الأربعاء، 6 يونيو 2012

اقتنع البيت الابيض .. فهل يقتنع المسلمون؟ ـ ما جرى بعد بيرل هاربر

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ:

نظلم انفسنا والولايات المتحدة عندما نؤكد، في معرض المقارنة التاريخية، ان ما جرى ويجري في الولايات المتحدة للمسلمين والعرب الامريكيين بعد هجمات 11 سبتمبر هو شبيه بما اصاب الامريكيين من اصل ياباني بعد بيرل هاربر في 7 ديسمبر 1941، نظلم انفسنا لاننا نستهين بقوتنا كعرب ومسلمين ونكاد نتجاهلها بينما هي حاضرة في غرفة عمليات صناع القرار الامريكي، ونظلم الولايات المتحدة لان منظمات المجتمع المدني فيها، وبعد 60 عاما من بيرل هاربر كشفت انها استفادت من تجاربها وانها قادرة على رسم الحدود بين العدالة والانتقام.
 نعود الى بيرل هاربر وننظر الى ما تلاها من احداث من وجهة نظر اشهر اعلامي امريكي في القرن العشرين وهو والتر ليبمان، واحدى الصفات التي اطلقت عليه هي «صانع الرأي العام».
ونقتطف من سيرة حياة ليبمان كما كتبها رونالد ستيل في كتاب يحمل عنوان: «والتر ليبمان والقرن الامريكي» وحصل الكتاب على جائزتين في النقد والتاريخ، نقتطف التالي: في مطلع فبراير العام 1942 غادر ليبمان واشنطن الى الساحل الغربي للتحدث مع مسئولين عسكريين، وكانت صدمة بيرل هاربر قد خلفت لدى اهالي كاليفورنيا شعورا بالتوتر وترقبا لأسوأ التوقعات، وسرت شائعات كثيرة عن غزو ياباني محتمل مدعومة بشعور عميق من الكبرياء والتعالي تجاه الشرقيين وهو ما اطلق موجة عامة وعارمة من الهستيريا، حاكم المدينة كولبرت اولسون والمدعي العام ايرل وارن كانا يعملان مع المسئولين المحليين لاصدار قوانين تقضي بصرف الامريكيين ـ اليابانيين، وقد تزايدوا عبر جيلين، من الوظائف الحكومية، وسحب تراخيصهم التي تخولهم ممارسة مهنة المحاماة والطب، بل ومنعهم في بعض المناطق من القيام بأي عمل، وبتحريض من دار «هيرست» للاعلام، كان اهل كاليفورنيا البيض يرفضون تشغيل اليابانيين لخدمتهم في المطاعم ومحطات الوقود، او لبيع المواد الغذائية وحاول بعضهم تبرير ذلك بالقول ان الامريكيين من اصل ياباني يشكلون طابورا خامسا في منتهى الخطورة، والمفارقة هي ان اي تهمة مشابهة لم توجه الى الالمان او الايطاليين الامريكيين على الساحل الشرقي، وكان القائد العسكري المحلي الجنرال جون ديويت يردد: الياباني هو ياباني، وليس مهما ان يكون امريكيا او لا يكون، وكان كثيرون من الناس البارزين يوافقون على ذلك. تهجير ومعسكرات اعتقال وفي سياق هذه الحملة ضد اليابانيين وقد اجتاحت كاليفورنيا وضع مساعد وزير الحرب جون ماكلوي، وبأوامر من رئيسه هنري سيمبسون، خطة جهنمية لتهجير جميع اليابانيين ـ الامريكيين من الساحل الغربي واعادة اسكانهم في معسكرات معزولة اسماها الرئيس ثيودور روزفلت فيما بعد معسكرات الاشغال الشاقة وتحت حراسة الجيش. كلهم عنصريون اذن كانت الصورة عشية الهجوم على بيرل هاربر كالتالي: عمدة كاليفورنيا، وهو الحكومة المحلية، مدعوما من السلطة القضائية الممثلة بالمدعي العام ومن السلطة العسكرية ووزارة الحرب (الدفاع)، وفي اجواء هستيرية تعصف بالمواطنين، يتخذ قرارا يقضي بتهجير جميع الامريكيين من اصل ياباني واسكانهم في معسكرات اعتقال تحت حراسة الجيش، ومن هنا يبدأ دور الاعلام.
 يقول كاتب السيرة: لقد ذهب والتر ليبمان الى سان فرانسيسكو لالقاء نظرة على الامور، وبعد «موجز» استمع اليه من الجنرال ديويت، خرج مقتنعا، كما ابلغ القراء، بان الساحل الباسيفيكي كله في خطر داهم قد يتعرض له «من الداخل ومن الخارج» وان العدو يمكن ان يلحق اضرارا هائلة يصعب اصلاحها عبر هجوم مدعوم من منظمات تخريبية، وان الجيش والبحرية يعملان بيد واحدة بينما الاخرى مقيدة في العاصمة واشنطن.
 اي ان صانع الرأي العام ولديه ملايين القراء كان يدعو الرئيس الامريكي ببساطة الى اقرار خطة تهجير مواطنين امريكيين واعتقالهم استنادا الى اصولهم العرقية. اكثر من ذلك، اقترح ليبمان كما يقول كاتب السيرة، ان يتم اعتبار الساحل كله منطقة قتال، تخضع للقوانين العسكرية، فكتب: «ان هذا يشبه ما يحدث على متن سفينة حربية، اذ على كل فرد ان يحدد موقعه وان يبرر اسباب وجوده في هذا المكان المحدد». «اذا لم يفعل اذن يمكن ترحيله»، واقنع ليبمان نفسه بان القوانين المقترحة لا تشكل عدوانا على الحريات المدنية «اذ ان الجميع سواسية» في ظل هذه القوانين، وتجاهل ان الامريكيين من اصل ياباني هم وحدهم من سوف يوجه اليهم السؤال عن اسباب تواجدهم على الساحل الغربي، وباختصار فانه وافق على اعتبار هؤلاء طابورا خامسا .. وهو المنطق نفسه الذي استخدمه هتلر مع اليهود».
 انذار 48 ساعة ونجح ليبمان في اقناع الرأي العام والرئيس بتطبيق الخطة الجهنمية، وهكذا منح الرئيس روزفلت يوم 19 فبراير 1942 وزارة الحرب صلاحية اقامة منطقة عسكرية على الساحل الغربي واعطاها حرية ان «تنقل» اي شخص من مكانه، وهكذا اصدرت اجهزة الدولة متعاونة قرارا يمنح الامريكيين من اصل ياباني مهلة 48 ساعة فقط للتخلص من ممتلكاتهم وقد تخاطفها المضاربون بأسعار زهيدة، وتم جمعهم في شاحنات حملتهم الى مناطق نائية في الغرب، لقد كانت اعدادهم تصل الى 120 الف امريكي من اصل ياباني اعتقلوا جميعا في معسكرات تحيطها الاسلاك الشائكة وتطل عليها ابراج مراقبة عسكرية تسطع فوقها اضواء التفتيش .
 المفارقة المريرة ان ليبمان عندما سئل في السبعينيات عن تأييده لتلك الحملة العنصرية قال انها كانت ضرورية «لحمايتهم من العصابات البيضاء الغاضبة».
 لو يقتنع المسلمون اذن ما جرى للامريكيين من اصل ياباني بعد بيرل هاربر لا يمكن مقارنته بما اصاب العرب والمسلمين الامريكيين بعد هجمات 11 سبتمبر والسبب ليس زوال «العقدة الشرقية» من المجتمع الامريكي خاصة وان اللوبي الصهيوني يكاد يتحكم بالاعلام وصناعة الرأي العام، وان الحملة الاعلامية على العرب والمسلمين، ودول الخليج بالذات مازالت تتصاعد يوميا، بل لعل السبب هو ان استيعاب الاسلام، كما اقترح رئيس الوزراء الايطالي بيرلسكوني لايمكن ان يتم بالقاء قنبلة نووية على طريقة هيروشيما فبلاد المسلمين واسعة، كما لايمكن حصر المسلمين في معسكرات اعتقال سواء في الغرب الامريكي أو في قاعدة «جوانتانامو» في كوبا، ان الاسلام ضرورة حضارية كما اعترف الرئيس جورج دبليو بوش وهو ضرورة اقتصادية من بحر قزوين الى الجزيرة العربية، وهذا هو الاهم في قاموس الغرب وربما من المبالغة ان تزعم ان بين المسلمين والغرب توازنا قويا ولكن بالتأكيد هناك توازن مصالح، وعلى هذه القاعدة يمكن ان يقوم حوار الحضارات..
 والبداية هي ان يقتنع العرب والمسلمون، كما اقتنع البيت الابيض، بانهم ليسوا امريكيين من اصل ياباني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق