الاثنين، 4 يونيو 2012

الأصوليون في الغرب ليسوا أكثر عقلانية ولكن الديمقراطية تستوعبهم المؤامرة لا تحتاج مهربين

من الملف السياسي : التاريخ:

"المؤامرة" هي الغذاء الروحي للأصوليين، سواء كانوا في الولايات المتحدة أو في العالم الثالث، يستخدمونها عدة للشغل في السياسة كما في الاقتصاد، وبينما نجحت الديمقراطيات الغربية في استيعاب "المؤامرة" والتعامل معها باعتبارها بضاعة شرعية تخضع لنظام السوق فإن الأنظمة البوليسية والديمقراطيات الشكلية والفقيرة في العالم الثالث تتعامل مع المؤامرة باعتبارها بضاعة مهربة، تدفع بأصحابها المهربين إلى السوق السوداء في أحسن الأحوال وإلى الجبال والمنافي في أسوئها، ورغم ان الأصولية في الغرب ليست أكثر عقلانية من الأصولية في العالم الثالث، فإن ما يصنع الفرق ليس الأصولية ذاتها، بل النظام وقدرته على خلق سوق لاستيعابها وتداول أسهمها في السوق وفق نظام العرض والطلب. وهنا أمثلة ميدانية لعلها تصلح مؤشرا.
ألوان ورموز "إذا كان البنفجسي هو لونك المفضل، وإذا كنت معجبا بكل ما هو مثلث الأضلاع فأنت منحرف خلقيا" العبارة لرئيس ما يسمي "الأغلبية الأخلاقية" في أمريكا القس جيري فلويل، وقد زعم مرة ان أغلبيته منحت الرئيس الأسبق رونالد ريجان مليون ناخب. وجيري فلويل اليوم يعتبر أبرز أصحاب البرامج الدينية في القناة المسيحية بالولايات المتحدة، وهو ما زال يدعم الحزب الجمهوري، ولكنه يفتح على حسابه جبهات ترضع من حليب المؤامرة حتى الثمالة، آخر هذه الجبهات هي ان هناك مؤامرة على أطفال أمريكا يقودها أصحاب الانحراف الخلقي الموالون للحزب الديمقراطي، ووفقا لمجلة »ناشيونال ليبرتي جورنال« التي يصدرها فلوبل فإن عنوان هذه المؤامرة هو المسلسل الكرتوني الشعبي لدى الأطفال »تلي توبيز« teletubiesوفي هذا المسلسل يظهر البطل تنكي وينكي وهو يحمل حقيبة، أقرب إلى ان تكون حقيبة نسائية، وهي بنفسجية، ومن المعروف ان اللون البنفسجي هو المفضل لدى المنحرفين خلقيا، أما الدليل الآخر الذي لا يحتمل الشك ولا النكران فهو ان تنكي وينكي يملك »أنتينا« في رأسه، وفي نهاية الانتين مثلث، وهذا المثلث معروف انه الرمز العالمي للمنحرفين خلقيا!، ويطالب جيري فلويل في نهاية هذا الكشف بمنع المسلسل، أو بالغاء شخصية تنكي وينكي لحماية الحياة الأخلاقية لدى الاطفال من الانحراف ومؤامرات المنحرفين. وفي هذه المدرسة في التفسير التآمري لكل ما يجري من حولنا نجد اتباعا كثيرين في العالم الثالث، ولعل ما نشرته احدى المجلات الخليجية مؤخرا يكشف ان ترجمة جيري فلويل إلى العربية هي من نوع الترجمة الفورية، فقد نشرت المجلة صورة لزجاجة مشروب غازي، وفي منتصف الزجاجة اسم المشروب بالعربية والانجليزية، ومع الصورة نشرت التوضيح التالي: لا تنظر إلى الزجاجة مباشرة من الأمام بل من الخلف، ثم اقلبها رأسا على عقب، فتكتشف ان اسم الشركة تحول إلى صورة »لفظ الجلالة« باللغة العربية، وبما ان الزجاجة سوف تنتهي غالبا في صناديق القمامة فإن هناك مؤامرة على المسلمين! تهويد القدس وتدميرها وعودة إلى جيري فلويل وهو من اشد المتحمسين لتهويد القدس، ومن المدمنين على زيارة اسرائيل، وجمع التبرعات لها و.. التبشير بتدميرها! كيف؟ يعتقد فلوبل ان تهويد القدس هو من علامات الساعة وعودة المسيح ليقضي على مملكة اسرائيل ويعيد بناء مملكة الرب، وبالتالي كلما ساعد اسرائيل على تهويد القدس كلما اقترب من تلك المملكة وهو لا يخفي هذه القناعة التي أثارت نقاشا في صفوف الجالية اليهودية في أمريكا، غير ان النقاش تم حسمه عندما اجمع حاخامات مدينة نيويورك على قبول التبرعات التي يقدمها زعيم الأغلبية الأخلاقية لاسرائيل، أما بعد تهويد القدس واعلانها عاصمة لاسرائيل فسوف نرى إذا ما كانت فلويل على حق...« ... ومازالت بضاعة القس فلويل تخضع لنظام السوق. المليونير والمؤامرة القس بات روبرتسون أصولي أمريكي آخر سطع نجمه في عهد الرئيس جورج بوش، وترشح منافسا له في عام 1988، وحليفا له في معركة التجديد، شرط ان يلغي الرئيس بوش من قاموسه عبارة »النظام العالمي الجديد« لأنها عنوان المؤامرة العالمية على المسيحية وعلى المسيحيين في الولايات المتحدة، وقد أصدر روبرتسون كتابا يحمل اسم »النظام العالمي الجديد« كشف فيه أبعاد المؤامرة التي شاركت فيها الماسونية وصولا إلى اليهود، ونجحوا في تثبيت شعارهم فوق الدولار الأمريكي الذي تظهر عليه صورة هرم مثلث تعلوه عين أوزيس الفرعونية، وكلها رموز للمؤامرة، وقد نجح روبرتسون في قيادة الائتلاف المسيحي الذي منح الجمهوريين على حد زعمه ما يزيد على ثلاثة ملايين ناخب في الحملة لانتخاب الرئيس بوش، وهو من مؤسسي شبكة الارسال المسيحية التي يتابعها ما يزيد على ثمانية ملايين مشاهدة، بينهم مليون مدمن على متابعة برنامجه »كلوب 700« حيث يبلغ المشاهدين، ومن دون ان يطرف له جفن انه يخاطب الرب مباشرة، أحيانا بالانجليزية وانه نجح في تحويل مسار أحد الأعاصير كي لا يضرب محطته التلفزيونية، وقد حقق روبرتسون نفوذا سياسيا بارزاً وثروة طائلة عندما باع حصته في شبكة الارسال قبل 3 أعوام إلى روبرت ميردوخ مقابل مبلغ 108 ملايين دولار، بالاضافة إلى انه يملك مصفاة للنفط وعدة شركات، وهو حاليا يخوض حربا ضروسا في بريطانيا بعد ان قرر انشاء بنك اليكتروني بالاشتراك مع بنك اسكتلندا، ورغم احتجاج اتحادات الطلاب والنقابات والحركات النسوية على هذه الشراكة إلا ان بنك اسكتلندا يرى ان الشراكة مع روبرتسون هي فرصة نادرة، فهناك مليون عميل على الأقل جاهزون لفتح حساباتهم في البنك. آخر الأصوليات أما آخر الأصوليات الأمريكية فنشاهدها في نموذجين: الأول هو مايك ستون الذي خصصت له صحيفة »وول ستريت جورنال« مؤخراً تقريراً مطولا على الصفحة الأولى عرضت لنشاطاته في دعم اليمين المسيحي داخل الحزب الجمهوري، في حملة سلاحها »الانجيل والصلاة« حيث يطوف الولايات المتحدة الأمريكية وعلى طريقة المبشرين الأوائل، رغم انه يستخدم الهاتف النقال، داعيا المصلين إلى مواجهة الثلاثي غير المقدس: منع الصلاة في المدارس، واباحة الاجهاض، وزحف جماعات الانحراف الخلقي رجالا ونساءً.. وهذا ربما يتحقق بانتخاب المرشح الجمهوري للرئاسة جاري بوير، ويروي رستون للمصلين ان علاقة متينة تربطه مع السماء، منذ فترة دراسته الثانوية عندما استجاب الرب لصلاته فلم يخسر فريق المدرسة الرياضي مباراة واحدة (!)، ويرى ان حركته حققت نجاحا نسبيا عندما فرضت على المرشح الجمهوري بوش الابن ان يعترف علنا بأن فيلسوفه المفضل هو »السيد المسيح«. النموذج الثاني يمثله عضو مجلس الشيوخ المحلي في ولاية فيرجينيا وارن باري الذي اقترح على مجلس الشيوخ قبل أيام »وقوف التلاميذ دقيقة يوميا في جميع الصفوف وفي كل المدارس التابعة للولاية للتأمل الصامت والصلاة والتفكر في أحوال العالم، وهو ما وصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه »ردة« عن فصل الدين عن الدولة، وخطوة رجعية في الاتجاه الخاطئ، مما اضطر وارن باري للدفاع عن نفسه قائلا: انها ليست صليبية دينية، ولكنها ضرورية لمنع تفاقم الجريمة في المدارس ، والحوار مازال مستمرا في اطار اللعبة الديمقراطية، على الأرض وليس في السماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق