الثلاثاء، 24 أبريل 2012

مشروع بوش لتجنيد النقابات في خدمة الاستخبارات، المنطقة الرمادية


الاصل في اجهزة الاستخبارات انها مثل الجيش وقوى الامن توفر الحماية للوطن والمواطن، ولكن اجهزة الاستخبارات في العالم العربي سيئة السمعة والصيت لان مهمتها الجليلة هي «الإخبار» عن المواطن حماية للنظام ولأهل السلطة، وهي لأجهزة لا تعتمد على العمل التطوعي من نوع «كل مواطن خفير»، بل مدفوعة الاجر وبسخاء شديد في خدمة انظمة لم تكسب شرعيتها من تداول السلطة، وبالتالي فإنها تعتبر كل معارض عدواً ومهمة الاجهزة هي اكتشاف هذا العدو واعتقاله وربما تصفيته، كما تكشف اعترافات اكثر من مسئول استخباراتي سابق وفي اكثر من بلد عربي.
تتجسس على الرئيس في الغرب الديمقراطي حيث تكتسب الانظمة شرعيتها من تداول السلطة بين الحكومة والمعارضة فإن هذه الاجهزة تعمل على حماية الامن القومي للوطن من دون ان تتدخل في اللعبة السياسية وان تنحاز الى الفريق الحاكم، ولكن هناك استثناءات. فالرئيس الاميركي الراحل ريتشارد نيكسون استخدم جهاز التحقيقات الفيدرالي للتجسس على الحزب الديمقراطي المنافس فيما بات يعرف بفضيحة «ووترغيت» كما ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك بدأ ولايته الثانية باقالة المدير العام للامن الخارجي «دي. جي. اس. أو» جان كلود كوسران ونظيره مدير ادارة حراسة الحدود «دي. اس. تي» جان جاك باسكال، بعد ان ثبت تورط جهاز كل منهما في التجسس على الرئيس وتسريب معلومات تخدم منافسيه في الانتخابات الرئاسية، وفي طليعتهم رئيس الوزراء الاشتراكي السابق ليونيل جوسبان. اجهزة الاستخبارات تعمل عادة فيما يسمى «المنطقة الرمادية» ومن هنا فإنها تخضع لرقابة دائمة من لجان الاستخبارات في السلطة التشريعية المنتخبة، كي لا تتم اساءة استخدامها لغايات سياسية، وحرفها عن مهمتها الاساسية وهي حماية الامن القومي وليس النخبة السياسية الحاكمة. «إخبار» بوش من هذه المقدمة يمكن الحديث عن مشروع القانون الذي طرحه الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، لتجنيد عدد من النقابات والجمعيات فيما اسماه مبادرة «تيبس» اي «الإخبار» عن اي نشاط مشبوه، ومن بين من تشملهم المبادرة نقابات سائقي الشاحنات وعمال البريد وجمعيات المتقاعدين، والقائمة مازالت مفتوحة، ولكنها تلقى معارضة شديدة من الحزبين معاً الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض، بالاضافة الى جمعيات المدافعين عن الحقوق المدنية. السبب الرئيسي ليس بالتأكيد فقر وطنية الاميركي، خاصة بعد 11 سبتمبر ولا ضيق صدره بالعمل التطوعي، او ضيق وقته عن اجراء مكالمة هاتفية مجانية تحتوي «الإخبار» المطلوب، فهناك كثير من الاميركيين يقومون بدوريات ليلية لحراسة الاحياء التي يقيمون فيها، كما ان احصائية نشرت مؤخراً كشفت ان الاميركي يقدم في المتوسط ست ساعات على الاقل شهريا في العمل التطوعي. اذن لابد من اسباب اخرى تجعل مهمة الرئيس في تجنيد الاميركيين كمخبرين مهمة مستحيلة وهي اسباب تبدو متناقضة ولكنها تلتقي على هدف واحد. تهدد الحريات الفردية جمعيات الدفاع عن الحقوق المدنية والحريات الشخصية تطرح قضيتها كالتالي: هل تتحمل ان يتجول شخص حول منزلك، او يطل ليلقي نظرة على ما يجري داخل بيتك، او يسجل عنوانك، وعنوان المرسل في رسالة يضعها في صندوق بريدك؟ وماذا لو خطر لجارك ان يجعل منك مشبوها، لمجرد انك تعود في ساعة متأخرة من الليل وانت تقيم في الشقة المجاورة او الشقة التي تعلوه، بينما هو نائم، واكثر من ذلك، ما الذي يمنع زميلك في العمل من التجسس على بريدك الالكتروني لتحسين ظروف منافستك؟ وهذه الاسئلة كلها تعيدنا الى دولة الحزب الواحد، حيث كل فرد يتجسس على الآخر و«الأخ الاكبر» يتجسس على الجميع، وقد مرت الولايات المتحدة في المرحلة «المكارثية» بتجربة من هذا النوع، وحفظت دروسها. المحافظون: نخشى اختراقنا وعلى النقيض من هذا الطرح المدافع عن الحريات المدنية، يقف التيار الديني المحافظ، وهو من ابرز التيارات داخل الحزب الجمهوري الحاكم، ليعلن موقفه المعارض، ولكن لأسباب مختلفة. ففي تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 25 يوليو الماضي، اعلن التيار الديني المحافظ براءته من وزير العدل جون اشكروفت، مع ان هذا التيار هو من طرح في الاصل وضغط على الرئيس بوش لتعيينه في هذا المنصب، والسبب، كما يقول رئيس «منظمة الكونغرس الحر» بول رايش: هو ان «اشكروفت يحاول زيادة قدرة الادارة على التجسس واختراق التنظيمات المحافظة». والمفارقة هنا ان تلتقي منظمات الحقوق المدنية التي تدافع عن الحق في الاجهاض وعن منع الصلاة في المدارس لأنه يتنافى مع الدستور الذي يقضي بالفصل بين الدين والدولة، ان تلتقي مع اليمين المسيحي المحافظ وهو ضد الاجهاض ومع الصلاة الصباحية في المدارس، لرفض مبادرة الرئيس بوش في تحويل كل مواطن الى.. خفير. .. عندنا أجهزة الاستخبارات تتناسل كالفطر، والمنطقة الرمادية تكاد تبتلع المواطن.. والوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق