الخميس، 21 يونيو 2012

غرف التجارة والصناعة في الغرب أهم من غرف العمليات العسكرية


ان الاستخبارات الاقتصادية هي اكثر المواضيع سخونة منذ نهاية الحرب الباردة) . العبارة اطلقها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية السابق (سي. آي. ايه) جيمس وولسي في عام 1993, خلال جلسة استماع امام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الامريكي, وحدد فيها الاستراتيجية الجديدة والمهمات التي تحتل الاولوية في قائمة الاعمال السرية لاجندة الاستخبارات الامريكية. الترجمة العملية لهذه الاستراتيجية خرجت من وزارة التجارة, عندما اعلن الوزير رون براون عن انشاء (غرفة حرب) في وزارته, الجنرالات فيها هم مجموعة من رجال الاعمال ورؤساء مجالس الادارات في بنوك وشركات ومؤسسات تجارية. ويحدد هؤلاء الجنرالات الاهداف الانية وبعيدة المدى لحملاتهم الاقتصادية, مدعومة بخرائط تفيض بالارقام والاسماء ومراكز (العدو) , تاركين لاجهزة الدولة, ومن ضمنها الاستخبارات مهمة تنفيذ هذه الاستراتيجية ضد الخصوم.
ومن هنا لم يكن صدفة ان الحكومة الفرنسية في عام 1995 طردت من اراضيها خمسة مواطنين امريكيين, اربعة من بينهم يعملون في السفارة الامريكية في باريس باعتبارهم دبلوماسيين, وكانت التهمة التي وجهتها الحكومة الفرنسية لهؤلاء هي التجسس والقيام بأعمال تخريب اقتصادية تستهدف عددا من الشركات العملاقة الفرنسية, كما كشفت الصحافة الامريكية عن عمليات مشابهة تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية في بريطانيا وفي اليابان وفي دول اخرى حليفة (!). غرفة عمليات كوسوفو مناسبة هذا الحديث كشف عنه الاسبوع الماضي عدد من الخبراء العسكريين والاقتصاديين في فرنسا بالذات, عندما اتهموا قوات حلف الاطلسي, ومن فيها القوات الفرنسية, بانها قامت خلال الحرب بقصف اهداف في كوسوفو وبلجراد لاسباب تجارية وليس عسكرية, وقد تلقفت وسائل الاعلام الامريكية هذا الاتهام, وتابعت خلفياته بالتفصيل, حيث تبين ان لدى البنتاجون الامريكي (غرفة عمليات تجارية) رديفة لغرفة العمليات العسكرية, وتتولى هذه الغرفة تحديد كلفة اعادة اعمار كل هدف تقوم القاذفات او الصواريخ بقصفه وتدميره, مع وضع قائمة بأسماء الشركات الامريكية المؤهلة للقيام بعملية اعادة الاعمار, ومن هنا لم تكن صدفة ايضا انه فور الاعلان عن وقف العمليات العسكرية في البلقان كانت الشركات الامريكية هي السبّاقة بالاعلان عن خطط إعادة الاعمار, وقد قدرت كلفتها بحوالي 50 مليار دولار, والرقم قد يقبل المناقشة صعودا وليس هبوطاً. حرب الانابيب وما جرى في حرب البلقان يمكن تعميمه على الحروب الاخرى, خاصة في القارة الافريقية, حيث اوضح الرئيس الامريكي بيل كلينتون ان مثل هذه الحرب يمكن ان تتكرر في افريقيا, وهو ما اعتبرته الحكومة السودانية تهديدا مباشرا لها باعتبارها المعنية. كما يمكن استخدام (غرفة الحرب) الاقتصادية دليلا الى الحروب الصغيرة المشتعلة في دول الاتحاد السوفييتي السابق النفطية وصولا الى افغانستان, حيث تطلق شركات النفط على هذه الحروب اسم (حرب الانابيب) من المنبع الى المصب. ... وحروب الذهب والألماس اما اسوأ الحروب واطولها واكثرها شراسة فهي (حرب الذهب والماس) وبؤرتها الرئيسية في الكونغو, حيث تشارك فيها مباشرة سبعة جيوش من دول مجاورة, وتشارك مداورة عشرات من الميليشيات ومجموعات من المرتزقة المحترفين تقوم باستئجارهم وتمويلهم شركات امنية في الغرب تعمل بدورها لحساب شركات تتعامل بالذهب والألماس في الغرب ايضا. ومحور الصراع حاليا, وفقا لمجلة الايكونوميست البريطانية هو منطقة (موبجي مايا) مركز المناجم في الكونغو, اما ابرز رموز الصراع فهم الرئيس الكونغولي لوران كابيلا وتدعمه قوات عسكرية من زيمبابوي, وبالمقابل فان (الثوار) وهم عدة حركات غير متجانسة, وتتناسل عبر حركات الانشقاق الاسبوعية, يلقون الدعم العسكري من اوغندا ورواندا, وكل منهما يعاني من حرب اهلية بدوره, وتقول الايكونوميست ان الطريق الى كينشاسا عاصمة الكونغو يمر من منطقة المناجم, فاذا نجح الثوار في السيطرة على (موبجي مايا) فان طريقهم الى العاصمة تصبح مفتوحة لان مشكلة (التمويل) التي يعانون منها, سوف تجد حلا, خاصة وانهم قد عرضوا على دول مجاورة وشركات غربية تتعامل بالذهب والألماس امتيازات مسبقة وبأسعار رخيصة فرضتها الحاجة, اكثر مما تفرضها اسعار السوق العالمية. ... ولحوم الغابة ايضا ... وماذا عن الحرب الجديدة في وسط افريقيا وهي تحمل اسم.. حرب لحوم الغابة؟ ساحة هذه الحرب هي اربعة دول حتى الان: الغابون, الكاميرون, جمهورية افريقيا الوسطى, والكونغو, ومرفقا للمنظمة العالمية لحماية الحياة البرية, وهي تتخذ من حيوان الباندا شعارا لها, فان شركات متعددة الجنسيات والاهداف بدأت منذ فترة تنشط في مناطق الغابات العذراء, بعض هذه الشركات بدأ يشق الطرقات داخل الغابات, اما للوصول الى مناجم جديدة, او لبناء مشاريع سياحية, يسمونها تنموية, وفي البداية فان هذه الشركات الغربية قررت ان تطعم عمالها من (لحوم الغابة) فاستأجرت لذلك مجموعات من الصيادين, ومنحت كلا منهم كمية محدودة من الرصاص حماية للبيئة (!) ـ كي يصطادوا من حيوانات الغابة ما يكفي فقط لاطعام العمال, غير ان الصيادين كانوا اكثر مكرا من الشركة, فكانوا يختارون اكبر الحيوانات لاطلاق النار عليها واصطيادها, وخاصة الشمبانزي والقردة الكبيرة والفيلة ووحيد القرن (كلها يؤكل فهي نباتية), وبعد ان يؤمنوا لعمال الشركة وجبتهم من لحوم الغابة, تبقى عدة طلقات يستخدمونها لتجارتهم الخاصة, وخاصة القردة الصغيرة التي تباع بأسعار عالية في بلدان شرق اسيا, ويقوم اصحاب اللوريات العاملون في شتى الطرقات بتهريب اللحوم الى المدن والموانئ حيث تأخذ طريقها الى المطاعم الفاخرة في العواصم الغنية, وكما تقول المنظمة العالمية فان لحوم الغابة اشعلت جبهات حقيقية وصار لها باروناتها وامراء حربها وهي تهدد بابادة الغابات وما فيها من حيوانات... العودة الى غرفة التجارة الى أين نصل من كل هذا؟ ان الشعار الذي رفعه الرئيس بيل كلينتون في ولايته الاولى اثناء مواجهة الرئيس جورج بوش كان (انه الاقتصاد.. يا عيني) , وعندما تتم ترجمة هذا الشعار عالميا فمن الطبيعي ان تتحول (غرفة الحرب) من البنتاجون الى وزارة التجارة, وغرف الصناعة والتجارة... ولعل المشكلة في العالم الثالث والمتخلف, ونحن من بين شعوبه ودوله, انه مازال يعتبر ان البنتاجون, وليس غرف التجارة والصناعة هي ما يمنحه الامن والحماية, وان الجنرالات وليس رجال الاعمال هم (عقل) الامة مع ان عقول هؤلاء غالبا لا تزيد على حجم رصاصة (!).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق