الثلاثاء، 24 أبريل 2012

التاريخ الأميركي يشتعل مجدداً في ذكرى 11 سبتمبر، دماء «الجدار الحجري»


الذكرى الاولى لاحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة تترافق مع مواجهات ساخنة تدور رحاها على تخوم واشنطن العاصمة وسوف تشهد اولى مواقعها يوم 18 سبتمبر الجاري. المواجهة هي حول «التاريخ» كما يراه الاميركي، ولأن يوم 11 سبتمبر دخل التاريخ الاميركي من اوسع بواباته فان هذه المواجهة تستحق الوقوف عندها. بلدة «تشانسلرز فيل» تقع في منتصف الطريق بين واشنطن العاصمة وبين مدينة ريتشموند في ولاية فيرجينيا وقد اختارتها شركة «دوغ وود» للتطوير والانشاءات لتبني فيها مجمعا سكنيا وتجاريا عملاقا يضم (2350) منزلا تضاف اليها محلات ومكاتب واسواق تجارية تتمدد على مساحة (223) الف متر مربع. انها فرصة ذهبية لن تتكرر.
البلدة سوف تزدهر اقتصاديا، اسعار المنازل سوف ترتفع وسوف تلغي من قاموسها عبارة «عاطل عن العمل» مع ان الولايات كلها تعيش ازمة اقتصادية. ـ بل انها كارثة، فتراب الارض مجبول بدماء الابطال. هذا الحوار يدور بين شركة التطوير وبين سبع جمعيات للمحافظة على التراث. دماء الجنرال ورفاقه وموضوع الحوار يستدعي صور (620) الف اميركي سقطوا خلال الحرب الاهلية وكانت بلدة «تشانسلرز فيل» ساحة حرب لواحدة من اكبر المعارك واكثرها دموية، وقعت في شهر مايو من العام (1863) وانتصر فيها الجنرال روبرت لي على قوة هائلة من الجيش الاتحادي تفوق قواته عددا ولكنه خسر اثناءها ساعده الايمن الجنرال توماس جاكسون، وكان لقبه «الجدار الحجري». الجنرال جاكسون قاد قواته مسافة (19) كيلومترا وانقض على القوات الاتحادية في خطة عسكرية محكمة مازالت تدرس في المدارس العسكرية الاميركية وانتصر عليها .. فهل تذهب دماؤه ومن سقطوا معه هدرا ويطويها النسيان وتتحول «ساحة المعركة» الى مجمع سكني وتجاري يقوم على انقاض التاريخ؟ وتضيف جماعات المحافظة على التراث ان دماء «الجدار الحجري» ليست وحدها المستباحة اذ ان عشرات الشعراء والكتاب كتبوا عن تلك الموقعة شعرا ونثرا وتاريخا ليس من موقع التحدي للقوات الاتحادية التي انتصرت في النهاية بل من موقع التهدئة وتحقيق الوئام بين الفئات المتحاربة. هنا من المفيد الاشارة الى ان ولايات ومدناً في الجنوب الاميركي مازالت ترفع في المناسبات علم «الكونفيدرالية» التي خاضت حروبها، قبل حوالي قرن ونصف القرن، تحت لوائه، في مواجهة جيش الشمال الاتحادي، وهي قضية تحولت العام الاسبق الى موضوع ينظر فيه القضاء، وقد يصل الى المحكمة الدستورية العليا. المصالح و.. التاريخ اذن «ساحة المعركة» عادت مجددا ساحة معركة بين اهل التراث والتاريخ وبين المقاولين من جماعة التطوير والبناء، ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» فإن المواجهة بين الفريقين سوف تقع في 18 سبتمبر، حيث يترافع الفريقان امام لجنة التخطيط في البلدة وسوف تقترح جماعة المحافظة على التاريخ تعديل مخططات البناء لان ساحة المعركة تغطي مساحة 1600 آكر ـ الاكر يساوي 4047 مترا مربعا بينما مساحة مشروع الشركة لا يتجاوز 788 آكر. اي ان المشروع لا يمكن ان يقوم في البلدة المسكونة بأرواح المقاتلين والجدار الحجري. ولكن للشركة رأيا آخر، اذ يقول ممثلها ان هناك سوء استخدام للمعلومات، فالمجمع التجاري والسكني سوف يقوم على تخوم «ساحة المعركة» حيث القتال كان ثانويا، ولم يسقط فيه مقاتلون كثيرون، وفوق ذلك فإن الشركة سوف تترك 34 آكر حيث دارت معارك حقيقية، كي تبقى ذكرى وشاهدا على تضحية اولئك الابطال. عمود بين مطعمين اذن هل يمكن اختصار «ساحة المعركة» من 1600 آكر الى 34 آكر؟ الاجابة تأتي من بلدة فرانكلين في ولاية تنيسي، فقد سقط فيها احد ابطال الحرب الاهلية البارزين الجنرال باتريك كليبورن من قيادات الكونفيدرالية وقد ابقت في «ساحة المعركة» التي قتل فيها عمودا قصيرا، لا يتجاوز طوله عدادات مواقف السيارات ووضعت فوقه اسمه، ويقع العمود بين مطعمين يقدمان الوجبات السريعة. في الذكرى الاولى لاحداث 11 سبتمبر، يدور النقاش حول المساحة التي سوف تترك ذكرى لتفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك والمساحة التي يجب اعادة بنائها... ويدور نقاش ايضا وهو الاهم حول «ساحة المعركة» من افغانستان وحتى الشرق الاوسط مرورا بالفلبين وجمهوريات آسيا الوسطى.. وهو حوار لسنا طرفا فيه، فهو يدور بين صناع التاريخ والمحافظين عليه وبين المقاولين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق