الجمعة، 28 أكتوبر 2011

لعنة الموظف: قطعة أثاث في مكتب يعلوه الغبار


ينتج السجين المحكوم بالأشغال الشاقة ٢٨ ضعف إنتاج الموظف الحكومي خلال الدوام الرسمي. هذه احدى النتائج التي كشفت عنها دراسة قامت بها جامعة الكويت في الثمانينات من القرن الماضي حول إنتاجية الموظف خلال ساعات الدوام اليومية، وتبين منها أن العمل الفعلي للموظف لا يزيد على ١٥ دقيقة، خلال دوام يغطي ٧ ساعات في اليوم، بينما السجين المحكوم بالأشغال الشاقة يعمل ٧ ساعات يومياً على الأقل، ولا يمنحه الحراس فرصة ليهدر ولو فترة قصيرة من الوقت خارج مناوبته.

هذا في الكويت حيث يتسع صدر الحكومة لاستيعاب ٩٠٪ من المواطنين ما يشكل حاضنة عملاقة لما يسميه علماء الاقتصاد البطالة المقنَّعة، أما على مستوى دول مجلس التعاون مجتمعة، فقد كشفت دراسة جادّة، قامت بها “مؤسسة الخليج للاستثمار” بالمشاركة مع “كونفرنس بورد” وهي مؤسسة عالمية مقرّها نيويورك، وأعلنت نتائجها منذ أسابيع، كشفت أن معدل إنتاجية الموظف الخليجي سجل تراجعاً كبيراً بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠٠٧. وجاء في تفاصيل الدراسة أن الدول التي تعتمد على النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل ارتفع إنتاج موظفيها بين الأعوام المذكورة بالنسب التالية: الإمارات 1٪، السعودية ثمانية بالألف، الكويت ١.٣٪، قطر ١.٨٪. وهذا الارتفاع لم يتحقق بسبب زيادة إنتاج الموظفين، بل نتيجة لزيادة عددهم. أما في الدول التي لا تعتمد على النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل فقد ارتفع الانتاج الفعلي للموظفين في البحرين بنسبة ٥.١٪، وفي عمان بنسبة ٤.١٪، مع أن هؤلاء الموظفين لم يستفيدوا من الزيادة الكبيرة في الرواتب التي تحققت في الإمارات مثلاً، وهو ما دفع بعض المواقع في الإنترنت إلى الزعم بأن الموظف الإماراتي هو الأعلى راتباً والأكثر كسلاً.
وفي السياق نفسه تشير دراسة صدرت مؤخراً في الامارات إلى أن ١٠٪ من الموظفين في القطاع الحكومي يستقيلون من وظائفهم سنوياً نتيجة أوضاع عائلية لا تتناسب مع دوامهم الوظيفي، ومعظم هؤلاء من الأمهات اللواتي يتحملن مسؤولية العناية بتربية الأولاد.
وعلى هذه الخلفية يمكن قراءة الخطوة الرائدة التي أقرها المجلس التنفيذي لإمارة دبي يوم ١٥ يناير الجاري، وأجاز فيها نظام العمل بدوام جزئي في كافة الجهات التابعة لحكومة دبي، ولم يلزم الموظف بهذا النظام بل تركه اختيارياً للراغبين فيه، بما يتناسب مع احتياجات الجهات الحكومية من ناحية، والموظفين الذين يواجهون صعوبة في التوفيق ما بين ساعات العمل وحياتهم العائلية والاجتماعية من ناحية أخرى.،مايجعت عملية التوطين أكثر يسرا
ويحتفظ الموظف، بموجب نظام العمل المقترح، بأغلب الحقوق المقررة لأصحاب الدوام الكامل، باستثناء مكافأة الأداء السنوية، وتذاكر السفر والإجازات مدفوعة الراتب، مثل الإجازة السنوية واجازة الأمومة والأبوة والدراسة والعطلات الرسمية.
وبينما يؤكد نظام العمل بالدوام الجزئي، على حقوق الموظف في الترقية يشير إلى أنه لا يجوز استبعاد الموظفين بدوام جزئي من فرص التدريب والتطوير المهني داخل وخارج الدولة، كما سيتم تعويض الموظف بدوام جزئي عن المستحقات غير الممنوحة له، وذلك من خلال زيادة ٢٠٪ من أجر ساعة العمل التي يتقاضاها الموظف بدوام كامل.
صحيح أن البطالة المقنّعة هي لعنة تضرب الحكومات وتضطرها لأن ترمي معظم ميزانياتها ليلتهمها بند الرواتب، ولكن اللعنة الأكبر تضرب الموظف، فيتحول من منتج ومبتكر ومبدع إلى قطعة أثاث في مكتب يعلوه الغبار، وهل هناك حاجة إلى استعادة تلك الإحصائية اللئيمة التي تؤكد أن إنتاج الموظف في إسرائيل يعادل إنتاج ١٧ موظفاً في الخليج؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق