الثلاثاء، 8 مايو 2012

المشكلة ليست في الديْن بل في خدمة الديْن، اقترض وتوكّل...

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ المشكلة ليست في الديْن بل في خدمة الديْن، اقترض وتوكّل.. التاريخ:

دراسة اقتصادية ميدانية نشرت الاسبوع الماضي في الكويت كشفت ان المواطن الكويتي يدفع شهريا 43% من دخله لتسديد ديونه على أقساط، يعني ان المواطن في الكويت، وكذلك في معظم دول الخليج يعيش على نصف دخله، وفي مواجهة عاديات الزمان ومتطلبات الحياة المتزايدة يوما بعد يوم فإن الصورة تبدو قاتمة. ولكن مهلا، فالصورة تختلف عندما نقرأ ان ديون الامريكي تصل الى ما نسبته 108% من دخله، بينما تضرب رقما قياسيا عند الياباني فترتفع الى 132% من دخله.
فكيف يتدبّر هؤلاء أمورهم؟ الجواب ببساطة: كلما زاد الدين كلما ازدهرت الأعمال، وهذا ينطبق على الأفراد كما على الشركات! التجميد تحت البساط «المشكلة ليست في الدَيْن بل في خدمة الدَيْن».. هذا ما تؤكد عليه مجلة «الايكونوميست» البريطانية الرصينة. وتقول في تقرير موسّع نشرته الاسبوع الماضي، إن الدول الفقيرة تعاني من انخفاض مستوى الدين الداخلي، وكلما تطورت هذه الدول ارتفع مستوى الدين عند مواطنيها، لأنه من الأفضل دائما ان تقرض مدخراتك لمستثمر يملك مشروعا رابحا من ان تجمّدها تحت البساط. والتجميد تحت البساط يكاد يكون القاعدة للأفراد في العالم النامي، ففي مرحلة من التاريخ كان الرجل يحمل ثروته في «كَمَره» وهو حزام من الجلد أو من القماش يلفّه حول خصره، واذا تكاثرت ليراته الذهبية أو الفضية كان يدفنها في باطن الأرض، في مكان لا يعرفه غيره، وكثير من الثروات كان أصحابها يموتون عنها فجأة فتبقى في باطن الأرض الى ان يكتشفها سعيد الحظ، ويتناقل أهالي الريف الكثير من الحكايات من ثروات مازالت مدفونة أو عن «جرّة» من الذهب عثر عليها مزارع بينما كان يفلح حقله. ومع ان العملة الورقية، ثم البلاستيكية أخذت مكان الذهب والفضة، ورغم انتشار الخزائن الخاصة والبنوك فإن سياسة التجميد تحت البساط مازالت سائدة في المجتمعات الفقيرة، وأبرز مظاهرها، عند النساء خاصة، شراء الحلي الذهبية وتخزينها، مع انها عند البيع تخسر بعضاً من قيمتها، وهي طريقة سيئة في الادخار، طريقة أخرى أكثر شيوعاً وهي الاحتفاظ بالمدخرات النقدية في البنك لقاء فائدة هزيلة أو من دون فائدة على الاطلاق باعتبارها ربا حراما، وهذه المدخرات النقدية، كما هو معروف، تفقد سنويا من قيمتها الشرائية، وتتحول الى ثروة مدفونة تتآكل تحت البساط أو تحت البلاطة لا فرق. ومن هنا لم يكن غريباً ان تفرض الدول الغنية على المدخرات النقدية في البنوك ضرائب متصاعدة كي ترغم اصحابها على سحبها واستثمارها في مشاريع منتجة. كن دائناً أو مديناً «لا تكن دائناً ولا مديناً» هذه النصيحة مألوفة في مجتمعاتنا، وقد استعارها شكسبير في مسرحية «هاملت» ولكن «الايكونوميست» تصف هذه النصيحة بأنها: اقتصاد سييء، لأنه من الأفضل أن تكون دائما دائنا أو مدينا لأنك في الحالتين سوف تكون مستثمرا، والدعوة الى ان تكون دائنا هي أكثر اغراء بالطبع من ان تكون مدينا لأن المثل العربي يقول: الديْن ذلٌ في النهار وهمٌ في الليل. ولكن المواطن في اليابان كما في أمريكا وبريطانيا وألمانيا يعتقد العكس، ورغم الكساد الذي يجتاح العالم بدءا من العام الماضي، فإن القروض الشخصية في البلدان المذكورة مازالت ترتفع وبمعدل 6% سنويا، اعتماداً على قناعة تقول ان المشكلة في الاشتراكية هي الاشتراكية نفسها، أما في الرأسمالية فالمشكلة هي في الرأسماليين، فهؤلاء سيئون احيانا، وبالتالي فإن المشاكل أو الخسائر التي تقع هي مسألة مؤقتة وعابرة، ومن هنا فإن الامريكيين تهافتوا على شراء السيارات وبمعدلات قياسية، عندما أعلنت مصانع السيارات عن الغاء أية فوائد على البيع بالتقسيط مع فترة سماح تمتد الى ستة أشهر قبل دفع القسط الأول، انها فرصة لا تتكرر، كما يعتقد الامريكيون وقد شربوا كأسها حتى الثمالة.. ومازالوا يفعلون. هل هناك خطأ أن تزيد ديونك على معدل دخلك؟.. الفرنسي يعتقد ذلك، وبالتالي فإن ديونه لا تزيد على 71% من دخله، وهو في مقارنته مع الألماني والبريطاني يبدو محافظا. .. ولا تكن مستهلكاً فقط تقول الايكونوميست: المشكلة هي في خدمة الديْن وهي تصل حاليا في أمريكا الى حوالي 14% من الدخل للأفراد، وهذه النسبة تبدو هزيلة قياسا الى ما يدفعه المواطن في الكويت أو في الخليج من دخله تسديدا لأقساط الدين. هل هناك خلل؟ بالتأكيد، وإلا لما تداعت حكومات الخليج الى محاولة وضع ضوابط للاقتراض الشخصي تحمي المواطن من الافلاس. أين هو الخلل؟ طرحت السؤال على خبير اقتصادي ووزير خليجي سابق طلب عدم ذكر اسمه، فقال في سياق ردّ طويل: الخلل الرئيسي هو اننا نستهلك ولا ننتج، نقترض من البنوك لدفع أقساط الفيللا والسيارة والسياحة في الصيف وأقساط مدارس الأولاد، صحيح ان بعضنا يقترض من البنك لشراء أسهم في البورصة وربما يخسر، ولكن الاقتراض يبقى للاستهلاك وليس للاستثمار، ثم النقطة الأهم وهي ان المقارنة مع الأمريكي ظالمة، فعندما يقترض الامريكي فإن هناك عشرات المؤسسات تضمنه من شركات التأمين الى صناديق التقاعد، أي ان لديه مدخرات، وهو يدفع أقساطا وضرائب ورسوما، واذا وافاه الأجل وتوفي بعد عمر طويل، فإن هذه المؤسسات تكفل تسديد ديونه، لأن البنوك تكون قد حسبتها سلفاً، أما عندنا فإن وفاة المدين تعني غالبا اعلان افلاس، أي ان البنوك لن تستعيد الا نسبة ضئيلة من قروضها، فالمدين في الغرب مغطى ويستطيع الورثة متابعة خدمة الدين بعد وفاته، وهو بهذا المعنى أقرب الى أن تكون عدة شركات تجتمع في فرد واحد، أما عندنا فإن هناك نظام الكفيل والرهن وأخيرا «التكييش» أي شراء السيارة بالدين لبيعها نقدا، ثم الشيكات الآجلة وهذه غالباً تنتهي من دون رصيد، وكلها تتم تحت شعار «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، الامريكي يفعل هذا ايضا ولكنه يحسب ما في الغيب... حتى آخر دولار. تقصد ان كل مستثمر يجب ان يكون خبيرا ومحللاً مالياً وعرّافاً كي يستطيع ان يربح؟ يضحك الوزير السابق ويقول: ـ اسمع إنني أتابع التحليلات المالية، وقبل افلاس شركة إنرون الامريكية كان هناك 17 من أصل 18 محللاً مالياً في وول ستريت ينصحون عملاءهم بشراء أسهم في إنرون، واحد فقط نصحهم بالبيع، فقد كان يشتمّ وعن بُعد رائحة الفساد.. ومع وجود الفساد فإنه ليس هناك أي تحليل في العالم يستطيع ان يصمد، إن الفساد يكسر القواعد التي يقوم عليها التحليل. إذن تنصح بالمزيد من الاقتراض؟ ـ اقترض وتوكل.. شرط ان تكون منتجاً. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق