الخميس، 19 أبريل 2012

ليلة أمطرت القاذفات نقوداً مزيفة مجتمع مدني و... أسلاك

حكايات سياسية، التاريخ:

 يكشف رئيس وزراء بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل ان (معركة بريطانيا) لم تنته مع سقوط برلين في ايدي الحلفاء, بل هي انتهت قبل اشهر, عندما انطلقت القاذفات الالمانية فوق لندن والمدن الرئيسية في غارة مميزة, مع تباشير الفجر , وبدلا من ان تلقي القاذفات بحمولتها من القنابل, كما جرت العادة وعلى مدى اشهر طويلة, فإنها القت بعشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية المزورة, وعندما خرج البريطانيون صباحا الى الشوارع فوجئوا بأوراق الاسترليني تتطاير بين اقدامهم, او تتساقط من الاشجار, مع هبوب الرياح الشتوية, كانت الاوراق مزيفة بطريقة متقنة يصعب تمييزها عن اوراق النقود الحقيقية, وكان الهدف من هذه الغارات النقدية كسر الاقتصاد البريطاني, وهو ما عجزت ان تفعله آلاف الغارات التي استهدفت المناطق الصناعية والاهداف العسكرية والمدنية بما فيها بنك انجلترا المركزي. 


ويضيف الزعيم البريطاني: فجأة ومن دون توجيه اي نداء, فوجئنا بطوابير المواطنين تتجمع امام البنك المركزي, او عند مخافر الشرطة, ويقوم كل واحد منهم بتفريغ جيوبه من آلاف الجنيهات المزورة امام المحاسب او الشرطي... وفي ظهر ذلك اليوم اطلقت عبارتي في كلمة قصيرة للأمة, قلت فيها بايجاز: حرب انجلترا انتهت, ولم يعد لدى القوات النازية ما تفعله, فقد جربت كل شيء من القنبلة إلى الاسترليني, لقد ربحنا الحرب) . المجتمع المدني, في رواية تشرشل, وليست القوات البريطانية, والانسحاب من دكرك ابرز انجازاتها, هو من حسم نتيجة الحرب وانتصر فيها. تاريخنا يكتبه العسكر المجتمع المدني في تاريخنا القديم والحديث, يبدو باستمرار غائبا او مغيبا, فالتاريخ كما تعلمناه في المدارس, يصنعه العسكر, وانتصاراتنا وهزائمنا تحمل اسماء مواقع حربية, من يوم ذي قار إلى حرب الايام الستة, ولعلنا من بين أمم الأرض كلها, الشعب الوحيد الذي يقول: ان القائد يختصر الشعب كله, نقولها في مديح القائد وليس في شتمه (!). وهذا الاحتقار للمجتمع المدني يفيض فكرا وسلوكا ويظهر في احسن تجلياته في عمود لمعلق شهير, بعد تحرير بلدة ارنون على ايدي الطلاب, فقد كتب المعلق: لو ان هؤلاء الطلاب خرجوا في مواجهة صدام حسين لتعرضوا للابادة... ولكنها رحمة الاسرائيلي (!). وبالطبع لم يكن صدفة, وفي السياق نفسه, ان عشرات الروايات ترددت عن ان ارنون تحررت وفق (خطة امريكية) اذ يصعب على الموروث الشعبي العربي ان يتحرر من (عسكريته) ويتخيل ان التراكتور يمكن ان يكون بديلا عن الدبابة, بل اكثر فعالية منها. لماذا تغيرون رئيسكم؟ (مشكلتكم يا اللبنانيين انكم لا تكتفون بأنتقاد رئيسكم وحتى بشتمه احيانا ولكنكم تغيرونه كل ست سنوات... كيف تستطيعون الاستقرار اذن؟) . عبارة سمعتها من عسكري عربي كان يقوم بدورة في امريكا, وعندما بدأت محاضرة عن الديمقراطية وتداول السلطة, قاطعني قائلا: هل انتم اكثر ديمقراطية من امريكا, ألم تشاهد الجيش الاتحادي وهو ينزل الى الشوارع في لوس انجلوس لقمع المشاغبين بعد ان كادوا يحرقون المدينة كلها؟ أنتم وقبل كل شيء تحتاجون الى جيش قوي... الديمقراطية وما شابهها تأتي لاحقا... والضابط العربي الشاب ليس وحيدا في هذا الموقف من (الديمقراطية وما شابهها) وقانون الخدمة العسكرية الالزامية لم يوضع عبثا, وفي طفولتنا عندما كانوا يسألوننا: ماذا تريد ان تصبح عندما تكبر؟ فقد كان الجواب يهزّ جدران الصفوف في المدرسة: ضابط (!). أجندة المخابرات وأنواع الجبنة العسكر خسروا حروبهم ضد اسرائيل, المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان خسرت حربها ايضا عندما تعسكرت وتحولت الى سلطة قمعية و(الجهاز 17) لشؤون المخابرات. أطفال الحجارة في الارض المحتلة هم الابناء الشرعيون للمجتمع المدني, والانتفاضة الشعبية وليست العمليات العسكرية, في الداخل كما في الخارج, هي ما أرغم اسرائيل على المفاوضات للانسحاب من غزة والضفة. المجتمع المدني هو ما يخيف اسرائيل, ويخيف ايضا النظام العربي, ولدى هذا النظام أنواع من اجهزة الاستخبارات تفوق ما لدى الفرنسيين من أنواع الجبنة, وعندما سئل قائد نقابي عراقي, قبل غزو الكويت, عن أكبر النقابات في العراق, قال ضاحكاً: نقابة المخابرات, فهي تضم مايزيد عن 800 الف عضو (!). السياسة لا تنمو في الثكنات حرب لبنان ليست في الجنوب وحده, الجنوب هو جبهة فحسب, وعندما قررت اسرائيل قبل سنوات ان تجتاح الجنوب فإن 300 ألف مواطن من النساء والاطفال غادروا الجنوب تحت وطأة القصف, ولكن ايا من هؤلاء لم ينصب خيمة او يتحول الى نازح, لقد فتح اللبنانيون بيوتهم يحتضنونهم... ولم يكن لدى لبنان جيش قوي بعد... ولم يحقق الاجتياح غايته السياسية. وقد استوعبت المقاومة اللبنانية الدرس ولم تتحول الى سلطة عسكرية. (الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بلغة مختلفة) العبارة معروفة, فالغاية السياسية هي هدف كل حرب, والسياسة لا تنمو في الثكنات بل في المجتمع المدني, في الاحزاب والنقابات وجمعيات النفع العام والعمل التطوعي, وانتصار (طلاب الاسلاك) على العدو في ارنون هو تتويج لانتصارات هذا المجتمع المدني في الداخل بعد ان سالت دماء كثير من ابنائه ليكتشف ان من لا يقاتل دفاعاً عن رأيه وكلمته وموقفه لن يقاتل دفاعا عن أرضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق