الخميس، 17 مايو 2012

عندما يصبح المتغير هو الثابت الوحيد في مراكز صنع القرار اللعبة الصينية في جنوب لبنان


اذا وقع زلزال في كاليفورنيا فابحث عن السبب في.. الصين العبارة تبدو اقرب الى ان تكون قولا مأثورا يصلح شعارا للعولمة, غير ان صحيفة (صن) الامريكية وليست البريطانية اكدت ان العبارة تعبر عن واقع حقيقي عندما كشفت عن (مؤامرة) على الولايات المتحدة حاك خيوطها الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونج, وفي التفاصيل قالت الصحيفة الشعبية ان صاحب مسيرة المليون ميل قرر ان يثأر من امريكا عاصمة الرأسمالية العالمية فوضع خطة تقضي بأن يقفز المليار صيني اعلى ما يستطيعون في الهواء في وقت واحد وان يضربوا بأقدامهم عندما تعود لملامسة الارض, وهو ما سوف يؤدي الى وقوع زلزال, على الناحية الاخرى من الكرة الارضية, سوف يكون كافيا لتدمير ولاية كالفيورنيا (!) وقد لقيت هذه الرواية عن المؤامرة رواجها في الخيال الشعبي الامريكي المسكون بهواجس التنين الاصفر عندما يستيقظ, ولكن عناية السماء انقذت الامريكيين فقبضت روح ماوتسي تونج في العام 1976 وقبل ان يشرع في تنفيذ مؤامرته الجهنمية. وبقطع النظر عن مدى صحة (المؤامرة) فإن عنوانها يبقى صالحا لمحاولة معرفة مايجري في جنوب لبنان حاليا, وما يجري هو اقرب الى اللعبة الصينية, تفتحها فتجد داخلها لعبة ثانية, وتفتحها فتظهر ثالثة, وهكذا حتى موعد الانسحاب الاسرائيلي, وهذا بدوره لم يعد محددا بوقت معلوم, فهو في يوليو تارة وفي يونيو طورا وربما قبل ذلك احيانا, وما يجعل هذا الانسحاب اقرب الى اللعبة الصينية ليس تعدد الاطراف المهتمة المشاركة والمتابعة لهذا الانسحاب فحسب, بل لان كل طرف من هؤلاء يكاد يتحول بدوره الى لعبة صينية, يمكن ان تحمل الشيء ونقيضه.
وهذه الاطراف يمكن ايجازها بعدة دول, تبدأ في حلقتها الضيقة بسوريا ولبنان واسرائيل, وتتوسع لتشمل ايران وتركيا ثم فرنسا والولايات المتحدة ونظرة سريعة نلقيها على مايجري في هذه الدول ربما تساعد على فك طلاسم هذه اللعبة ولعلها تزيدها تعقيدا, تبعا للجهة التي ينظر منها المراقب. مخاض ومواجهات سوريا, ولبنان يعيش وحدة حال معها, تشهد تغييرات جذرية وغير مسبوقة منذ ربع قرن, وتعيش مخاضا بدأت مواليده, الجدد تطل لتلعب دورها في قيادة سفينة الحكم باتجاه عالم جديد, ابرز رموزه بشار نجل الرئيس حافظ الاسد, وكما يحدث في فترة التحولات الكبرى فإن وجوها من (الحرس القديم) تتهاوى واخرى تغيب, وتظهر وجوه جديدة تفيض بالتوقعات. اما الجمهورية الاسلامية في ايران, وهي قد لعبت دورا بارزا في لبنان طوال العقد الاخير, ولم تحاول اخفاء بصماتها في نشاطات المقاومة الاسلامية لطرد المحتل الاسرائيلي من الجنوب, فإنها بدورها تعيش مواجهات ساخنة بين تيارين اصلاحي ومحافظ تجعهما المشاركة في السلطة وفي مراكز صنع القرار, ولكن كلا منهما يملك رؤية مختلفة للعلاقات مع الخارج, ومن بينها دور المقاومة الاسلامية (وحزب الله) تحديدا, بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان, وكذلك موقفا مختلفا من مشاريع الاسلام التي يتم تداولها في المنطقة, وهذا الصراع بين التيارين ينعكس سلبا وايجابا سواء في العلاقة الوثيقة مع سوريا, او في العلاقة مع حزب الله. وفي تركيا, الجار الشمالي لسوريا, فإن المواجهات العسكرية بين الدولة وبين حزب الله الكردي هي محطة فحسب في المواجهة بين العلمانية والحركات الدينية او بينها وبين الاكراد وفي كل الاحوال فإن هذه المواجهات وان كانت محلية فإن دوائر تأثيرها تتجاوز الحكومة التركية وتنعكس في دول الجوار, سواء على صعيد الحكومات او الحركات الشعبية, من دون اغفال الاشارة الى العلاقة الوثيقة التي تربط مابين انقرة وتل ابيب, وما يتردد عن دور لتركيا في مفاوضات السلام تلعبه على صعيد المياه. فرنسا, صاحبة الدور التاريخي في لبنان, تحمل بدورها النقيضين فالحكومة الاشتراكية لا تخفي تعاطفها مع اسرائيل, وتصريحات ليونيل جوسبان عن (حزب الله الارهابي) مازالت طرية في الذاكرة, بينما الرئيس الديجولي جاك شيراك مازال يعتبر ان فرنسا هي (الام الحنون) للبنان ولكل من هذين الموقفين تداعيات على الارض, وخاصة في المشاركة الفرنسية في قوات اليوتيفيل في جنوب لبنان, وشروط هذه المشاركة, في ظل تصريحات وزير الدفاع الفرنسي الان ريشار الاخيرة, وهي تكاد تساوي بين الاحتلال الاسرائيلي والوجود السوري في لبنان, وهو صراع يفيض بالاحتمالات, وينعكس بالتأكيد على مايجري في جنوب لبنان. اما واشنطن فإن امرها معروف, اذ ان الرئيس بيل كلينتون يخوض معارك ربع الساعة الاخيرة وعلى كافة الجهات, ورغم انه بذل ومازال الكثير من جهده ووقته لتحقيق انجازات تاريخية تكرسها اتفاقات للسلام بين اسرائيل وجيرانها, الا انه دخل في المرحلة التي يطلق فيها الامريكون على الرئيس وصف (البطة العرجاء) فالانتخابات الرئاسية على الابواب, وبالتأكيد فإن الجمهوريين في الكونجرس, وهم اغلبية, سوف يكونون اخر من يسعى لمساعدته في تحقيق انجازه التاريخي. باراك اما زال يحكم؟ وماذا عن اسرائيل؟ ايهود باراك حتى منتصف الاسبوع الماضي كان يحكم, اي ان وجوده على رأس الائتلاف الحاكم تحول خبرا, ذلك ان الائتلاف وفقا لوكالات الانباء, لم يعد ائتلافا بل حرب عصابات بين اطرافه, واخر المواقع في هذه الحرب جمعت النقائض في مواجهة باراك, اذ ان حزب المفدال القومي الديني وحزب شاس الديني طالبا باستخدام القبضة الحديدية في قمع انتفاضة الفلسطينيين, والتراجع عن تسليم قرى القدس للفلسطنيين, ووقف المفاوضات عبر القناة السرية في استوكهولم, وانضم الى هذين الحزبين المهاجرون الروس, وهدد الثلاثة معا بالانسحاب من الائتلاف الحاكم وتأييد مشروع قرار تعتزم المعارضة الاسرائيلية تقديمه الى الكنيست و يقضي بحل الحكومة الحالية وتبكير موعد الانتخابات النيابية. وحتي وقت قريب كانت القوات الدولية في جنوب لبنان تكاد تكون الثابت الوحيد وسط هذا المحيط من المتغيرات, الا ان الامين العام للامم المتحدة فاجأ الجميع, قبل ايام, عندما اعلن ان هذه القوات قد تضطر للانسحاب اذا لم يكن في الامكان تنفيذ خططها. وعندما يصبح المتغير هو الثابت الوحيد فإن شروط اللعبة الصينية تكون قد اكتملت. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق