الجمعة، 25 مايو 2012

عندما الحزب يصير عصابة والعسكر مافيا ، هناك من يسرقك


(هل أنت فقير؟ مستحيل. لابد ان أحداً يسرقك), هذا ما يستنتجه القارىء بعد ان يجول بنظراته فوق صفحات التقرير الذي اعدته منظمة (الشفافية الدولية), ابرز المنظمات العالمية لمكافحة الفساد عن 90 دولة في العالم. وجاءت سنغافورة مقارنة مع دول العالم الثالث, باعتبارها الأكثر نظافة والأقل فساداً, بينما احتلت الهند والفلبين المرتبة 69, أي قبل القمة بعدة درجات, فيما جاءت أنغولا, حيث تدور رحى حرب فيها, بالمرتبة 85. وأكثر الدول فساداً, كما يستنتج قارىء التقرير, هي من يحكمها الحزب الواحد أو العسكر, أو الاثنان معاً. أو المحكومة بالمتحاربين. كما يكتشف قارىء التقرير أن الثورات الشعبية في القرن الواحد والعشرين لم تعد موجهة ضد الخارج الأجنبي بل ضد الداخل الوطني, ولعل اطاحة الرئيس فوجيموري في البيرو والرئيس سوهارتو في اندونيسيا والرئيس استرادا في الفلبين هي نماذج فحسب عن الثورات المقبلة وهي ثورات تشتعل تحت راية مكافحة الفساد وحماية المال العام. سرقة المليار في لبنان نبدأ عربياً من لبنان مع انه لم يرد في تقرير منظمة الشفافية الدولية, ولكنه ورد في تقرير صدر مؤخراً عن (مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة الدولية), وقد نشرت صحيفة (النهار) اللبنانية موجزاً عنه.
وأهم ما فيه هو ان ظاهرة الفساد تؤدي الى هدر أكثر من مليار دولار سنوياً, وان من يقوم بهذا الهدر هو الطبقة السياسية, سواء أكانت داخل السلطة أم خارجها. وعبارة الهدر التي يستخدمها التقرير هي الترجمة الدبلوماسية لعبارة (السرقة) في القاموس الشعبي أو النهب. وفي مقابلة صحافية مع مدير المؤسسة التي وضعت التقرير بتكليف من الأمم المتحدة وهي مؤسسة (الدولية للمعلومات) يقول إن الهدر, أو النهب, يصل في لبنان إلى نسبة 40%, بينما لا يتجاوز 30% من موارد الدولة الاقتصادية في دول العالم الثالث. الرئيس والخادمة والفساد في لبنان ليس جديداً, ويعبّر عنه سياسي لبناني عتيق بالحكاية التالية: كان لدى الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب خادمة, جاءته يوماً وقالت له: فخامة الرئيس لقد تخرج ابني من الجامعة وحصل على الشهادة, فهل تستطيع تدبير وظيفة له؟ قال الرئيس: تكرمي. وفي اليوم التالي أبلغ الرئيس الخادمة انه حصل على وظيفة لابنها براتب شهري قدره (150) ليرة لبنانية ــ نحو 50 دولاراً بأسعار تلك الأيام ــ وهنا تمتمت الخادمة بخجل: ولكن يا فخامة الرئيس أليس الراتب قليلاً؟ ورد الرئيس ضاحكاً: هذا الراتب (الجواني) أما (البراني) فهو ثلاثة أضعاف). ويرى السياسي اللبناني العتيق أنه في مرحلة الخمسينيات والستينيات كان موظفو الدولة, خاصة في وزارات الخدمات, أقرب الى الميليشيات المدنية, يفرضون على المواطنين لتيسير معاملاتهم رشوة معلومة و(مقبولة), ولكن مع اندلاع الحرب أخذت الميليشيات المسلحة مكان هؤلاء وباتت تفرض (الخُوّة) على المواطنين, ومع نهاية الحرب تحولت هذه الميليشيات الى (مافيا) تسرق وتنهب من دون حياء, خاصة وان (15) مليار دولار من القروض الخارجية كان يتم تداولها في سياق اعادة البناء والإعمار. الوقت مال أيضاً وربما كانت عبارة سرقة مبالغاً فيها, إذ يروي أحد المقربين من رئيس الحكومة السابق والحالي رفيق الحريري, ان لدى الرئيس فلسفة خاصة في انجاز الأعمال, وينسب الى الرئيس قوله: إذا كانت كلفة المشروع تبلغ مليون دولار, ويستغرق انجازه شهراً, ادفعوا مليونا ونصف المليون دولار شرط أن ينتهي الانجاز في (15) يوماً, فالوقت كما تعلمون هو مال أىضاً). والرئيس الحريري المعروف بنظافة الكف وعفة اللسان ليس وحيدا في هذه الفلسفة العملية, اذ ان جميع دول العالم الصناعي, باستثناء الولايات المتحدة تعتبر الرشوة التي تقدمها شركاتها للحصول على عقود في الخارج هي جزء من نفقات المشروع, وبالتالي فهي تعفي هذه الرشاوى من الضريبة. ولكن مع وجود 40% اليوم من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر فإنهم لم يعودوا قادرين على دفع كلفة الميليشيات المدنية ولا المافيا التي تستنزف 40% من المال العام, وهو ما لهم في نهاية المطاف. وما يتم تداوله عن الفساد علنا في لبنان يتم تداوله سرا في معظم دول العالم العربي الفقيرة لان هناك من يسرقها. الحزب يصير عصابة واخطر انواع الفساد, كما يقول تقرير لصحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية هو عندما يتحول الحزب إلى عصابة أو مافيا, وتورد الصحيفة في تقرير لها من الصين نموذجا عن ذلك, ففي بلدة شين يانج, ويبلغ عدد سكانها 6.9 ملايين نسمة, نجح عضو اللجنة المحلية للحزب الشيوعي (لي جون يان) في بسط سيطرته على المدينة بالاتفاق مع المحافظ وقائد الشرطة ووفر لنفسه مظلة واسعة من الحماية بحيث بات قادرا على ان يفعل اي شيء بما فيها تصفية خصومه جسديا, وينقل التقرير عن الصحافة الصينية التي نشرت نتائج التحقيق روايات عن مآثره, من بينها ان قارئا للبخت كشف عن طالعه وحذره من ان صحته سوف تتدهور وان ثروته سوف تتبدد, فما كان من الزعيم الحزبي الا ان امر رجاله بتمزيق العراف, وقد بلغ عدد ضحايا الزعيم 42 ضحية, واحد من بينهم اطلق عليه (لي جون يان) النار بنفسه لأنه كان ينافسه, اما المبالغ التي نجح هذا الرجل الحزبي في نهبها من اهل المدينة الفقراء فقد زادت على 60 مليون دولار, وهو مبلغ اسطوري اذا تم حسابه بالعملة المحلية. ان مكافحة الفساد هو صراع سياسي جاد يمثل قضية حياة أو موت بالنسبة للحزب, هذه العبارة يطلقها نائب المدعي العام في فيتنام التي جاء ترتيبها يحمل الرقم 76 في تقرير منظمة الشفافية الدولية عن الفساد, ولعل الاحزاب الحاكمة في دولنا العربية تعمل بهذه القاعدة الذهبية كي تضمن استمرارها قبل أن تلقى مصير الاحزاب التي حكمت في البيرو وفي اندونيسيا وفي الفلبين, ولعل ما يجمع هذه الاحزاب جميعا هو انها كانت واجهة لحكم العسكر, وان العسكر, لضمان سيطرتهم على السلطة, كانوا يفتعلون الازمات أو يعملون على استمرارها, فالعسكر في البيرو تحت شعار مقاتلة ثوار (الدرب المضيء) كانوا يستبيحون البلاد تحت واجهة سياسية للرئيس فوجيموري الذي انتهى اليوم لاجئا في اليابان. والعسكر في اندونيسيا بعد ان استهلكوا شعار محاربة الشيوعيين في الداخل, وقتلوا ما يزيد على مليون مواطن, عادوا ليرفعوا شعار محاربة الانفصاليين في تيمور الشرقية وسواها ولكن فساد الجنرال سوهارتو وعائلته كان اكبر من ان يغطيه اي شعار, وعندما صار الخيار امام شباب اندونيسيا اما ان يحتفظوا بأسرة سوهارتو وتيمور الشرقية أو ان يتخلوا عن الاثنين معا فانهم اختاروا الحل الثاني, اذ ما الفائدة من وطن كبير اذا تحول إلى سجن أو إلى كازينو للقمار يديره الرئيس وعائلته. اما في الفلبين فان الجنرالات الذين كانوا يحكمون في ظل الرئيس استرادا تحت شعار مكافحة الحركة الانفصالية للمسلمين في جنوب البلاد فقد كانوا يوفرون بدورهم الحماية للرئيس الذي نجح وفق تقديرات امريكية في ان ينهب ما يزيد على 300 مليون دولار من الاموال العامة, والعلة ليست في استرادا, فقد سبقه الرئيس ماركوس على الطريق ذاتها, ولكن العلة في الجيش الذي حاول ان يطيح الرئيسة الجديدة للبلاد بعد ان وصلت إلى سدة الرئاسة بثورة شعبية. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق