الجمعة، 25 مايو 2012

كيف نجح لبنان الصغير في تحقيق الانتصار الكبير؟ الديمقراطية شرط انتصار المقاومة


مجتمعات القهر وجمهوريات الصمت لا تبني مقاومة, وحدها المجتمعات الديمقراطية قادرة على صنع النصر وبناء المقاومة القابلة للتصدير, وانتصار لبنان على العدو الاسرائيلي بدأ بانتصاره أولا على ادوات القمع وآلات القهر التي تلف هذا العالم العربي, الديمقراطية هي شرط صنع المقاومة ومن دونها, وكما يقول محمود درويش في احتفاله بالانتصار اللبناني (تتكرر الاخطاء التاريخية لان احدا لا يتعلم الا من تجربته) هنا عناوين لتجارب ميدانية عن البندقية عندما تخرج من رحم الديمقراطية, وعن انتصار الرصاصة عندما تختزن بارود الكلمة. قال الضابط الزمن: يونيو 1967 المكان: جديدة يبوس في سوريا ـ قرب الحدود مع لبنان. كانت السيارة تهم بمغادرة مركز الحدود في طريقها إلى دمشق, وكانت تنقل خمسة ركاب بالاضافة إلى السائق, عندما اندفع شاب بملابس عسكرية ومن دون سلاح, وفتح الباب و.. القى بجسده في حضن الركاب في المقعد الخلفي, قال بهدوء: اريد ان اصل إلى دمشق, المفاجأة عقدت السنة الركاب, وانا من بينهم, غير ان السائق قال: ما في محل الا ترى ان السيارة ملآنة؟ قالها بحيادية من يريد ان يتجنب معركة, بينما الراديو يتابع بث الاناشيد والبلاغات العسكرية عن الحرب, ردد الشاب بصوت يحمل شقاء الارض كلها: منذ اسبوع وأنا امشي, هلكت (حشر جسده على المقعد قرب النافذة, وصمت وبالتأكيد في تلك اللحظات لم تكن هناك قوة فوق الارض قادرة على انتزاعه من مكانه.
نظر السائق إلى الركاب متسائلا, وتصاعدت اصواتنا: خذه ماشي الحال. وفي الطريق إلى دمشق بقى الشاب صامتا, كان يلقي نظرات شاردة من النافذة, بعد حوالي نصف ساعة سأله احدهم: عائد من الجبهة؟ هز برأسه ايجابا, وعدت اسأله: كيف الحال هناك؟ بقى صامتا, وتابعنا الاستماع إلى البلاغات العسكرية من الاذاعة, قال الشاب فجأة, خسرنا الحرب.. قالها بوضوح شديد, وبتأكيد اشد, وكنا نعرف ذلك, فالاذاعات الاجنبية كانت تسهب في الحديث عن سقوط مرتفعات الجولان, واحتمال انتقال القيادة السياسية من دمشق إلى حمص, قبل الوصول إلى دمشق, بدأ يحكي كيف انسحب قبل اسبوع من موقعه وسار في الجبال, على غير هدى, إلى ان وصل إلى بلدة دير العشاير, ثم كادت الدموع تنهمر من عينيه وهو يقول: انا طالب جامعة, وخسرت اول حرب اخوضها في حياتي, كثير من رفاقي قتلوا, وتحدث طويلا ثم انهى حديثه قائلا: يا اخوان, اذا كان الواحد فينا لايجرؤ ان يقول كلمة ويدافع عنها, فكيف يدافع عن الوطن؟ ولم تكن الحركة التصحيحية قد قامت بعد. ومازال صدى العبارة يتردد في الذاكرة بعد مرور 33 عاما. كفر شوبا والمقاومة الزمان: العام 1973 المكان: بلدة كفر شوبا عند سفوح جبل الشيخ الغربية, جنوب لبنان. كان سطح المنزل قد هوى بشكل مائل, تاركا تحته فسحة تجمع فيها عدد من المقاتلين في حلقة سأل أحدهم: شو العشاء يا أبو محمد؟ ورد صاحب المنزل ضاحكا: مثل كل يوم خروف وفاصوليا, الفاصوليا اليوم والخروف غدا. ويضحك (زوربا اليمني) فهو قد جاء من اليمن ليلتحق بالمقاومة الفلسطينية في لبنان, كان اعرج, ولكنه كان يزعم انه قطع المسافة من صنعاء إلى عدن مشيا على الاقدام, وانه استدان من عمه ثمن تذكرة السفر إلى دمشق, ومنها جاء كالعادة سيرا على الاقدام إلى بيروت ليلتحق بالمقاومة, ولينتقل بعدها إلى كفر شوبا, كنت ازور الجنوب اسبوعيا تقريبا, وعندما التقيت (عبدالقادر) للمرة الاولى, كان يرقص داخل حلقة والكلاشينكوف في يده, وكان يعرف جميع الرقصات اليمنية, وربما كان يخترعها احيانا, اطلقوا عليه اسم (زوربا اليمني) لانه كان يعشق الرقص والقتال, وكان ابومحمد, صاحب البيت الذي قصفته اسرائيل لانه يؤوي رجال المقاومة, يقول له: يا عبدالقادر هل تصمد منازلكم المنحوتة في الجبال امام القصف الاسرائيلي؟ وكان عبدالقادر يرد: انها ليست منازل, بل هي اعشاش الطير الابابيل, وسوف نزورها معا بعد زوال اسرائيل. وكان الجنوب يحضن المقاومة الفلسطينية, ويقاتل معها لتحرير فلسطين. المقاومة في الحمرا الزمان: نهاية العام 1975 المكان: شارع الحمرا ـ بيروت كانت الساعة تجاوزت الثانية فجرا, والقصف مازال مستمرا عشوائيا وعنيفا, غادرنا مبنى الجريدة, ووصلنا إلى مطعم (لامب هاوس) كان النادل أبوخالد وعدنا بأن يحتفظ لنا ببعض الخبز, فقد اقفل القصف الافران منذ يومين, وكانت الكهرباء مقطوعة ومثلها المياه, جلست على الطاولة القريبة من الباب, عندما توقفت سيارة (رولز رويس) وخلفها سيارة مدججة بالسلاح والمسلحين, هبط مسئول الامن الفلسطيني (ابوهشام) من الرولز, ومعه باقة من بنات الليل, صرخ من دون ان يدخل: ولا خوي, اريد 6 دجاجات, مع حمص وفول ومتبل, ولا تنسي سطل الثلج. كان للعبارة الاخيرة وقع خاص, صحيح ان المطعم كان يملك مولدا ضخما للكهرباء ولكن احدا لم يخطر له, مع غياب الماء والكهرباء والخبز منذ ايام, ان هناك من لايزال يستخدم الثلج. كان مانشيت الصحيفة الذي خرجت به في ذلك اليوم يتحدث عن انتصارات وعمليات المقاومة الفلسطينية في الجنوب ضد اسرائيل. تصفية الحساب المكان: قرية في قضاء عالية ـ جبل لبنان الزمان: نهاية يوليو 1993. كانت عملية (تصفية الحساب) مستمرة, وكانت الطائرات الاسرائيلية تتابع الاجتياح الجوي للجنوب, القصف استهدف عشرات القرى ودمر الاف المنازل, وخلال ايام كان 300 الف مهجر يغادرون الجنوب, مدرسة القرية في جبل لبنان استقبلت 15 اسرة, وفي (الصالة) التي يستخدمها القرويون للافراح والاتراح استقرت سبع عائلات, كانت العائلات المهجرة تستخدم المدرسة والصالة للنوم ليلا فقط, ففي اثناء النهار كانت تلك العائلات مدعوة باستمرار إلى غذاء أو عشاء وكان اهل القرية يعتذرون للضيوف عن تقصيرهم, القصف الاسرائيلي اسقط الحواجز المذهبية والطائفية, وعندما كان يحين وقت الصلاة, كان رب المنزل يفرد السجادة للضيوف. بينما هو ينصرف لصلاته في مكان آخر, ووقت اخر, وكان شباب الاحزاب يتنافسون في اكرام الضيوف, ويتسابقون إلى ابلاغهم بالاخبار التي وصلتهم عن الاجتياح الجوي, والعمليات التي تقوم بها المقاومة في الجنوب واخبار المفاوضات التي ادت إلى اتفاق يوليو. ... وفي تلك الايام كان لبنان يقوم بتصفية الحساب مع سنوات الحرب الاهلية ويعود متعددا موحدا وديمقراطيا. لبنان لم ينتصر بالصدفة, والنصر لم يأت منة من احد, فالمقاومة, في زمن الاحتلال كما في ازمنة القهر والقمع هي رأس حربة الديمقراطية. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق