الخميس، 24 مايو 2012

تقرير للبنك الدولي يكشف المستور من الحروب الاهلية، الوجه و.. القناع

التاريخ:

ليست السياسة ولا الايديولوجية ولا القومية ولا الدين ولا المذهب ولا الطبقة سبب الحروب الاهلية بل المواد الاولية, فهي الوجه الحقيقي للحروب اما الباقي... فأقنعة. هذا ما يؤكده تقرير صدر عن البنك الدولي في منتصف يوليو الماضي واستند وفق ما يقول مؤلفوه الى دراسات شملت 47 حربا اهلية نشبت في الفترة من 1860 وحتى 1999, اي حوالي قرن ونصف القرن تقريبا. وهذه المواد الاولية تبدأ من النفط والماس والذهب والاحجار الكريمة, مرورا بمحاصيل البن والمطاط ووصولا الى... المخدرات . يحمل التقرير عنوان (الاسباب الاقتصادية للحروب والفتن الاهلية وتأثيراتها على السياسات) , وهو يمنح القارىء في العالم الثالث على الاقل, فرصة لقراءته (بسوء نية) لانه يتجاهل الحروب التي تم التوافق حولها بأنها حروب استعمارية للاستيلاء على المواد الاولية المتوافرة في (العالم المتخلف) وتصديرها الى (العالم المتقدم) ليتم استهلاكها او تصنيعها) بدءا من الذهب والماس ووصولا الى البهارات والافاوية التي اندلعت بسببها حروب بين امبراطوريات. ومع ذلك فإن التقرير حتى مع توافر سوء النية في قراءته يطرح ارقاما واحصاءات ويلتقط مشاهد من الحروب الاهلية الدائرة حاليا تكشف ان (الاطراف الوطنية) هي العنصر الاساسي في هذه الحروب, وان السيطرة على الموارد الاولية لاستخدامها في حروبها الوطنية والقومية والدينية هي قاسم مشترك بينها, من دون ان تغفل اهمية العوامل الاخرى.
ينهبون ويحاربون ويستخلص التقرير في احدى نتائجه ان الدول التي تشكل عائدات تصدير المواد الاولية غير المصنعة فيها ما يزيد عن ناتجها ربع المحلي الاجمالي, تواجه مخاطر حرب اهلية اكثر من الدول ذات الاقتصادات المتنوعة التي تعتمد على تصدير المنتجات المصنعة وليس المواد الخام التابعة للنهب كالماس والذهب والبن, فالمجتمعات تصبح اكثر قابلية للصراع حين يكون الحصول على المواد الخام وتصديرها اكثر سهولة. ويذكر التقرير ان الجماعات المتمردة في الدول غير المستقرة تسعى للسيطرة على المواد الخام لتوفير التمويل اللازم عناصريها من الفقراء ولكي تبقى قضيتها حية على المستويين المحلي والدولي. فهذه الجماعات مطالبة بدفع رواتب شهرية دون ان تكون منتجة لأي شيء. لذلك تسعى السيطرة على الانشطة الاقتصادية التي لا تنهار تحت وطأة الاستغلال الجائر او النهب, كما قال كوليير مدير البحوث في الادارة الاقتصادية بالبنك الدولي. وقال التقرير ان التركيز على المواد الخام يرجع الى سهولة الاستيلاء عليها ونهبها مقارنة ببقية الاصول حيث توجد في منطقة معينة مثل مناجم الالماس ومزارع البن. ويوضح كوليير ذلك بقوله: ان مفهوم نهب وغزو الموارد يفسر العديد من الصراعات الحالية والسابقة. ففي سيراليون مثلا كان الاستيلاء على مناجم الالماس وبيع انتاجها في الخارج احد ابرز اسباب تجدد الصراعات الدامية. وكذلك في كولومبيا لجأت احدى الجماعات المسلحة الى تجارة المخدرات والخطف لتمويل حربها ضد القوات الحكومية. ويستند تحليل التقرير الى انه لولا توافر تلك المداخيل غير الشرعية المقدرة بحوالي 700 مليون دولار سنويا لكان الصراع قد انتهى سريعا. ويقول كوليير ان ذلك ينطبق الى حد بعيد على منظمة يونيتا في انجولا التي تمكنت من مراكمة اصول مالية تقدر بحوالي 4 مليارات دولار خلال الفترة الاولى من حربها ضد القوات الحكومية حيث تم استخدام جزء من هذه الاموال لتمويل الجولة الثانية من الصراع. ويقول التقرير ان نصف اموال يونيتا على الاقل جاءت من مناجم الألماس. وفي حين ان العامل الاقوى في اندلاع الحروب الاهلية هو الاعتماد الكبير على صادرات المواد الخام, فإن العوامل الاخرى مثل التاريخ, التهجير الركود الاقتصادي والتركيب العرقي او الديني للدولة تلعب دورا لا يستهان به. دروس من التاريخ يؤكد التقرير ان الدول التي تشهد حروبا اهلية تواجه خطر تجدد الصراع بنسبة 40% تقريبا وتنخفض النسبة بواقع درجة مئوية واحدة في كل سنة تمر على انتهاء الحرب. ولكن التقرير يستدرك بالقول ان ذلك يعتمد على حجم الشتات في الخارج وعلى قدرته على توفير التمويل والدعم الخارجي لابقاء الصراع مشتعلا, ويشير التقرير الى ان وجود عدد كبير من المهجرين نتيجة حرب اهلية في دولة معينة يرفع نسبة تجدد الحرب فيها بعد مرور خمس سنوات على انتهائها الى 35% تقريبا في حين تنخفض النسبة الى 5% فقط اذا كان عدد المهجرين قليلا. ويقترح التقرير خمس حزم من السياسات لكي تعتمدها الدول المعرضة لمخاطر النزاعات, وهي الدول التي تزيد مساهمة صادرات المواد الطبيعية فيها عن ربع ناتجها المحلي الاجمالي. وتشمل الحزم الخمس ما يلي: * تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على المواد الاولية. * استخدام حصيلة صادرات المواد الخام في توفير الخدمات الاساسية للسكان في مناطق الثروات الطبيعية مثل التعليم والعيادات الصحية والطرقات الخ.. * حث المجتمع الدولي على مكافحة بيع المواد الخام بالطرق غير المشروعة, خاصة الالماس. * العمل على تحقيق نمو سريع في البلاد لتجنب الانعكاسات السلبية للفقر والركود الاقتصادي. * توفير آليات فعالة لحماية الاقليات في المجتمعات التي تسيطر فيها احدى الجماعات العرقية ما يسهم في تحصين حقوقهم في اطار دستوري وطني. ويشير التقرير الى ان نجاح الحكومات والمجتمع الدولي في معالجة هذه العوامل يؤدي تلقائيا الى تخفيض خطر نشوب النزاعات. 39 حربا أهلية ولا يكتسب التقرير اهميته من محاولة تحديد اسباب الحروب الاهلية وكيفية الحد منها فحسب, بل لانه في الوقت نفسه يكشف عن جانب من فظائع هذه الحروب, وضحاياها وآلية عملها, ونقرأ فيه الوقائع التالية: * بلغ عدد النزاعات المسلحة خلال عقد التسعينيات وحده 39 نزاعا ادت الى مقتل حوالي 100 ألف شخص سنويا. * ان معظم الصراعات كانت داخلية وكانت تستخدم فيها الاسلحة التقليدية والقروية والبدائية احيانا داخل الدولة الواحدة. * ان المدنيين من النساء والاطفال وغيرهم من الجماعات الضعيفة هم الضحايا الرئيسيون لهذه الحروب ويقدر بأنه من اصل كل عشر ضحايا هناك تسع من غير المقاتلين. * بلغ عدد المهجرين نتيجة النزاعات المسلحة حتى عام 1997 حوالي 35 مليون شخص, وعدد الضحايا حتى العام 1998 4 ملايين شخص. * ان هذه الحروب على المواد الاولية والثروات الطبيعية تعتمد اسلوب التطهير العرقي. * ان اعادة بناء ما تدمره الحروب الاهلية تتم ببطء شديد غالبا وتستغرق سنوات طويلة. وعلى الرغم من ان المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة ومجلس الامن قد بدأ حظرا على استيراد الماس من انجولا وليبيريا وسواهما من مناطق الحروب الاهلية, الا ان (السوق السوداء) للسلاح والماس تزداد نشاطا وعبر القارات وهناك اطراف رسمية وشبه رسمية تغذي هذه الحروب وتستفيد منها, وفي غياب تنويع مصادر الدخل للدولة, وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني داخل كل دولة فإن حروب (المواد الاهلية) سوف تستمر فصولا. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق