الخميس، 19 أبريل 2012

لماذا لا يقتحم العرب العراق لاطعام اطفاله ومنع تقسيمه؟ رسالة في قبضة طفل عراقي قتيل

حكايات سياسية، التاريخ:

لعل جثة الطفل العراقي القتيل بصاروخ امريكي اخطأ هدفه في شمال البصرة تصلح عنوانا لقراءة تاريخية موجزة عن حال الامة. امة العرب وامة المسلمين . كان وجه الطفل مغطى بالتراب, ويده الصغيرة تقبض على شيء ما. لم يكن لعبة, بل بقايا ورقة لعلها انتزعت من قصة للاطفال, هل كان الطفل يقرأ القصة عندما فاجأه الصاروخ فانهى حياته قبل ان تكتمل القصة؟ وهل هناك طفل واحد في العراق, يحلم ان يمتد به العمر كي يكمّل القصة؟ لا أحد يحلم في العراق, حتى الاطفال, والتاريخ لم يعرف من قبل شعبا تتناوب عليه قوتان في البطش لا حدود لهما, وفي وقت واحد: اجهزة صدام حسين في الداخل, وآلة الحرب والحصار الامريكي في الخارج.

 ... وتكاد الامة تنسى صورة الطفل العراقي القتيل وهي تنبش ركام التاريخ بحثاً عن... المجرم. الشعب في الاسر (دنيس هوليداي) كان حتى اكتوبر العام 1998 يعمل منسقا للشؤون الانسانية, في اطار برنامج الامم المتحدة للنفط مقابل الغذاء في العراق, وبعد 13 شهرا امضاها دنيس في الاشراف على توزيع الاغذية والمساعدات... استقال. لماذا؟ يقدم دنيس, في مقال تحت عنوان (عقوبات قاتلة: الشعب العراقي في الاسر) ونشرته صحيفة لوموند دييلوماتيك الفرنسية, الاجابة التالية: (ان فرض العقوبات على العراق بقرار من مجلس الامن في الامم المتحدة هو أشبه ما يكون بحرب غير معلنة, فالنتائج هي نفسها بالنسبة الى السكان, سواء في تدمير رفاهية عيشهم ام في ارتهان مستقبلهم. انا لست خبيرا في شؤون العراق, لكن لحسن حظي او لسوئه امكنني الاطلاع بام عيني على النتائج التي ترتبت على هذه العقوبات خلال اقامتي هناك لمدة 13 شهراً... ان نظام العقوبات, كما يشرح احد الوزراء, حتى وان لم تحصل الضربات العسكرية يقتل شهريا ثمانية آلاف شخص...) ويرى دنيس: ليس الغذاء وحده هو ما يحتاجه اطفال بغداد, فمعظمهم تنقصه الثياب النظيفة والمسكن اللائق او مياه الشرب, حتى انهم محرومون من الحلم بحياة تتوافر لهم فيها ادنى شروط العناية الصحية ويتأمن لهم فيها الغذاء المنتظم والمتوازن والقدرة على الذهاب الى المدرسة بدلا من العمل او التسوّل... وتقدر نسبة الاولاد الذين تركوا المدرسة بثلاثين في المائة...) . وينتهي منسق الشؤون الانسانية السابق الى اطلاق تحذيره, فيكتب: ان العقوبات تغذي التعصب وقد تؤدي الى صعود موجة التطرف السياسي, وفي الخارج, ما من أحد يدرك حجم الخطر رغم انتصار حركة (طالبان) في افغانستان, او رغم دروس التاريخ التي يشهد عليها تنامي النازية في ألمانيا غداة معاهدة فرساي) . وينتهي الى القول: لم تؤد التهديدات العسكرية ولا العقوبات ولا العزل الى اي تغيير ايجابي, فقد تبين ان العقوبات كانت وسيلة وحشية لا انسانية. يمكن عن حق ان نكره الرئيس صدام حسين, ولكننا في الواقع نفسه لا نجد في شريعة الأمم المتحدة اي مادة تبرر اغتياله او تبرر العذابات التي مني بها شعبه... وقد آن الاوان لفتح حوار حقيقي يسمح لمجمل دول الخليج الحلم بمستقبل اكثر سلاماً) . ما يريده دنيس هوليداي هو التعامل مع الرئيس صدام حسين ورفع العقوبات كي يتجنب العالم قيام افغانستان أخرى في العراق. الوزيرة والجنرال و... طالبان وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت ربما تتفق مع دنيس هوليداي في ضرورة تخفيف المعاناة عن شعب العراق وأطفاله, ولكن ليس عبر رفع العقوبات بل عبر احتواء موسع للعراق والعمل لاطاحة النظام, بدعم المعارضة العراقية, وفقا لقانون تحرير العراق الذي اقره الكونجرس الامريكي وخصص له مبلغ 97 مليون دولار... وتقوم قيامة الجنرال (انتوني زيني) , وهذا لا علاقة له في الشؤون الانسانية ولا في الأمم المتحدة, ولكنه يلتقي مع المنسّق دنيس هوليداي في التحذير من افغانستان اخرى في العراق, يقول الجنرال في شهادته امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي: حتى اذا سقط صدام فان 15 او 20 او 90 مجموعة معارضة سوف تتصارع على السلطة في العراق, ويحذر الجنرال اعضاء مجلس الشيوخ: سأكون مخلصاً, انا لا ارى اية مجموعة معارضة قادرة على اسقاط صدام في هذا الوقت... وهذه السياسة يمكن ان تزعزع الاستقرار في المنطقة ويمكن ان تكون خطرة جدا... اذ ان اخر ما تحتاجه الولايات المتحدة هو دولة ممزقة اخرى في المنطقة) . وما يقترحه الجنرال هو ابقاء العقوبات و... صدام حسين, اي استمرار السياسة الامريكية التي بدأت منذ ثماني سنوات.. هل نقتحم العراق؟ ولكن ماذا عن الخيار الثالث, الخيار العربي؟ الرئيس السوري حافظ الاسد اقتلع في عام 1995 العماد ميشال عون من جذوره لان العماد هدد وحدة لبنان, ودعم العرب موقف الرئيس الاسد, بالطبع, المقارنة بين لبنان والعراق ربما تبدو متعسفة, ولكن الرئيس المصري حسني مبارك, طرح نصف الاجابة عندما تساءل, بعد ان فاض به الحزن: هل المطلوب ان نقتحم العراق ونطعم الاطفال؟ نصف الاجابة الباقية مازالت في قبضة الطفل العراقي القتيل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق