الخميس، 24 مايو 2012

الأمم المتحدة: إدارة بلا أوراق أقصر طريق لمكافحة الفساد ليس الشخص بل.. النظام ، ليس صدفة ان يترافق صعود بشار الاسد مع الحملة على الفساد فالمعلوماتية تقيض الفساد


اصدرت محكمة في شنغهاي الاسبوع الماضي, حكما بالاعدام على نائب رئيس مجلس الشعب الصيني (تشنغ كيجي) بعد ادانته بتهمة الفساد, وتقاضي مبالغ تصل الى 5 ملايين دولار رشوة وعمولات. تشنغ هو اكبر مسئول صيني يحكم عليه بالاعدام بتهمة الفساد, وكان قد سبقه تنفيذ حكم الاعدام بنائب حاكم مقاطعة (جانكسي) في ابريل الماضي بالتهمة نفسها. الصين تقود ثورة جديدة عنوانها (مكافحة الفساد) باعتبار ان الفساد هو العدو في الداخل وبالتالي فهو اخطر الاعداء. سوريا بدأت حملة مشابهة كان ابرز المتهمين فيها رئيس الوزراء المنتحر محمود الزعبي وعدد من الوزراء والمسئولين وقادة في اجهزة الاستخبارات والحملة كما وعد الرئيس بشار الاسد مستمرة. في اندونيسيا يخضع الرئيس سوهارتو, وقد حكم اندونيسيا ما يزيد على 30 عاما هو وافراد عائلته للتحقيق في قيمة ثروته ومصادرها وهي تزيد على مليار دولار, وقد ينتهي به التحقيق الى قضاء ما تبقى من ايامه خلف القضبان... اذا لم ينتحر او ينحروه.
في المغرب والاردن ولبنان ومصر واليمن واخيرا في الجماهيرية الليبية فإن شعار (مكافحة الفساد) يجمع وللمرة الاولى بين الاجهزة الحكومية الرسمية وبين جمعيات النفع العام ومنظمات المجتمع المدني, ويتحول الى اولوية في البرنامج الحكومي والشعبي. اما في ايران فقد اشار قبل ايام رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني الى ان الجهد الحكومي في المرحلة المقبلة, ينبغي ان يتمحور حول حل مشاكل الفقر والفساد والمحسوبية, وهي المحاور التي حددها المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي كعناوين للاصلاح الحقيقي والنهوض بالبلاد. وهكذا فإن الحكومات في الدول النامية تكتشف وبعد عقود من التحرر من الاستعمار الخارجي انها تواجه استعمارا اشد قسوة واكبر قدرة على نهب ثرواتها وامتصاص عرق شعوبها وهو الفساد الداخلي الذي يلتهم بذور التنمية, ويقضي على خط الدفاع الاول للأمة وهو ازدهارها الاقتصادي وحقها في الحصول على نتاج عملها, وحصتها في ثروات بلدها. مصدر الفساد كله الفساد اذن هو الاستعمار الجديد يستبيح البلاد والعباد ويكتنز ثروات اسطورية بينما الجماهير جائعة تبحث عن قوت يومها فلا تكاد تجده واذا ما فتحت افواهها احتجاجا يلقمها النظام شعارات سياسية او يلقيها في السجن او في... القبر. من اين يأتي هذا الفساد كله؟ يجيب المثل الشعبي (دود الخل منه وفيه) اي انك عندما تصنع خلا فإنك في الوقت نفسه تمهد الطريق لظهور الديدان فيه فهي تخرج منه وتعيش على خميرته. من هنا فإن الانظمة المطلقة المحكومة بدكتاتورية الفرد او الحزب هي اكثر الانظمة قابلية للفساد, لأن غياب الرقابة الشعبية يجعل المال العام سائبا و(المال السائب يعلم الناس الحرام) كما يقول المثل الشعبي. والمشكلة ليست في الاشخاص بل في الانظمة لأن الفساد لا يقتصر على الدول النامية وحدها او ذات الانظمة المستبدة بل يكاد يشمل العالم كله, بما فيه الديمقراطيات الغربية ولكن بينما هذه الديمقراطيات تنشىء عشرات الاجهزة الرسمية والشعبية لفرض الرقابة على اعمال الحكومة فإن الانظمة في الدول النامية تنشيء عشرات الاجهزة من الاستخبارات لحماية الفساد والفاسدين باعتبارهم من اعمدة النظام. عرب سكام وهنا يمكن ان نطرح نموذجا ففي الولايات المتحدة قامت في مطلع الثمانينيات ضجة سياسية ساهم اليهود في اضرام نيرانها وعرفت في ذلك الوقت باسم (عرب سكام) وكان بطلها سيناتور في مجلس الشيوخ الامريكي, وكانت التهمة الموجهة اليه هي تسهيل حصول عدد من العرب على الجنسية الامريكية مقابل مبالغ من المال تصل الى الملايين. وفي برنامج (نايت لاين) وهو من اشهر البرامج السياسية التلفزيونية طرح معد البرنامج (تيد كابول) القضية على المشاهدين كالتالي: هل المشكلة في السيناتور شخصيا ام في نظام الحصول على الجنسية؟ وأجاب: لنفترض ان شخصا يحتاج الى الجنسية عرض على السيناتور مبلغ مليون دولار لقاء مساعدته له في الحصول على الجنسية وان السيناتور رفض وعاد الشخص فطرح مبلغ مليونين... ثلاثة.... عشرة, ان هناك رقما سوف يقبله السيناتور, اذ في النهاية ان لكل انسان سعرا وقلة نادرة هي من ترفض اذا وصلت لذلك السعر ومن هنا فإن من الافضل البحث عن حل للمشكلة ليس في الاشخاص بل في النظام وتعديله بحيث لا يتعرض السيناتور, ولا اي سيناتور اخر الى هذه التجربة التي تضطره الى تحديد سعره. 16 تمغة للمعاملة في مصر بالمقابل لنأخذ نموذجا من مصر, ومصر هي دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات فقد احصى زميل صحفي في عدد (التمغات) التي يحتاجها التاجر لتصديق معاملة كي يصدر بضاعة الى الخارج فإذا هي تزيد على (16) تمغة, وكل تمغة او توقيع تضطر صاحب العلاقة الى (الحوار) مع موظف او اكثر لانجاز معاملته, فإذا كان ما يصدره خضارا او فاكهة او ازهارا وكلها قابل للعطب في فترة قصيرة فإن صاحب العلاقة سوف يضطر الى البحث عن وسيلة لحرق المراحل ولن يعدم وجود موظف او اكثر يتبرع في المساعدة لاخراج البضاعة. هنا يمكن ان نفترض ان التاجر رجل مستقيم وكذلك الموظف ولكن نظام وآليات التصدير تجعل من الموظف كما التاجر (مجرمين) في عرف القانون. المعلوماتية... حلا ان العالم كله تقريبا يتعاون اليوم في وضع قواعد دولية لمكافحة الفساد, وتشارك في هذه الجهود الامم المتحدة التي تبنت جمعيتها العامة قرارين في العام 1996 في هذا الشأن وكذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهذا الاخير اتخذ قرارا في العام 1997 بوقف او تعليق مساعداته لأية دولة يثبت فيها الفساد الحكومي وقد توجت هذه الجهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في اتفاقية العام 1997 لمكافحة الفساد. وبعيدا عن تلك الاتفاقيات وكما يشير مدير برنامج الامم المتحدة الانمائي للشرق الاوسط (معز دريد) في حوار مع صحيفة (النهار) اللبنانية, اذ قال ان (الامارات العربية وقطر تدفعان في اتجاه الحكومة الالكترونية وقد وضعت ابوظبي جدولا زمنيا لتحويل كثير من المعاملات الالكترونية مما يقلص فرص الفساد) وبالتأكيد فإن دبي هي ابرز الرواد على مستوى الخليج في طرح شعار (ادارة بلا اوراق) . ان المعلوماتية بعيدا عن المحاكمات القانونية والسياسية قد تكون المدخل العصري لمكافحة الفساد, فعندما تتم المعاملات الكترونيا ولا يضطر صاحب العلاقة للحوار (شخصيا) وتحت الطاولة على الموظف, وعندما تصبح اية معاملة (شفافة) ومنزوعة الاسرار فإن من الممكن عندها الوصول الى نظام يقلص ان لم يلغ, فرص الفساد وتعريض اصحاب العلاقة للتجربة ولعلها اكثر من صدفة ان تتوافق حملة مكافحة الفساد في سوريا مع وصول الرئيس بشار الاسد الى السلطة وكما هو معروف فإن الرئيس بشار رائد المعلوماتية وهذه المعلوماتية هي اقصر طريق لمكافحة الفساد واكثرها امنا وامانا. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق