الجمعة، 1 يونيو 2012

الحرب الباردة انتهت وابطالها يتساقطون، حروب وقادة و .. خونة (!)، توحيد المانيا واوروبا لايبرر خيانة الدستور

من الملف السياسي: التاريخ:

في عام 1960 كانت ازمة معيشية خانقة تضرب شعب العراق فالثورة حملت الى الناس الكثير من الشعارات وقلة مما يحتاجونه في حياتهم اليومية من مواد غذائية, واطل الزعيم عبدالكريم قاسم وخاطب شعبه قائلا: يقولون في العراق ماكو بيض.. ماذا نفعل اذا كان (دجاجنا مريض ما يبيض) وذهبت العبارة مثلا فالدجاج ليس من مسئولية الثوار ولا الحاكم. تلك كانت حرب البيض وقد تجددت في الكويت في مطلع الثمانينيات عندما اشتدت المنافسة الخليجية على منتجي البيض واصحاب المزارع الكويتيين, وعندما عجزوا عن اقناع الحكومة بتوفير الحماية الرسمية لجأوا الى المستهلك ورفعوا شعار : حماية البيض الكويتي مهمة وطنية وادعم بيضك الوطني, وقد تجاوب الجمهور على ما يروي اصحاب المزارع ومنح البيض هوية وطنية.
تلك كانت مواقع في حروب البيض: وهي حروب لم تتوقف حتى يومنا الحاضر وحرب اللحوم داخل الاتحاد الاوروبي شاهدة وحرب الموز بين اوروبا وامريكا شاهد آخر.. ولهذه الحروب ابطالها وساعاتها وضحاياها. ومن بين هؤلاء الابطال شركة الفواكه الامريكية التي اسقطت النظام الديمقراطي في جواتيمالا في السبعينيات, ولم تهنأ بانتصارها, اذا شعلت نيران ثورة دامت ما يزيد عن عشرين عاما وحصدت الكثير من مزارعها قبل ان يقوم الكونجرس بقضمها واغراقها بالتعويضات, اما الضحايا فإن هناك دزينة من الوزراء في بريطانيا واوروبا سقطوا في حرب السالمونيلا وجنون البقر.. والبندورة.. وبقيت رؤوسهم معلقة على اعمدة الاعلام كي يعرف الحكام كما الثوار ان البيض من مسئولية الحاكم. الملك كول المستشار الالماني هيلموت كول كانوا يلقبونه بالملك, فقد امضى في دار المستشارية في بون 16 عاما, هو من اسقط جدار برلين واستعاد وحدة المانيا وهو من فرض الوحدة النقدية الاوروبية بعد ان كان ابرز الرواد في قيام الاتحاد الاوروبي وفي عهده بلغت المانيا من القوة حدا دفع رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر الى سؤال مستشاريها: هل تشهد قيام الرايخ الرابع؟ ولكن المستشار كول كما الملك لير في مسرحية شكسبير يهوي من عليائه وحيدا.. ويخضع للتحقيق وربما يقدم الى المحاكمة بتهمة خيانة الدستور. حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وقد تزعمه منذ العام 1973 وحتى العام 1998 طلب منه ان يتنحى عن رئاسة الشرف للحزب, وان يكشف عن مصادر التمويل التي ادرجها في حساباته السرية. وجريمة الملك كول هي انه, بعد توحيد المانيا, لم يعترف ان الحرب الباردة قد انتهت, والقى على نفسه مهمة اعادة تأهيل المانيا الشرقية تحت قيادة حزبه, ولان اعادة التأهيل تحتاج اموالا مماثلة فان الملك تابع استخدام اسلحة الحرب الباردة وقبل تبرعات, وقبل رشاوى وعمولات, استخدمها في معارك حزبه الانتخابية في المانيا الشرقية سابقا, ربما كان الامر مشروعا قبل نهاية الحرب الباردة فقد كان سور برلين يفصل بين عالمين, عالم الخير وعالم الشر, ومن اجل الاقتصار على الشر كانت جميع الاسلحة مباحة وكانت الغاية تبرر الوسيلة, ولكن مالم يكتشفه كول هو ان العالم قد تغير وان نهاية الحرب الباردة, اطلقت في المانيا بالذات قوى جديدة تعرف ان الدستور الالماني ينص بوضوح على انه ينبغي على الاحزاب ان تكشف علنا عن مصادر تمويلها. المستشار كول اخفى في حملات حزبه الانتخابية مصادر التمويل ومازال يصر على عدم البوح باسم المتبرعين لانه منحهم (كلمة شرف) بأن تبقى اسماؤهم طي الكتمان وفي قفص الضلوع. (كلمة شرف من خارج على الدستور؟) يسأل الالمان بسخرية مريرة وهم يستفيقون من اثار صدمة, كانت اقرب الى الانقلاب او (البلاغ رقم واحد) في عالمنا الثلاثي وهم على حق لأن خيانة المستشار للدستور تهدد النظام الديمقراطي بأكمله, وتستعيد كوابيس الرايخ الثالث حيث الحزب الواحد والحاكم يعيد ترجمة الدستور, اذا كان عاجزا عن اعادة صياغته. رجل عظيم واخطاء عظيمة المؤلف الامريكي تيموثي جارتون ايش صاحب كتاب (تاريخ الزمن الحاضر) كتب في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية تعليقا على سقوط الملك كول, قال فيه, بعد ان ينقشع غبار هذا الحزب, فان موقع كول لن يتغير في التاريخ, اذ ان اكثر النقاشات قدما في التاريخ تدور حول طبيعة (الرجل العظيم) هل هي منظومة اخلاقية, ام انها وحدة لقياس مدى تأثير الفرد على مصائر الجماعة, سواء نحو الاحسن او الاسوأ؟ ان اكثر الرجال العظماء ايجابية يملكون ايضا اخطاءهم العظيمة.. وكتاب التاريخ سوف يكون بالتأكيد اكثر رأفة بالملك كول. اختراع الاعداء في الداخل كوريا الجنوبية, ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية, كانت احد خطوط التماس الساخنة بين المعسكرين الشرقي والغربي, نهاية الحرب بين الكوريتين الشمالية والجنوبية تقلص الجبهات الى الداخل فالصراع ضد الشيوعية داخل كوريا الجنوبية بات صراع وجود وليس صراع حدود فقط, وجنرالات كوريا الجنوبية وقادتها العسكريون قرروا ان وجودهم في قمة هرم السلطة هو ضرورة لاقتلاع الشيوعية في عاصمتهم سيئول, ولكن ماذا لو لم يكن هناك شيوعيون؟ لعل أحد الجنرالات طرح السؤال, وكانت الاجابة: نخترعهم, وهكذا توالت الحملات تحصد جميع التيارات الديمقراطية والقيادات الليبرالية في البلاد, إذ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الشيوعية, وكان مناخ الحرب الباردة مواتيا لتفريخ أجيال من القادة, وعلى كافة المستويات تعتبر انها تمتلك مهمة تاريخية ألقاها القدر على كاهلها ولابد ان تتحملها من دون ضعف ولا وهن ولا شفقة.. وامتلأت السجون بالآلاف وتصاعدت من اقبية التعذيب صرخات الضحايا ولكنها لم تبلغ مسامع الكونجرس الأمريكي الذي كانت بلاده تتعامل مع كوريا الجنوبية باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الشيوعية العالمية بقيادة الزعيم الشمالي كيم ايل سونج. ثم تغيرت الأحوال, والجدار لم يسقط في برلين وحدها بل على مستوى العالم, ولم يعد سقوط الطلاب المتظاهرين في سيئول ضحايا برصاص الشرطة والجيش (ضربة للشيوعيين) ومثلها الاعتقالات ومداهمة شبكات التخريب, ولكن هذا لم يضمن حكام كوريا وتابعوا حربهم الباردة إلى ان وجدت الصرخة الديمقراطية صداها على مستوى العالم بما فيها الكونجرس, ثم قامت حكومات وديمقراطية منتجيه تمثل القوى التي أطلقتها نهاية الحرب الباردة, فماذا حصل للقادة التاريخيين؟ الجلاد والضحية وجها لوجه نقرأ في صحيفة (هيرالد تريبيون) الدولية جزءا من تقرير نشرته على صفحتها الأولى في سيئول ويبدأ كالتالي: (عندما ألقى نظرة الى التلفزيون والتقط صورة الجلاد الذي كان يقوم بتعذيبه بعد (11) عاما قضاها مختبئا فإن كيم سنج هاك وقف متجمدا مع الرعب في ذاكرته. يقول (سقط قلبي على الفور) لقد عادت الذكريات, وصرت أشعر بها في جسدي, رائحة جلدي يحترق, الصرخة الصامتة العالقة في حنجرتي) . وتتوالى في التقرير روايات الضحايا عن التعذيب بالكهرباء للاعتراف بأنهم شيوعيون ومخربون. ويظهر الجلادون بوجوههم الحقيقية يخافون مواجهة نظرات الضحايا ويؤكدون انهم كانوا يقومون بعملهم لم يكن لديهم أحقاد شخصية بل كانوا مكلفين بهذه المهمة هكذا بكل برود. ويبلغ التقرير ذروته الدرامية عندما يروي على لسان كوري عمره 55 سنة, لقد كان التعذيب والاعتقال التعسفي مسألة تقليدية في تلك الفترة لقد كانت وسيلة شريرة ومؤلمة ولكنها كانت ضرورية. أما في القاعة حيث يحاكم الجلادون فقد علا صوت احد الضحايا: أريده ان يعذب تماما كما عذبني , لا أكثر ولا أقل) . ورياح التغيير مازالت تهب وعلى الجلادين ان يستعيدوا صور الضحايا وان يستعدوا للنظر في وجوههم .. إذا قدروا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق