الثلاثاء، 15 مايو 2012

حروب الأصولية المسيحية مع اليهود، نبوءة دانيال


في العام (1995) شهدت الولايات المتحدة الأميركية معارك طاحنة توزعت جبهاتها بين حدود مملكة الارض وعلى اتساع مملكة السماء، الطرف الأول في هذه الحرب «التجمع المسيحي».. والطرف الثاني هو منظمة مكافحة التمييز اليهودية. احدى محطات هذه الحرب نلتقطها في الحوار التالي: ان اليهود صم وعمي روحيا.. والمسيحيون وعلى مدى قرون دعموا حلم صهيون، وحلم اليهود بانشاء وطن قومي ولكن اليهود الأميركيين انقضوا على حلفائهم. إن اسرائيل تلك الدولة الهزيلة الصغيرة سوف تجد نفسها وحيدة في العالم، وعندئذ واستنادا الى الانجيل، فانها سوف تصرخ طالبة المساعدة ممن رفضتهم.. ولكن الولايات المتحدة لن تتغيب عن مجلس الأمن ولن تستخدم الفيتو لحمايتها.. وسوف تكون تلك الايام الاخيرة لاسرائيل.. لا احد بالطبع يريد ان تتكرر اهوال الهولوكوست ـ مذبحة اليهود في ألمانيا ـ ولكنها مسألة اخرى عندما تحاول اقلية لا يزيد عدد افرادها على (5) ملايين يهودي ان تضعف، بل وان تقمع نهائيا رأي الاغلبية وان تمنع وجهة نظرها من الوصول الى المجتمع. صاحب هذه العبارات، وقد قالها علنا، هو رئيس «التجمع المسيحي» في تلك الفترة القس بات روبرتسون، نجم شبكة التلفزيون المسيحية واحد مؤسسيها وكان يتابع برنامجه على الهواء ما يزيد على (80) مليون اميركي. اما الرد اليهودي على روبرتسون فتلخصه العبارة التالية: «هذه حرب لا اسرى فيها ومن يتحالف مع روبرتسون يتحالف مع الشيطان».
حروب على الارض في تلك الايام، ووفقا للكاتب الأميركي مايكل ليند «كان التجمع المسيحي هو اكثر الحركات شعبية في اميركا، يضم في عضويته مليوناً ونصف المليون اميركي يتوزعون بين الكاثوليك والبروتستانت وكنائس اخرى، ووقع في الانتخابات ما يزيد على (600) مرشح على المستويين القومي والمحلي، وفاز منهم (400) مرشح، واصبح بذلك اكبر مراكز القوى في الحزب الجمهوري (المعارض في تلك الفترة) واحكم سيطرته على ما يزيد على (12) ولاية، بينها ولاية تكساس (ولاية الرئيس الأميركي الحالي) وولاية فلوريدا، ويحكمها حاليا شقيق الرئيس جيب بوش ويصارع من اجل البقاء حاكما فيها. كانت رياح السلام تهب بقوة على الشرق الاوسط في تلك الايام وكان فرض معاهدة سلام على اسرائيل ابرز مطالب التجمع المسيحي الأميركي، تحقيقا لنبوءة النبي دانيال.. وعند هذا الحد كانت المواجهة بين الاصوليين المسيحيين وبين اليهود تنتقل من مملكة الارض الى ممالك السماء. .. وحروب في السماء نستعيد عناوين تلك المعارك الطاحنة اليوم ليس باعتبارها شيئا من التاريخ، بل فصلا من الاحداث التي تعيشها الولايات المتحدة اليوم ومعها العالم كله في حربها المفتوحة على الارهاب، اثر هجمات 11 سبتمبر، وذكراها الأولى تطل علينا، تحمل ثمار الويل المرة الى شعب فلسطين، بدعم اميركي غير مسبوق، يقدمه رئيس يوصف بأنه صاحب «رؤية دينية» للعالم، يراه فسطاطين: فسطاط للخير وآخر للشر، ونحن فسطاط الخير، ومن لم يكن معنا فهو ضدنا، والمفارقة هنا ان الرئيس جورج دبليو بوش، وقد خرج من رحم الاصولية المسيحية، يلقى الحماسة والدعم من هذه الاصولية ذاتها التي كانت في العام 1995 تختصر رؤيتها الكونية بنبوءة تستدعي فرض معاهدة سلام على اسرائيل تعيد للعرب الاراضي التي احتلتها عسكريا مقابل ضمانات دولية قوية. هنا لا بد من وقفة، ولا بد من الدخول في بعض التفاصيل. في العام «1995» صدرت الطبعة الثانية من كتاب الدكتور «جون وولفورد» وهو يحمل عنوان «يوم الدينونة: ازمات النفط والشرق الاوسط». وتظهر فوق الغلاف صورة طائرة «اف 15» في الصحراء وتحتها عبارة: ماذا يقول الانجيل عن مستقبل الشرق الاوسط ونهاية الحضارة الغربية» وقد باع الكتاب في طبعته الثانية ما يزيد على «800» الف نسخة خلال 6 اشهر فقط، باعتبار ان المؤلف الدكتور وولفورد هو المرجع الرئيسي في «عالم النبوءات». يفسر «يوم الدينونة» وعبر نبوءات تفصيلية احداث العالم، منذ زحف الجيش البابلي بقيادة نبوخذ نصر واجتياح القدس عام «605» قبل الميلاد وصولا الى «معاهدة سلام» تنهي الحروب بين اسرائيل وجيرانها العرب، وعن هذه المعاهدة يكتب: ان توقيع معاهدة سلام في الشرق الاوسط هي اكثر الاحداث أهمية في نبوءة الزمن الاخير. ان توقيع هذه المعاهدة سوف يطلق العد العكسي باتجاه يوم الدينونة، حيث يظهر بعدها القائد الذي يحكم العالم والمعروف باسم «عدو المسيح» او المسيح الدجال، ويضيف المؤلف: «استنادا الى النبي دانيال فان السنوات السبع اللاحقة التي ستنتهي بعودة المسيح الى الارض ثانية، انما تبدأ من تاريخ توقيع هذه المعاهدة» ويؤكد المؤلف «ان مثل هذه المعاهدة ربما يجب ان تفرض قسرا، بحيث تعيد اسرائيل الاراضي التي احتلتها عسكريا مقابل ضمانات دولية قوية تحفظ امنها ورخاءها»، ويشدد المؤلف في اكثر من مناسبة على ضرورة ان تضغط دول العالم على اسرائيل للقبول بهذه التسوية وان يشارك العالم المسيحي بالذات في «تدويل» القدس، لانها لا تعني العرب واليهود وحدهم بلا الملايين من المسيحيين في انحاء العالم ايضا. من اجل المزيد من التفاصيل عن نبوءة دانيال راجع مجلة «العربي» العدد 441 ـ اغسطس 1995 ـ دراسة للكاتب. الحروب الصليبية انتهت اذن فان الاصولية المسيحية التي فتحت في العام 1995 جبهات الارض والسماء ضد اليهود واسرائيل باتت اليوم، تدعم ارييل شارون، وتمنحه بركتها وهو يوغل في دم الفلسطينيين. ومثلها يفعل الرئيس الأميركي. هل هي هدنة بين الطرفين فرضتها احداث 11 سبتمبر لمواجهة «العدو المشترك»، كما يصوره اليهود، يعود بعدها النبي دانيال لتحقيق نبوءاته؟ مهما كانت الاجابة، فان المؤرخة الأميركية المعاصرة فرانسيس فيتزجرالد تقترح دراسة السياسة الخارجية الأميركية باعتبارها تعكس الرؤية الدينية الفردية للمواطن الأميركي. وهو اقتراح يستحق الكثير من التفكير لدى العرب والمسلمين، فالحروب الصليبية انتهت والنبي دانيال شاهد(!)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق