الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ: 07 يونيو 2002
«هذا القرار ذو ابعاد تاريخية» بهذه العبارة وصفت صحيفة
«واشنطن بوست» الاميركية موافقة الكونغرس الاسبوع الماضي على اعادة هيكلة
مكتب التحقيقات الفيدرالي «اف. بي. آي» بما يسمح لأفراده بالمشاركة في صلاة
الجمعة في المساجد وصلاة يوم الاحد في الكنائس وفي اية نشاطات اجتماعية او
سياسية أو دينية عامة والتقاط الصور وتسجيل المحادثات والنقاشات بطريقة
سرية واختراق اية مجموعة يرى انها مشبوهة ومن دون الرجوع الى المدعي العام
أو وزارة العدل للحصول على اذن قضائي. وتقول الصحيفة ان هذا يعني تحويل
مكتب التحقيقات من جهاز لتطبيق القانون الى جهاز مخابرات داخلي يتجسس على
الاميركيين مواطنين ومقيمين وعابرين.
عندنا 16 جهاز استخبارات ولكن اية غرابة في ان تملك الدولة جهازاً للاستخبارات الداخلية واين هي الابعاد التاريخية في هذا القرار ومقارنة مع عالمنا العربي فإن المخابرات هي ملح الانظمة تكاد لا تقوم من دونها والرئيس ياسر عرفات ليس حالة استثنائية عندما نجح وفي فترة قياسية في اقامة 12 جهازاً للمخابرات يطالب الاميركيون اليوم اختصارها في اربعة اجهزة فقط؟ مع ان الرئيس عرفات لم يعلن قيام الدولة بعد، كما ان هناك دولاً في المشرق كما في المغرب العربي يصل عدد اجهزة استخباراتها الى 16 جهازاً احداها تحاول اختصارها الى ثمانية اجهزة، بل ان هذه الدول اقامت جسداً قضائيا يستكمل عمل اجهزة المخابرات واخترعت المحاكم العسكرية، ومحاكم أمن الدولة وفرضت قوانين طواريء تمنح اجهزة الاستخبارات امتياز شاهد الاثبات في اية قضية تنظر فيها هذه المحاكم، ومع ذلك فإن المواطن العربي مع استثناءات قليلة لا يرى في وجود اجهزة امنية تتجسس عليه، وتتنصت على مكالماته الهاتفية عدوانا على حرياته وخرقا لحقوقه الدستورية فالامن القومي يأتي أولا، واذا كان هذا المواطن العربي يحتل منصب رئيس مجلس الوزراء، مثل الرئيس رفيق الحريري في دولة ديمقراطية مثل لبنان، فإن باستطاعته ان يحتج على تنصت الاجهزة الامنية ولكن من دون ان يضمن ان مخابرته الهاتفية التالية مع زوجته لن يتم تسجيلها في كاسيت أمني. تزدهر مع الحروب نعود الى الولايات المتحدة فالمواطن الاميركي يحمل «عقدة الاستخبارات» وهو امضى نصف القرن الماضي في معارك كر وفر ضد هذه الاجهزة، وفي طليعتها مكتب التحقيقات الفيدرالي «اف. بي. أي» ووكالة الاستخبارات المركزية «سي. اي. ايه». ففي الاربعينيات من القرن الماضي، وبعد العدوان الياباني على بيرل هاربور، ازدهر عمل المخابرات في الداخل تحت شعار «الطابور الخامس» الذي يهدد الامن القومي، وكان الضحية الاولى لهذه الحملة الاميركيين من اصل ياباني، فتم عزلهم في معتقلات. وفي الخمسينيات ومع نشوب الحرب الكورية ومشاركة اميركا طرفاً فيها ازدهر عمل الاستخبارات الداخلية مجدداً تحت شعار «المكارثية» نسبة الى السناتور ماكارثي الذي اقترح، ووافق الكونغرس، حزمة من التشريعات اطلقت يد اجهزة الاستخبارات لمطاردة الشيوعيين واليساريين داخل اميركا باعتبارهم يمثلون «الخطر الاحمر» وطالت تلك الحملة آلاف النقابيين والكتاب والاعلاميين والمدافعين عن حقوق الانسان والمناهضين للحرب، اي كل من ليس يمينيا حتى النخاع بمفهوم تلك الايام ولم توفر هذه الحملة المكارثية الممثلين في هوليوود وكانت احدى مآثر الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان انه نال شرف الريادة في الابلاغ عن زملائه من الممثلين اليساريين دفاعاً عن الأمن القومي الاميركي في مواجهة الخطر الاحمر في الداخل. وفي الستينيات ومع تصاعد الحرب الفيتنامية وسقوط ما يزيد على 55 الف جندي اميركي نشط مكتب التحقيقات في اختراق الجماعات المناهضة للحرب وخاصة في الجامعات، بعد ان نجحت هذه الجماعات في تشكيل قوة ضغط هائلة على الكونغرس عبر التظاهرات والمسيرات والاعتصامات وبات «الاف. بي آي» يملك آلاف الملفات المدعومة بالوثائق والصور ليس عن الناشطين سياسياً فحسب بل عن قيادات في الكونغرس الاميركي ايضا من المناوئين للحرب، وكان ذلك هو العصر الذهبي لمدير «الاف. بي. آي» ادغار هوفر الذي تربع على عرش المكتب طيلة ثلاثين عاماً. وفي السبعينيات تم تتويج هذه النشاطات التجسسية على المواطنين بفضيحة ووترغيت التي اطاحت الرئيس نيكسون وقيادات «الاف. بي. آي» المتعاونة معه. .. والسلام يقيدها لقد مضى على تلك المواجهات حوالي ثلاثة عقود تخللتها بعض المناوشات كان ضحيتها الاجانب غالباً «الطلاب الليبيون والايرانيون خاصة وبعض الجاليات من أميركا اللاتينية» ولكن ثوار الامس المناهضين للحرب في فيتنام لم يعودوا طلاباً بل تحولوا الى قيادات سياسية ونقابية دخلت في الادارة الاميركية وفي الكونغرس ونجحت في وضع تشريعات قاسية تمنع وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. ايه» من العمل في الداخل «لان وسائل عملها لا تتفق مع مثل الديمقراطية» وتقيد نشاطات «الاف. بي . آي» وتجعل من السلطة القضائية مرجعية له، فهو لا يستطيع ان يتجسس على اي مواطن من دون الحصول على اذن قضائي من المدعي العام، وحتى اذا نجح في الامساك بخيوط قضية تشكل خطراً على الامن العام. ولكن من دون الحصول على اذن قضائي فإن جميع البراهين والادلة التي يحصل عليها تكون باطلة ولا تأخذ بها المحكمة لانها غير شرعية وهو ما حدث في مجزرة الطائفة الداوودية التي انتهت بانتحار جماعي وزعمت قيادات في «الاف بي اي» انها كانت قادرة على منعها ولكن يدها كانت مغلولة قضائيا. المواجهة مجدداً «ولكننا في حالة حرب» تقولها المدعي العام في منطقة مانهاتن في نيويورك السيدة ماري جووايت لصحيفة «نيويورك تايمز» وتضيف تعليقا على قرارات الكونغرس في اطلاق حملات التجسس: «ان الامن العام يأتي اولا، ثم ألا يستحق الدفاع عن الأمن القومي هذا الثمن؟ بلى يستحق». والحروب كانت دائما المفتاح لاطلاق يد الاستخبارات في اميركا ولكن المشكلة مع هذه الحرب انها ربما تستمر، كما يبشرنا الرئيس جورج دبليو بوش سنين طويلة، يكون خلالها المجتمع المدني الاميركي رهينة في ايدي الاستخبارات الداخلية فهل يتحقق هذا بما يسمح للانظمة العربية تصدير خبراتها وخبرائها الى اميركا؟ ببساطة انني لا اصدق الرئيس بوش، لانه اذا فسد الملح فبم يملح الطعام؟! بقلم: شوقي رافع
عندنا 16 جهاز استخبارات ولكن اية غرابة في ان تملك الدولة جهازاً للاستخبارات الداخلية واين هي الابعاد التاريخية في هذا القرار ومقارنة مع عالمنا العربي فإن المخابرات هي ملح الانظمة تكاد لا تقوم من دونها والرئيس ياسر عرفات ليس حالة استثنائية عندما نجح وفي فترة قياسية في اقامة 12 جهازاً للمخابرات يطالب الاميركيون اليوم اختصارها في اربعة اجهزة فقط؟ مع ان الرئيس عرفات لم يعلن قيام الدولة بعد، كما ان هناك دولاً في المشرق كما في المغرب العربي يصل عدد اجهزة استخباراتها الى 16 جهازاً احداها تحاول اختصارها الى ثمانية اجهزة، بل ان هذه الدول اقامت جسداً قضائيا يستكمل عمل اجهزة المخابرات واخترعت المحاكم العسكرية، ومحاكم أمن الدولة وفرضت قوانين طواريء تمنح اجهزة الاستخبارات امتياز شاهد الاثبات في اية قضية تنظر فيها هذه المحاكم، ومع ذلك فإن المواطن العربي مع استثناءات قليلة لا يرى في وجود اجهزة امنية تتجسس عليه، وتتنصت على مكالماته الهاتفية عدوانا على حرياته وخرقا لحقوقه الدستورية فالامن القومي يأتي أولا، واذا كان هذا المواطن العربي يحتل منصب رئيس مجلس الوزراء، مثل الرئيس رفيق الحريري في دولة ديمقراطية مثل لبنان، فإن باستطاعته ان يحتج على تنصت الاجهزة الامنية ولكن من دون ان يضمن ان مخابرته الهاتفية التالية مع زوجته لن يتم تسجيلها في كاسيت أمني. تزدهر مع الحروب نعود الى الولايات المتحدة فالمواطن الاميركي يحمل «عقدة الاستخبارات» وهو امضى نصف القرن الماضي في معارك كر وفر ضد هذه الاجهزة، وفي طليعتها مكتب التحقيقات الفيدرالي «اف. بي. أي» ووكالة الاستخبارات المركزية «سي. اي. ايه». ففي الاربعينيات من القرن الماضي، وبعد العدوان الياباني على بيرل هاربور، ازدهر عمل المخابرات في الداخل تحت شعار «الطابور الخامس» الذي يهدد الامن القومي، وكان الضحية الاولى لهذه الحملة الاميركيين من اصل ياباني، فتم عزلهم في معتقلات. وفي الخمسينيات ومع نشوب الحرب الكورية ومشاركة اميركا طرفاً فيها ازدهر عمل الاستخبارات الداخلية مجدداً تحت شعار «المكارثية» نسبة الى السناتور ماكارثي الذي اقترح، ووافق الكونغرس، حزمة من التشريعات اطلقت يد اجهزة الاستخبارات لمطاردة الشيوعيين واليساريين داخل اميركا باعتبارهم يمثلون «الخطر الاحمر» وطالت تلك الحملة آلاف النقابيين والكتاب والاعلاميين والمدافعين عن حقوق الانسان والمناهضين للحرب، اي كل من ليس يمينيا حتى النخاع بمفهوم تلك الايام ولم توفر هذه الحملة المكارثية الممثلين في هوليوود وكانت احدى مآثر الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان انه نال شرف الريادة في الابلاغ عن زملائه من الممثلين اليساريين دفاعاً عن الأمن القومي الاميركي في مواجهة الخطر الاحمر في الداخل. وفي الستينيات ومع تصاعد الحرب الفيتنامية وسقوط ما يزيد على 55 الف جندي اميركي نشط مكتب التحقيقات في اختراق الجماعات المناهضة للحرب وخاصة في الجامعات، بعد ان نجحت هذه الجماعات في تشكيل قوة ضغط هائلة على الكونغرس عبر التظاهرات والمسيرات والاعتصامات وبات «الاف. بي آي» يملك آلاف الملفات المدعومة بالوثائق والصور ليس عن الناشطين سياسياً فحسب بل عن قيادات في الكونغرس الاميركي ايضا من المناوئين للحرب، وكان ذلك هو العصر الذهبي لمدير «الاف. بي. آي» ادغار هوفر الذي تربع على عرش المكتب طيلة ثلاثين عاماً. وفي السبعينيات تم تتويج هذه النشاطات التجسسية على المواطنين بفضيحة ووترغيت التي اطاحت الرئيس نيكسون وقيادات «الاف. بي. آي» المتعاونة معه. .. والسلام يقيدها لقد مضى على تلك المواجهات حوالي ثلاثة عقود تخللتها بعض المناوشات كان ضحيتها الاجانب غالباً «الطلاب الليبيون والايرانيون خاصة وبعض الجاليات من أميركا اللاتينية» ولكن ثوار الامس المناهضين للحرب في فيتنام لم يعودوا طلاباً بل تحولوا الى قيادات سياسية ونقابية دخلت في الادارة الاميركية وفي الكونغرس ونجحت في وضع تشريعات قاسية تمنع وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. ايه» من العمل في الداخل «لان وسائل عملها لا تتفق مع مثل الديمقراطية» وتقيد نشاطات «الاف. بي . آي» وتجعل من السلطة القضائية مرجعية له، فهو لا يستطيع ان يتجسس على اي مواطن من دون الحصول على اذن قضائي من المدعي العام، وحتى اذا نجح في الامساك بخيوط قضية تشكل خطراً على الامن العام. ولكن من دون الحصول على اذن قضائي فإن جميع البراهين والادلة التي يحصل عليها تكون باطلة ولا تأخذ بها المحكمة لانها غير شرعية وهو ما حدث في مجزرة الطائفة الداوودية التي انتهت بانتحار جماعي وزعمت قيادات في «الاف بي اي» انها كانت قادرة على منعها ولكن يدها كانت مغلولة قضائيا. المواجهة مجدداً «ولكننا في حالة حرب» تقولها المدعي العام في منطقة مانهاتن في نيويورك السيدة ماري جووايت لصحيفة «نيويورك تايمز» وتضيف تعليقا على قرارات الكونغرس في اطلاق حملات التجسس: «ان الامن العام يأتي اولا، ثم ألا يستحق الدفاع عن الأمن القومي هذا الثمن؟ بلى يستحق». والحروب كانت دائما المفتاح لاطلاق يد الاستخبارات في اميركا ولكن المشكلة مع هذه الحرب انها ربما تستمر، كما يبشرنا الرئيس جورج دبليو بوش سنين طويلة، يكون خلالها المجتمع المدني الاميركي رهينة في ايدي الاستخبارات الداخلية فهل يتحقق هذا بما يسمح للانظمة العربية تصدير خبراتها وخبرائها الى اميركا؟ ببساطة انني لا اصدق الرئيس بوش، لانه اذا فسد الملح فبم يملح الطعام؟! بقلم: شوقي رافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق