاريخ، أو ان يدخل العصر السيبرنطيق... حيث الولايات المتحدة هي شرطي العالم... مجددا. ... ومع ذلك فان الاخ الاصغر ما زال طليقا (!).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق