الخميس، 19 أبريل 2012

زايد…قائد يقرأ التاريخ ولا يكف عن صنعه

حكايات سياسية، التاريخ:

سألت الشيخ زايد:يا صاحب السمو ماذا تقول في ظاهرة سعد حداد في جنوب لبنان , لقد صار عند اسرائيل عملاء يعملون علناً في خدمتها؟ورد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان فقال:نحن نتكلم عن امة عربية تعدادها يزيد عن 200 مليون مواطن, وعن امة اسلامية يزيد عددها عن مليار مسلم, وانت تسألني عن سعد حداد ؟هذه الامة لو حققت الحد الادني من التضامن فيما بينها لا يعود هناك لا حداد ولا مداد...

 ان هؤلاء لا يظهرون الا عندما تضعف الامة العربية وعندما تضعف الشعوب الاسلامية, وظهورهم هو من علامات هذا الضعف. وقلت لصاحب السمو: يا طويل العمر, هل تسعى الى تحقيق الوحدة العربية... وقطع الشيخ زايد السؤال فقال: ليس الوحدة ليبقى كل زعيم او قائد يحكم بلده, انا اقبل بالحد الادنى من التضامن ومن التعاون, ليمد كل قائد يده الى جاره, لتتماسك هذه الأيادي, وتتعاون على ما فيه خير شعوبها. ولتتضامن فيما بينها دفاعاً عن نفسها وعن اشقائها هل ما نطلبه كثير؟ اذكروا الماضي هذا الحوار مع رئيس الدولة جرى في قصر المقام في اواخر العام 1979, ونستعيد بعض محطاته عملاً بالقول المأثور للشيخ زايد: اذكروا الماضي, وذكر هذا الماضي هو ما يساعدنا على معرفة الحاضر ويفتح امامنا بوابات المستقبل... فالامم القادرة هي الامم التي تستطيع ان تبني من تراكم تجاربها حصناً منيعاً يقيها عاديات الزمان وغدره . الأمم تتآكل من أطرافها وفي هذه العودة إلى الماضي نكتشف الكثير مما يملأ القلوب حزنا والكثير أيضا مما يملؤها فرحا, وفي الحالتين الكثير مما نتعلمه ونجعله عبرة ونستلهم منه قاعدة, فعندما يقول الشيخ زايد: ان ظهور أمثال سعد حداد في الشريط الحدودي من جنوب لبنان هو من علامات ضعف الأمة فهو يصف الداء اعتماداً على قاعدة تاريخية صقلتها حكمة الشعوب والتجارب الميدانية التي عاشها سموه, وهذه القاعدة تقول ان الضعف عندما يصيب الأمم يبدأ تآكلها من أطرافها سواء في لبنان أو في العراق أو في السودان أو في سواها من الأقطار العربية والاسلامية, ولكن هذا الضعف ليس قدرا كما يشير صاحب السمو الشيخ زايد في حديثه, فالتضامن العربي ومد زعيم كل دولة يده لأخيه دفاعا عن نفسه وعن شقيقه كفيل بأن يعالج هذا الضعف وأن يحوله إلى نقيضه وهو القوة, كما في حرب أكتوبر عام 1973, حيث منحتنا القوة القدرة على تدمير أسطورة جيش الدفاع الاسرائيلي, ولكن عندما غاب هذا التضامن هزمنا سياسيا, أكثر من ذلك ان نموذج (لا حداد ولا مداد) يعطينا أكثر من عبرة ودرس فعندما اتفق جميع اللبنانيين بطوائفهم وأحزابهم بعد طول اختلاف وتحارب على محاربة العدو الاسرائيلي وعملائه في الشريط نهضت حركة المقاومة اللبنانية ـ هي لبنانية قبل أي شيء آخرــ وبدعم من الأشقاء في سوريا, وبمساعدة من أشقاء مسلمين في الجمهورية الاسلامية في ايران نجحت هذه المقاومة في جعل الاحتلال عبئا ثقيلاً على المحتل كما على العميل, وعبارة (لا حداد ولا مداد) بدأت تأخذ طريقها إلى التنفيذ, وما يحدث في لبنان يمكن ان يحدث في أي بلد عربي اسلامي, يستطيع تحديد عدوه, والعدو هو اسرائيل بكل امتداداتها وبيوضها التي تأمل أن تجد من يحتضنها لعلها تفقس!! ان في تجربة المقاومة اللبنانية الكثير مما يفرح ويضيء عتمات القلوب, ويمنحنا الثقة بقدرات الشعوب. نقرأ في تاريخ الخليج وفي المقابل إذا عدنا إلى عبارة الشيخ الحكيم زايد بن سلطان (اذكروا الماضي) , وفتحنا صفحات منطقة الخليج منذ مطلع القرن, فماذا نقرأ؟ نقرأ عن قبائل تحكمها صراعات تاريخية وشخصية, تتقاتل فيما بينها على السلطة, وعندما تتحالف وترفع راية السلام فيما بينها خدمة لأبنائها تفاجئها السفن الحربية تدك حصونها وتحرق منازلها تحت ذرائع ومزاعم عن القرصنة والرقيق, وكان الكابتن الانجليزي عندما يقطع آلاف الكيلومترات بعيداً عن بلده, ويأمر بقصف المدن والبلدات الآمنة يقوم بمهمة انسانية وليس بقرصنة سافرة, وإذا لم تنجح البارجة الحربية في تحقيق هدف العدو الخارجي فقد كان يلجأ إلى منجم من الدسائس والمؤامرات يغرف منه كي يقوم الأخ على أخيه, تارة بسبب الحدود , وطورا بسبب النفوذ وغالبا ببريق المال, وكانت شبه الجزيرة والخليج مسرحا لمعارك تزيد في شراستها قسوة الطبيعة. الاتحاد رديف الخير هذا كان في الماضي, ولكن ماذا نقرأ اليوم؟ نقرأ عن دولة نموذجية ورائدة في العالم العربي هي دولة الامارات العربية المتحدة, هي دولة نموذجية لأنها جمعت في ظل الاتحاد ما كان متفرقا على مر الأزمان, وما كان يراد له ان يبقى متفرقا وهي دولة رائدة لأنها نجحت في ان تجعل من الاتحاد رديفا للخير يعم جميع ابنائه, وهذا لم يحصل حتى في المملكة المتحدة التي حرمت شمالها من خيرات ما ينتجه. ونقرأ عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية, وهو مجلس ربما كان لديه الكثير مما يطلب المواطن تحقيقه, ولكنه استطاع على الأقل تحقيق حد من التضامن بين قياداته وشعوبه ووفر له الحماية. ونقرأ أخيرا عن حاكم حكيم, جمع بين القدرة والحكمة , تفيض محبته خارج حدوده, وهو عندما يدعو إلى قراءة التاريخ لا يكف عن صنعه, وهنيئا لزايد القائد في عيد جلوسه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق