الأربعاء، 23 مايو 2012

حول ما قاله د. عبدالحميد الأنصاري في منتدى التنمية في دبي، العنـف و ... الديمقـراطيـة

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ:

امتنعت احدى المحاكم الكويتية، الاسبوع الماضي، عن النطق بالحكم في قضية هجوم على مخفر للشرطة، نفذه أربعة أشقاء، اعتدوا خلاله على الضابط المناوب، وانتزعوا من زنزانة المخفر شقيقتهم الموقوفة بتهمة المواقعة بالرضا. ونشر الخبر من دون تعليق فقد كان نشطاء مجلس الأمة مشغولين باكتشاف معبد للسيخ، أقيم منذ عام 1985، تمارس فيه هذه الطائفة طقوسها الدينية من دون ترخيص رسمي، وقد انقسم المجلس بين مؤيد لاقفال المعبد وبين معارض ... ومازال، مع ان الدستور في الكويت يكفل حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية للجميع، ومن دون تمييز ... وهو ما يؤكد مجددا أن لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين. يطرح هذان الحدثان رؤية عن الديمقراطيات المحلية، يلخصها سؤال وجهه الدكتور عبدالحميد الأنصاري في منتدى التنمية الثاني والعشرين، وقد عقد في دبي، يومي 1 و2 فبراير الماضي، عندما قال: أريد أن أسأل سؤالا وأريدكم أن تجيبوا عنه: لماذا لا تترسخ جذور الديمقراطية في التربة العربية؟ ويجيب د. الأنصاري عن السؤال كالتالي: أنا أعتقد ان الخلل السياسي الذي وقعت فيه السلطة العربية انها ركزت في البناء الفوقي على الشكل ولم تعمق المفهوم الديمقراطي في التربة الاجتماعية، في القاعدة الاجتماعية، في البيت، في المدرسة، في ثقافتنا آفات تؤكد الاستبداد والانفراد والتسلط. حب السلطة موجود في هذه الأيام.
ويضيف د. الأنصاري في ختام ورقته التي قدمها في المنتدى: «ان النخبة التي سعت للتغيير وسعت للنهوض ركزت جهودها في الحقيقة على الشكل العام: نريد دستورا ديمقراطيا، نريد مجلسا منتخبا، نريد صحفا حرة ... وفي مصر مثلا كان عندهم انتخاب، كان عندهم دستور سنة 1923، كان هناك فصل للسلطات ومعارضة كانت قوية ... ولكن بعد تجربة ثلاثة أرباع القرن، هل ترسخت التجربة الديمقراطية، ولماذا؟ هناك خلل منذ البداية، أنا أعتقد ان هذه النخب لو اهتمت بالبيئة الاجتماعية مثل اهتمامها بالنظام السياسي والأشكال الفوقية لكان ذلك أجدى. وكان يحصل نوع من التراكم والخبرة التي يمكن في النهاية أن تفرز نوعا من الجذور والمعرفة والوعي الديمقراطي». إن هجوم الأشقاء الكويتيين الأربعة على مخفر للشرطة واعتدائهم على الضابط وسلب سلطة الدولة وخروجهم من دون عقاب، ثم ضيق صدر أعضاء في مجلس الأمة بحرية اقامة الشعائر الدينية لطائفة مختلفة، بل ورفض الأغلبية في مجلس الأمة الرغبة الأمريكية بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية، في نظام هو أحد رواد الديمقراطية في الخليج وفي العالم العربي، ما هي إلا محطات صغيرة تكشف عن غياب الديمقراطية في التربة الاجتماعية، كما يقول الدكتور الأنصاري. ... وتصير حروبا داخلية وهذا الغياب لا يقتصر على العرب وحدهم، ولا تختصره محطات صغيرة في دول تحمل كل أشكال الديمقراطية فهو قد يتحول إلى حروب داخلية. فقد أحصى التقرير السنوي للمعهد الدولي للأبحاث حول السلام في استوكهولم (25) نزاعا مسلحا كبيرا في العالم عام 2000، ورصد التقرير أكبر عدد من هذه النزاعات في قارتي افريقيا وآسيا شارك فيها الكثير من الفصائل المتنافسة، مدفوعة بدرجات متفاوتة من الطموح السياسي اضافة إلى الدوافع الايديولوجية أو الاقتصادية أو الخوف، وأهم ما في التقرير انه يكشف ان هذه النزاعات الكبيرة المسلحة جميعها هي نزاعات داخلية، باستثناء اثنين، وقعا بين اثيوبيا واريتريا، وبين الهند وباكستان حول كشمير. ويعرف المعهد «النزاع الكبير» بأنه «المواجهات المسلحة بين مجموعتين أو أكثر التي أدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص» ويلاحظ ان أغلبية النزاعات الحالية مستمرة ومنذ سنوات، داخل حدود الدول». وهذه النزاعات التي يتحدث عنها التقرير تتم غالبا في دول ديمقراطية، تملك دستورا ومجالس منتخبة، وتفصل بين السلطات، ويتنافس فيها المرشحون على الرئاسة في انتخابات عامة، ولعل أقربها إلينا مثلا: الجزائر والسودان في العالم العربي، والفلبين واندونيسيا في آسيا، والبيرو وكولومبيا في أمريكا اللاتينية، وكلها دول تعتمد النظام الديمقراطي، ولكن شعوبها تتحاور فيما بينها بالسلاح، وغالبا ما يكون هذا السلاح موجها ضد السلطة المنتخبة شعبيا(!). أبناء جمهوريات الموز هنا ربما يقول العنصريون، وهم يقولونها، ان الشعوب «المتخلفة» عاجزة عن ممارسة الديمقراطية، كما يزعم السيد «لوبان» في فرنسا عند الحديث عن العرب والمسلمين المغاربة، وكما زعم السيد «هيج» قائد حزب المحافظين في بريطانيا، قبيل الاشتباكات العنصرية الأخيرة ضد المسلمين الآسيويين. ولكن هذا الزعم يرتد على أصحابه ويكشف عن عنصريتهم وعجزهم عن القبول بالآخر المختلف عنهم وعدم قدرتهم هم على استيعابه أو التعايش معه، ولعل الانتخابات الأخيرة لانتخاب حاكم لمدينة لوس انجلوس في أمريكا تصلح نموذجا للرد على تلك الدعوات العنصرية. في عام 1872 أي قبل أكثر من قرن وربع القرن كانت مدينة لوس انجلوس مدينة مكسيكية يحكمها حاكم مكسيكي ومرمية في وسط الصحراء. البيض غزو الغرب واستوطنوا كاليفورنيا وضاعت الأقلية المكسيكية وكادت تنقرض. ولكن وفي خلال الانتخابات الأخيرة الشهر الماضي، كان المرشح المكسيكي الأصل من أصول لاتينية واسمه انطونيو فيلاريا غوسا هو المنافس الأقوى ليستعيد حكم المدينة من البيض، والسبب هو ان الأمريكيين من أصول لاتينية باتوا يشكلون 46% من عدد السكان، وكان من المتوقع ان يفوز انطونيو بأصوات هؤلاء لانهم من «قبيلته»، بالاضافة إلى تحالفه مع نقابات العمال ومجموعات قوية من رجال الأعمال، ولكن هذا لم يحصل وفاز خصمه الأبيض (جيمس هان) بما نسبته 53.5% من الأصوات، وأصبح حاكما للولاية. كيف؟ كثيرون من الأمريكيين من أصول لاتينية تجاوزوا العنصرية ومفاهيم القبيلة التراثية ومنحوا الحاكم الأبيض أصواتهم، مع ان هؤلاء جاؤوا في معظمهم لاجئين مما كان يسمى «جمهوريات الموز» نظرا لكثرة الانقلابات العسكرية التي كانت تعيشها، بحيث كان باستطاعة أي شركة أمريكية للموز تنظيم انقلاب فيها ضمانا لمصالحها. ومع ذلك فان التربة الاجتماعية الأمريكية الديمقراطية نجحت في تحويل أبناء جمهوريات الموز إلى مواطنين أمريكيين يؤمنون بالحوار وبديمقراطية لا تعرف غير المواطنة تعريفا لها، يسبق فيها الانتماء للوطن أي ولاء آخر، سواء في العرق أو الدين أو القبيلة. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق