الخميس، 10 مايو 2012

الدول الصناعية تلغي الخدمة العسكرية الالزامية وتقترح الخدمة البديلة

من الملف السياسي: قضايا صغيرة، التاريخ:

الافواه اللامجدية عنوان مسرحية كتبتها الفرنسية سيمون دي بوفوار في الخمسينيات من هذا القرن, وحكت فيها عن مدينة محاصرة لا تملك الكثير من المؤونة والمياه لذا تتخذ قرارا يقضي بالتخلص من (الافواه اللامجدية) كي تبقى المؤونة والمياه للمحاربين فقط(يعني العسكر والاستخبارات)لان هؤلاء وحدهم القادرين على الصمود في مواجهة العدو والتصدي لجنوده اذا ما قرر ان يقتحم المدينة. (الافواه اللامجدية) في المدينة المحاصرة هي المجتمع المدني, وقد قرر العسكر التخلص منه لتعزيز صمودهم و.. التصدي! بعد مرور نصف قرن على صدور المسرحية يبدو ان القضية صارت معكوسة, وبات السؤال: كيف تتخلص من العسكر والاستخبارات و.. ماذا نفعل بهما؟ وقطار الاجابة يمر في محطات متباعدة, هنا بعضها.
جيوش الاطلسي تطوعية نبدأ من الجيوش, وقد منحها العالم الثالث ألقابا تتجاوز حدود الارض وتدخل ممالك السماء, ولن ندخل في التفاصيل كي لا نخطىء المؤسسة ونعيب الافراد, فالافراد غالبا يؤدون (الخدمة الالزامية) اي انهم لا يختارونها, و(المؤسسة) تعمل على انقاذهم كي لا يتحولوا إلى افواه لا مجدية في اوطان لا يعلو فيها فوق صوت المعركة صوت اخر, وتعيش ابدا حالة حصار. هذه الجيوش في العالم الصناعي على الاقل تحولت إلى افواه لا مجدية, ومن هنا فان دول منظمة حلف شمالي الاطلسي قررت الغاء الخدمة الالزامية, أو خدمة العلم ـ كما تسمى في بلادنا ـ واستبدلتها بالخدمة التطوعية, باستثناء المانيا. وهو ما يطرح سؤالين: لماذا الغاء الخدمة الالزامية في دول الحلف الاطلسي من امريكا إلى بريطانيا مرورا بفرنسا ووصولا إلى ايطاليا واسبانيا, وهل يرتبط استثناء المانيا بتاريخها العسكري و... الدموي؟ تقرير نشرته صحيفة (هيرالد تريبيون) الدولية من فرنسا يكشف ان نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي هي احد الاسباب التي تدفع بدول المعسكر الغربي لالغاء الخدمة الالزامية, وكانت بريطانيا والولايات المتحدة السباقتين, وقبل نهاية الحرب الباردة إلى الغاء الخدمة العسكرية الالزامية, ثم وقعت حرب كوسوفو لتكشف لمعظم الدول الاطلسية الاوروبية ان ما تحتاجه هو جيوش قادرة على الحركة السريعة وذات دينامية عالية, تؤهلها للانتقال إلى ميدان المعركة, خارج بلادها, خلال فترة قصيرة, وهو ما لا يتوفر في جيوش الخدمة الالزامية التي تعتمد على الدبابات والمدفعية الثقيلة, ما جعلها وفقا لوزير الدفاع الفرنسي آلان ريتشارد تستغرق شهرين كي تصل إلى كوسوفو, ومن هنا فقد قررت فرنسا تحويل جيشها في مدة اقصاها العام 2002 إلى جيش من المتطوعين فقط, يعتمد التقنيات والاسلحة العصرية, ويستطيع الوصول إلى مسرح الازمة, كما الامريكيون, في فترة قياسية, بعد ان صارت التهديدات بالغزو البري من مخلفات الماضي, وبات التفوق الجوي, وليس عدد افراد الجيش هو ما يحسم نتائج المعارك, ما يفسر الخطة التي وضعتها بريطانيا العام الماضي, وتقضي باعادة تنظيم جيوشها بحيث لا يزيد عدد افراد هذه الجيوش في العام 2005 على 114 الف عنصر, قادرين على الانتقال والانتشار إلى مسرح العمليات العسكرية في اقصر فترة زمنية, وعلى خطاها تسير اسبانيا التي اعلنت انها في طريقها إلى الغاء الخدمة الالزامية, خلال ثلاث سنوات, وتقليص عدد افراد قواتها المسلحة بحيث لا يتجاوز 168 الفا في العام 2003, ولعل هذه الارقام تجعل من جيش المليون جندي في بعض دول العالم الثالث نكتة سمجة. الخدمة البديلة في المانيا اما عن اصرار المانيا على اعتماد الخدمة الالزامية فلا علاقة له بماضيها العسكري ونزعتها التوسعية تاريخيا, على النقيض من ذلك, كما يقول التقرير اذ ان نسبة تتراوح ما بين 40% إلى 45% من الشبان المطلوبين للخدمة العسكرية يختارون الخدمة (البديلة) وهي الخدمة المدنية من نوع العمل في افواج الاطفاء ومكافحة النيران, وفي الاسعاف, أو ممرضين مساعدين في المستشفيات, وما يخشاه الالمان هو ان يؤدي الغاء الخدمة العسكرية, كما يقول عدد من المسئولين إلى انهيار نظام الخدمة الاجتماعية واضطرار عدد كبير من المستشفيات إلى اقفال ابوابها لان معظم العاملين في هذه المواقف هم من المطلوبين للخدمة العسكرية. اما ايطاليا فقد اجتهدت على طريقتها ويدرس برلمانها تخفيض عدد قواتها إلى 200 الف عنصر, خلال السنوات الثلاث المقبلة, شرط ان يكون من بينها, وللمرة الاولى, نساء, وهو ما يترك لعدد اكبر من الذكور مجالا اوسع للانخراط والعمل في المجتمع المدني. ان الدول الصناعية, وهي مازالت دولا محاربة, لا تكتفي بتقليص عدد الافواه اللامجدية في مجتمعاتها, بل هي تعمل على ضمان الا تتحول الجيوش إلى مؤسسات عسكرية قائمة بذاتها بعيدا عن رقابة المجتمع المدني, والخدمة (البديلة) هي وسيلة لتحقيق هذه الغاية. العسكريتاريا في العالم الثالث وبالطبع يبدو مستحيلا وللوهلة الأولى ان تسير دول العالم الثالث في الطريق ذاتها, ومعظمها تحكمه العسكريتاريا, جهرا أو من خلف ستار, ولكن الصورة لا تبدو قاتمة, رغم الانقلاب الاخير في باكستان, ولعل الارجنتين في امريكا اللاتينية بعد تشيلي, تصلح نموذجا, فالرئيس الارجنتيني المنتخب فريماندو لارواسون يتسلم السلطة من سلفه كارلوس منعم في 15 ديسمبر المقبل, وتواجهه قضيتين: الاولى طلب تقدم به القاضي الاسباني الشهير جارزون لاسترداد 98 ضابطا ارجنتينيا بتهمة خطف واغتيال 600 مواطن من الرعايا الاسبان أو من اصول اسبانية في الارجنتين, ابان الحكم العسكري فيها خلال الاعوام 1976 ـ ,1983 كان القاضي جارزون هو من طلب من بريطانيا اعتقال الجنرال اوجستوبينوشيه تمهيدا لتسليمه إلى اسبانيا وقد رفض الرئيس منعم طلب الاسترداد, باعتبار ان سبعة من الضباط المطلوبين في القائمة, وبينهم رئيسان سابقان للدولة, صدرت بحقهم احكام بالسجن وفي الارجنتين ذاتها, اما القضية الثانية فتنظر فيها محكمة الاستئناف بالارجنتين والمتهم فيها مجموعة من الضباط الكبار الذين قاموا بخطف حوالي 200 طفل من ابناء الاسر المفقودة, وهذه القضية تلقى حماسا كبيرا من الرأي العام ومن نواب الائتلاف الحاكم, وتعيد مجددا طرح الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية عندما اغتصبت السلطة في الارجنتين ووفقا لتقرير نشرته مجلة (الايكونوميست) البريطانية فإن الرئيس منعم الذي كان يداري العسكر واصدر عفوا عن جرائمهم, باستثناء بعض الكبار منهم كان محكوما بهذا الموقف, خوفا من ان يحاول العسكر مجددا الانقلاب على السلطة المدنية, اما الرئيس الجديد وائتلافه الحاكم فإنه يريد ان يجعل من حكم العسكر صورة من الماضي, لا يمكن ان تتكرر, ومن هنا فقد طرح البرلمان الجديد مشروع قرار يمنع العسكر السابقين والمدانين من الترشيح لعضوية البرلمان, كما يتعاطف النواب الجدد بشدة مع ضرورة محاكمة خاطفي الاطفال, باعتبار ان هذه الجرائم لا يشملها العفو. وتتابع شعوب امريكا اللاتينية وبحماسة شديدة المعركة التي يخوضها اهل الارجنتين ضد العسكر الذين (خطفوا) المجتمع المدني تحت دعوى حمايته. المخابرات ... المخابرات ووصولا إلى الاستخبارات واجندة المخابرات, وهذه, وفقا لدبلوماسي فرنسي, اكبر نقابة في العالم الغربي) . ماذا نفعل برجال المخابرات عندما يتغير نظام الحكم؟ الجواب الجاهز والتقليدي هو ان النظام الجديد يستخدمهم باستثناء المسحوبين منهم على النظام القديم, ولكن هذا لا يحدث في جمهورية (لاتفيا) السوفييتية سابقا, ولم يحدث في رومانيا ولا في المانيا الشرقية, ونكتفي بعرض مشكلة لاتفيا مع رجال استخباراتها وفقا لتقرير نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) الامريكية والمشكلة بايجاز هي ان حوالي اثنين بالمئة من شعب لاتفيا كانت تعمل في جهاز الاستخبارات التابع لجهاز (الكي. جي. بي) في روسيا, واسماء هؤلاء المخبرين محفوظة في ارشيف يشرف عليه رئيس مركز الوثائق اندوليس زاليت, ويرفض رئيس المركز الكشف عن اسماء المخبرين, ويكتفي بان يمنعهم من ممارسة اية وظيفة رسمية أو نشاط برلماني, اذا حاولوا العودة إلى الحياة العامة أو الانخراط في المجتمع المدني في مراكز قيادية, بينما يطالب رئيس الوزراء بفتح الملفات وكشف الاسماء في حملة (تطهير) تتمهد للمصالحة مع الماضي, رئيس المركز مازال يرفض حتى الآن, ويقول: ان هؤلاء عوقبوا مرتين, وهذا يكفي, كما ان كثيرين منهم كانوا يعيشون ظروفا ترغمهم على العمل مع (الكي. جي. بي) . وفي الحالتين, فإن قلة من المواطنين تقبل ان تعمل في جهاز الاستخبارات مع النظام الجديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق