الاثنين، 14 مايو 2012

الخطأ في تعريف الارهاب يؤدي إلى الخطأ في تعريف الأديان، اليونان أشهرت إسلامها

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ:

إن الخطأ في تعريف الارهاب يؤدي حتماً الى الخطأ في تعريف الأديان، وما لم يكتشف الغرب الفرق بين استشهادي يسقط في فلسطين وبين ارهابي ينتحر في مانهاتن فإنه يمنح الارهاب خزانا بشريا لا ينضب ليس بين المسلمين وحدهم، بل بين المسيحيين ايضاً، ولعل اليونان تصلح نموذجاً. يبلغ عدد سكان اليونان حوالي 12 مليون نسمة، نسبة المسلمين بينهم لا تزيد على واحد ونصف في المئة، والباقي هم من المسيحيين الارثوذكس. ومع ذلك، فإن الشعب اليوناني يتعرض بمجموعه الى حملة اعلامية، وفي امريكا بالذات، تجعل منه الخروف الأسود وسط قطيع من الخرفان البيض في العالم الغربي. والمفارقة ان هذه الحملة تضرب على جبهتين متناقضتين في آن واحد، فهي من ناحية تعتبر الشعب اليوناني يسارياً علمانياً معادياً للولايات المتحدة الرأسمالية، وهي من ناحية اخرى تصف الشعب بأنه متعصّب دينياً وتحكمه الكنيسة الارثوذكسية وان عداءه للولايات المتحدة ينبع بالدرجة الأولى من موقفها في حروب البلقان، ومن دورها في اسقاط الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش.
هل اليونان أمة غربية؟ كيف تستقيم هذه المعادلة؟.. مقال نشرته صحيفة «وول ستريت» الامريكية في صفحة الرأي يوم 23 اكتوبر الماضي ربما يوضح هذه المسألة. عنوان المقال هو: هل اليونان أمة غربية؟ وتحته عنوان فرعي يقول: «إن ردود الأفعال في اليونان على أحداث 11 سبتمبر هي أقرب الى ما شهدته دمشق منها الى ما شهدته برلين». كاتب المقال تاكيس ميكاسي، أمريكي من أصل يوناني على الأغلب، وقد وضع كتاباً عن «التحالف غير المقدس بين اليونان وبين الصربي ميلوسيفيتش في التسعينيات» يصدر قريباً. يبدأ ميكاسي مقاله بالاحصاءات فيشير الى ان استطلاعات الرأي في اليونان بعد أحداث 11 سبتمبر الامريكية كانت كالتالي: 18.9% أعربوا عن مشاعر ايجابية تجاه أمريكا وشعبها، 25% قالوا انهم (راضون) عما حصل لأنه يخدم العدالة، ما يزيد على 30% قالوا ان الهجمات كانت ردة فعل مبررة بسبب سياسات الولايات المتحدة، و10% فقط وافقوا على ان تشارك بلادهم في التحالف ضد الارهاب. ويقول المحلل السياسي المشرف على استطلاع الرأي: في الواقع ان ما يزيد على 40% شعروا بالسرور لما جرى «وهم لم يعبروا تماما عن مشاعرهم لقناعتهم بضرورة ضبط عواطفهم». ضد أمريكا وينتقل الكاتب من استطلاع الرأي الى عدة أحداث وقعت من بينها ان أحد مراكز البحث دعا الى اجتماع للصلاة على أرواح ضحايا الهجوم على أمريكا فلم يحضر الاجتماع أكثر من 500 شخص، بينما زاد عدد الحضور على 5 آلاف شخص في اليوم التالي للمشاركة في تظاهرة قادها الحزب الشيوعي ندّدت بالولايات المتحدة وبدور وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية «سي.آي.ايه» في العمليات الارهابية. وحادثة اخرى هي انه في يوم 13 سبتمبر كانت هناك مباراة لكرة القدم بين فريقي اليونان واسكتلندا، وكان يفترض الوقوف دقيقة صمت حدادا على ضحايا الارهاب في امريكا، ولكن جمهور الفريق اليوناني حاول احراق العلم الامريكي بينما أطلق صرخات احتجاج خلال دقيقة الصمت المفترضة. .. وضد اليهود ثم يقول الكاتب انه استنادا الى ما نشرته وسائل الإعلام اليونانية، فإن أربع أفكار رئيسية هيمنت على الرأي العام بعد أحداث سبتمبر، وهي: ان اليهود هم من يقف وراء ما حدث في أمريكا لخدمة مصالحهم الخاصة. ان اسامة بن لادن هو دعاية من اختراع الـ «سي.آي.ايه». إن العمل الارهابي هو جزء من الصراع بين المستضعفين وبين الامبريالية الأمريكية. ان ما يهدد اليونان ليس الارهاب، بل موقفها المقاتل ضد الارهاب. وهذا الموقف المعادي لليهود دفع السفارة الاسرائيلية في اثينا الى اصدار بيان اتهمت فيه الإعلام اليوناني بأنه يقوم بحملة دعائية «اجرامية وعنصرية معادية للسامية وأقرب ما تكون الى ما كان يفعله النازيون». الموقف اليوناني من اليهود يتكرر ايضاً في مقال الصحيفة، عندما يشير الكاتب الى ان الحكومة الحالية حاولت توسيع المسافة بين الدولة وبين الكنيسة ولكنها فشلت باعتبار ان هذه المحاولة هي من صنع «اللوبي اليهودي». وينتهي الكاتب الى القول بأن العداء لأمريكا لا يقتصر على اليسار وحده ولا على الكنيسة التي اعتبر البطريرك ان ما جرى بأمريكا هو نتيجة لغياب قيم العدالة والمساواة، بل يمتد الى أحزاب اليمين المحافظ، إذ وفقاً لآخر الاحصاءات فإن 50% من المحافظين أعلنوا انهم لا يحبون أمريكا». أثينا كأنها دمشق أو القاهرة ويكشف المقال في الصحيفة الأمريكية عن جملة مفارقات من بينها ان اليونان المسيحية هي في شبه حالة حرب مع تركيا المسلمة وهي عضو في الحلف الأطلسي وفي الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فإن شعبها يصنف باعتباره معادياً لأمريكا، وردود فعله في أثينا لا تختلف عما شهدته دمشق أو القاهرة، وفقاً لكاتب المقال، أي انه شعب شرقي أقرب الى العرب. مثلما يوحي به العنوان. والمفارقة الثانية هي هذا العداء السافر لليهود والسامية، كما يزعم بيان السفارة الاسرائيلية في اثينا، مع ان الحرب بين المسلمين في قبرص المقسّمة وبين المسيحيين، كان لابد ان تدفع اليونانيين باتجاه التحالف مع عدو عدوهم أي اليهود ولكنهم لم يفعلوا. ليس الدين بل الوطن الى أين ننتهي من هذا كله؟.. «علينا احتواء الاسلام كما احتوينا الشيوعية».. قالها رئيس الوزراء الايطالي بيرلسكوني علنا، ملخصا بهذه العبارة نظرية صراع الحضارات القائمة على تصادم الأديان، وعندما يتم تصنيف الاسلام بأنه «العدو» فإن الصاق تهمة الارهاب بالمسلمين تصبح من المسلمات، ولكن النموذج اليوناني فاقع في دلالاته، فهو من أنجب خلال الحرب العالمية الثانية أشرس حركة للمقاومة ضد الجيوش الفاشية الايطالية والنازية الألمانية، ودفع عشرات الآلاف من شبابه ثمن التحرير، وبعد الحرب، ووفقاً لمبدأ ترومان، تدخلت القوات الامريكية لتحسم المعركة على السلطة لصالح الاقلية اليمينية، ثم ما بين أعوام 1967 و1974 عرفت اليونان ما يسمى «حكم الكولونيلات» أي العسكر، وهو حكم لم يكن ليقوم لولا دعم الـ «سي.آي.ايه» كما تؤكد اعترافات الكولونيلات.. وعندما يتناسى كاتب المقال في الصحيفة الامريكية ورئيس الوزراء الايطالي هذا التاريخ من الحقائق فإنهم يمنحون الارهاب خزاناً بشرياً لا ينضب ليس بين المسلمين وحدهم، بل بين المسيحيين ايضا، وما جرى في فلسطين الاسبوع الماضي من مجازر ضد المسلمين والمسيحيين، دون ان يجرؤ زعيم عربي واحد على وصفه بالارهاب، يكاد يفقأ العين في وضوحه. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق