الجمعة، 4 مايو 2012

صراع(العسكردار)وشيخ الاسلام العثمانيون قادمون...

حكايات سياسية: صراع(العسكردار)وشيخ الاسلام العثمانيون قادمون! كتائب الموت في خدمة وزير الداخلية والشرطة تحمى العلمانية بكل الطرق: بقلم ـ شوقي رافع -التاريخ:

مشكلة تركيا هي مع جنرالاتها وتاريخها. القتل على الطريقة العثمانية هي القانون السائد, والصراع التاريخي بين (عسكردار) السلطنة بين (شيخ الاسلام) مازال مستمرا, آغا الانكشارية كان يشعل الجبهات في الداخل والخارج لحسم المعركة بينه وبين (مفتي الانام) ... والانكشاريون الجدد يشعلونها مجددا ولكن تحت راية العلمانية (!). هنا حكايات من الماضي والحاضر ربما تفيد في الكشف عن المستقبل العثماني لتركيا.
يروي المؤلف التركي (حكمت قفالجلي) في كتابه (التاريخ العثماني: رؤية مادية) ان ما يميّز النظام العثماني هو (ظاهرة الشراسة) ويكتب: ان اول الدماء التي يشربها رئيس الدولة من جراء هذه الشراسة الذئبية هي دماء الاخوة, واول الرؤوس التي يأكلها هي رؤوس الاخوة... ويضيف المؤلف التركي: لا يوجد نظام اخر استطاع ان يوضح هذه الميزة الاساسية للحضارة التي تتلخص في مبدأ أكل رؤوس البشر من الاخوة والاهل وشرب دمائهم بشكل محدد وصريح وبصورة مبسطة تماما عبر حملة واحدة مثل (القانون تامة) الصادر عن محمد الفاتح, فالفاتح هذا, وهو موشك على الموت, يحوّل قصره الى مسلخ لأبنائه بالذات عن طريق المادة القانونية التالية: يحق لولدي الذي يكون طريق السلطنة مفتوحا امامه ان يقتل اخوته في سبيل الابقاء على النظام العالمي, وقد جوّز ذلك أكثر العلماء ايضا, فليمارس هذا الحق. ويضيف المؤلف التركي: وقد اضطر الفاتح ان يفكر في التدابير الكفيلة بمنع اخطار الحفيد ابن احدى بناته, بعد ذبح سائر الابناء عدا واحد, هو من سوف يتسلم السلطنة, فقرر الفاتح عدم اعطاء ابناء البنات مناصب قيادية كبرى مثل منصب بيك البكوات, وكتب في القانون نامه: ليمتنع عن اعطاء ابناء بناتي منصب بيك البكوات, وليمنحوا منصب السنجق. هذا في ظاهرة الشراسة الذئبية التي بلغت ذروتها بعد حوالي خمسة قرون على يد جمال باشا السفّاح عندما نجح في ابادة ربع مليون ارمني, من دون ان يوقر النساء والاطفال, عدا عن الشهداء العرب الذين رفعت لهم المشانق في دمشق وبيروت. آغا الانكشارية والصدر الأعظم اما عن الصراع التاريخي بين شيخ الاسلام وقد صار اللقب فيما بعد قاضي الانام وبين قاضي العسكر, وصار فيما بعد آغا الانكشارية, فيروي المؤلف التركي ان الباديشاه, اي السلطان, كان يعتمد على طبقتين في الحكم: طبقة العلمية وطبقة السيفية. الاولى يمثلها شيخ الاسلام اي رئيس العلماء والثانية يمثلها العسكر دار اي قائد الحرب, وكان اول من عيّن وزيرا هو علاء باشا الحاج جمال الدين, من طبقة العلمية, ثم فتح طريق الوزارة امام قادة الجيش مع صعود خير الدين الجاندرلي من منصب قاضي العسكر الى منصب الوزير. ويقول المؤلف (ومنذ العام 1770م ـ 1190هــ, ومع تصاعد موجات العنف الشرسة صار المنصب يعطى لأغوات الانكشاريين العسكر, ولكن مع ذلك بقي شيخ الاسلام يتقدم على رئيس الوزراء (الصدر الأعظم). وعلى مدى خمسة قرون كانت الدسائس والمؤامرات وقطع الرؤوس او الاغتيال بدس السم هو التقليد العثماني السائد في حسم الصراع بين شيخ الاسلام والعسكردار, وكانت الحروب هي الفرصة التي يقتنصها العسكردار للوثوب الى السلطة, وزيادة نفوذهم في صفوف العامة. كتائب الموت في خدمة السلطة اذن تلك كانت تركيا العثمانية, فماذا عن تركيا (العلمانية) بعد كمال اتاتورك؟ العنف العلماني لا يقل شراسة عن العنف العثماني. ونكتفي بتقريرين نقلتهما مجلة (الايكونويست) البريطانية مؤخرا, التقرير الاول يحمل عنوان (من اطلق النار على بيردال؟) , ويتهم التقرير اجهزة الأمن, ووزير الداخلية بالذات, بتشكيل عصابات للموت ـ كما في جمهوريات الموز ــ تتولى تصفية المشبوهين بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني. ويروي التقرير ان رئيس منظمة حقوق الانسان في تركيا عجين بيردال كان قد تحول الى بطل قومي قبل عامين عندما قام بوساطة مع حزب العمال الكردستاني نجح خلالها في اطلاق سراح عدد من الجنود الاتراك الاسرى لدى مقاتلي الحزب, ولكن في 12 مايو العام الجاري, وفي وقت الظهيرة اقتحم مسلحان مركز منظمة حقوق الانسان وامطرا بيردال برشقات من الرصاص, ثم غادرا مكتبة (بهدوء) , وفي وقت لاحق اعلن تنظيمان سريان مسؤوليتهما عن الحادث, والتنظيمان للمجلة, معروفان بأنهما يعملان تحت اشراف (قنّاص) للمقاتلين الاكراد, ورغم ان بيردال لم يقتل وانما اصيب بشلل كامل, فإن ضجة كبيرة قامت حول نشاط التنظيمن المذكورين مما دفع وزير الداخلية الى الخروج بتصريح اكد فيه انه لا صحة على الاطلاق بأن هناك اي تنظيم مسؤول عن اطلاق النار (!). ويعلّق التقرير (قد لا يبدو مألوفا ان تزرع جسد رئيس منظمتك المدافعة عن حقوق الانسان بالرصاص, ولكن الدولة المصفّحة في تركيا لا تقيم وزنا كبيرا للعلاقات العامة) . الشرطة تعذب التلاميذ هذا التواطؤ بين السلطة وعصابات القتل تضاف اليه ابعاد اكثر شراسة ورعبا في تقرير نقلته المجلة قبل اشهر عن اعتقال حوالى (16) تلميذا وتلميذة مع استاذهم بتهمة الشيوعية وتهديد الامن, مع ان عمر معظم التلاميذ لم يكن يزيد عن 13 الى 14 عاما. وفي اثناء المحاكمة قال التلاميذ انهم تعرضوا في مركز الشرطة الى التعذيب والاغتصاب, المحكمة طلبت من لجنة من الأطباء الكشف عليهم, ومع ان آثار التعذيب كانت بادية على معظمهم الا ان لجنة الاطباء اكدّت انهم لم يتعرضوا لاي تعذيب او اغتصاب, وكما تبين فيما بعد فإن القضاة وكذلك الاطباء كانوا يتعاونون مع اجهزة الامن, وحدث ان طبيبا رفض التعاون فأغلقت اجهزة الامن عيادته وسحبت ترخيصه, ويقول التقرير ان من بين المعتقلات تلميذة في الرابعة عشرة من عمرها والتهمة التي ادينت بها هي ان رجال الامن عثروا في دفترها المدرسي على قصيدة ثورية (!). وبالتأكيد فان اغتصاب التلميذات في مراكز الشرطة يتم وفق التقاليد العلمانية... لا العثمانية. الرفاة وشيخ الاسلام ونصل الى نجم الدين اربكان وحزب (الرفاة) ومن بعده حزب الفضيلة. ان التاريخ الحديث لتركيا يكتبه الجنرالات, سواء عبر انقلابات يقفزون بها الى السلطة بشكل سافر, او عبر التهديد بانقلاب يمنحهم السلطة من خلف ستار مدني تنسجه الاحزاب والشخصيات السياسية المستقلة, ومشكلة نجم الدين اربكان انه اكتشف بحسه التاريخي ان الجنرالات يركبون صهوة العلمانية ليحافظوا على سلطة العسكردار العثماني, فقرر ان يكون شيخ الاسلام ومفتي الأنام ليحافظ على السياق التاريخي لهذا الصراع الذي بدأ منذ محمد الفاتح, وبالتأكيد فان اربكان لم يخسر الرهان, لان حزب الفضيلة يمكن ان يحصل على اغلبية اوسع من الاغلبية التي حصل عليها حزب الرفاة الذي تم حله, ولكن هل يسمح العسكردار بذلك؟ او لم تكن الحرب دائما, في الداخل او في الخارج هي اقصر طريق يرويها العسكردار بالدماء كي يطيح بشيخ الاسلام؟ انتبهوا... فالعثمانيون قادمون (!).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق