الثلاثاء، 24 أبريل 2012

المصير المجهول للطلاب العرب الدارسين في اميركا، القارة.. والجزيرة


الولايات المتحدة قارة.. ونحن جزيرة، قالها ضابط الهجرة البريطاني في مطار هيثرو، تعليقا على عبارة قارنت فيها بين سهولة الحصول على فيزا دخول الى الولايات المتحدة وصعوبة دخول المملكة المتحدة للاقامة ولو لمدة ثلاثة ايام. حدث ذلك في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وكان جواز سفر اللبناني يستعيد بعضا من الاحترام المفقود في خلال حروب استغرقت 15 عاماً، وبدأ جمرها يتحول رماداً. في مطار بالتيمور والمقارنة بين بريطانيا واميركا جاءت نتيجة تجربة، ففي العام 1982 كان قد مضى على اقامتي في الولايات المتحدة مدة سنتين، عملت خلالها مراسلاً لعدد من الصحف والمجلات العربية، لم تكن اسرائيل قد اجتاحت لبنان بعد ولكن حروب الداخل جعلت جواز سفر المواطن اللبناني مشبوهاً وسييء السمعة والصيت، يقوده مباشرة الى سلطات التحقيق في المطار هذا اذا نجح في الحصول على فيزا لدخول البلد.
وحدث في ذلك العام ان غادرت مركز عملي في العاصمة واشنطن الى لندن في زيارة عمل استغرقت اسبوعا وعند عودتي هبطت بي الطائرة في مطار «بالتيمور» في ولاية ميريلاند ووقفت مع باقي المسافرين في طابور امام شباك ضابط الهجرة وبينما كنت اقلب صفحات جواز سفري بحثا عن الاقامة في اميركا اكتشفت بذهول ان مدة اقامتي منتهية وانه كان لابد من تجديدها في لندن، وان ضابط الهجرة البريطاني لم ينتبه بدوره الى هذه المسألة وتركني اغادر مطار هيثرو مع ان صلاحية الاقامة في اميركا منتهية، وهكذا وقفت امام ضابط الهجرة في مطار بالتيمور وابلغته انني لا املك اقامة صالحة لدخول بلاده، فاشار الى زميل له قام بمرافقتي الى غرفة مجاورة، طرح علي بعض الاسئلة عن عنواني المنزلي ومركز عملي وما اذا كنت املك رخصة قيادة صالحة من الولاية التي اقيم فيها وهل لدي حساب في البنك، اخرجت من حقيبتي عدداً من البطاقات والاوراق، القى الضابط عليها نظرة سريعة، انتقلنا بعدها الى غرفة اخرى، فيها طاولة يجلس خلفها زميل له، شرح له المسألة وناوله جواز سفري وختم الضابط الجواز باقامة صالحة لثلاث سنوات وطلب مني رسما بقيمة 15 دولاراً، عندما اعطيته المبلغ قال مبتسماً: آسف لو انك جددت الاقامة في لندن لما دفعت اكثر من 13 دولاراً هناك دولاران غرامة (!). اذن فقد حمل ضابط الهجرة الاميركي في مطار بالتيمور همي لانني دفعت دولارين زيادة. ممنوع على الطالب العربي؟ لماذا استعيد هذه الواقعة اليوم؟ السبب هو انني التقيت في الكويت، حيث اعمل عدداً من الطلاب الدارسين في الولايات المتحدة. وتم قبولهم في الجامعات الاميركية هناك، وهؤلاء ليسوا خريجي معاهد دينية ولم يسبق لهم ان زاروا افغانستان، ولا تتلمذوا على ايدي ملالي طالبان، وتخصصاتهم علمية تتضمن الطب والهندسة والاقتصاد وفروعاً في التكنولوجيا. ومع ذلك فإن السفارة الاميركية في الكويت لم تمنحهم حتى الآن فيز دخول الى الولايات المتحدة، قالوا ان السفارة وموظفيها يتعاطفون معهم ولكن عذرهم في عدم منح الفيز المطلوبة هو انهم «يطبقون التعليمات». وان الموافقة تأتي من واشنطن وليس من السفارة. ولان الفصل الدراسي يبدأ في مطلع سبتمبر المقبل في اميركا فإن هؤلاء الطلبة مهددون بأن يخسروا عامهم الدراسي مع ان جامعة الكويت عرضت قبولهم لفصل دراسي واحد كحل مؤقت لهذه المشكلة. والقضية ليست هؤلاء الطلاب فقط، فقد رفضت السفارة الاميركية في بيروت منح عدد من الرياضيين اللبنانيين سمات دخول الى اميركا للمشاركة في العاب رياضية ويتردد بأن هناك طلبة سعوديين يعانون المشكلة ذاتها، مع ان ما يزيد على 50 الف طالب سعودي اكملوا تعليمهم العالي في الولايات المتحدة، وفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال». الامبراطورية وفي مقابل هذا التشديد الذي يصل احيانا حد المنع من دخول اميركا فإن الادارة الاميركية وبموافقة الكونغرس اطلقت وعلى مدى 24 ساعة اذاعة «صوت اميركا» بالعربية، وهذا يحدث للمرة الاولى، كما انها وافقت على تخصيص مبلغ يزيد على 365 مليون دولار لانشاء شبكة تلفزيونية موجهة للعرب، وهذا ايضا يحدث للمرة الاولى، كما ان مراكز الابحاث والجامعات الاميركية باتت تخصص المزيد من الوقت والمقررات لدراسة العالمين العربي والاسلامي. وهذا يعني ان الولايات المتحدة تريد التقرب من العرب على مستوى الشعوب وليس على مستوى الحكومات، ومع ذلك فإنها تمنع او تشدد في منح هؤلاء العرب فرصة للدراسة والعيش في اميركا واكتشاف الحياة على الطريقة الاميركية، وهو هدف طالما عملت على الترويج له الى حد انها كانت تضغط على المسئولين من اصدقائها العرب لابتعاث ليس الطلاب وحدهم، بل العسكريين ايضا للدراسة في كلياتها العسكرية والتدرب في معسكراتها. وهذا الانفتاح كله هو من تقاليد الامبراطورية الاميركية، امبراطورية المهاجرين الذين تم صهرهم في البوتقة الاميركية. اما منع الطلاب العرب دخول اميركا والدراسة فيها فهو من تقاليد «الجزيرة». وما يخيف في سلوك الادارة الاميركية بعد احداث 11 سبتمبر هو انها تتصرف عسكريا باعتبارها امبراطورية وتتصرف حضاريا باعتبارها جزيرة (!)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق