الثلاثاء، 8 مايو 2012

كيف يواجه المجتمع المدني حروب المياه قبل ان تقع؟

كيف يواجه المجتمع المدني حروب المياه قبل ان تقع؟ صلاة الاستسقاء في تكساس، مناوشات استهلاك المياه في الكويت وقطر - التاريخ:

يخرج اهالي بلدة شروك مورتون في ولاية تكساس الامريكية في الساعة الخامسة من كل يوم ثلاثاء الى ساحة البلدة يقفون فيها خاشعين يصلون من اجل سقوط المطر. ولكن المطر لا يسقط, وعلى مدى اربعة اعوام كانت فصول الصيف تحمل الى الولاية المزيد من الجفاف ويقول الباحث الزراعي كارل اندرسون من جامعة تكساس:
اننا لم نعرف هذا القدر من الجفاف منذ منتصف الخمسينيات, نحن نصلي ولكن المطر لا يسقط ومن دون المياه فإن حروب المياه هذه فقرات من تقرير موسع نشرته صحيفة (واشنطن بوست) الامريكية من بلدة ثروك مورتون, وعدد سكانها لا يزيد عن ألف نسمة قدمت فيه نموذجا عن المجتمع المدني عندما يواجه (حرب المياه) وهي حرب, كما يقول تقرير فرنسي صدر مؤخرا سيكون الشرق الاوسط ابرز ساحاتها (اذ من بين عشر حروب مرشحة لأن تندلع حول المياه في العالم فإن ثلاثا منها مرشحة لأن تندلع في الشرق الاوسط) , كما يقول التقرير الفرنسي اما في منطقة الخليج فإن هذه الحرب تتخذ اشكالا اخرى غير تقليدية وهي ما زالت في طور المناوشات بين الدولة وبين المواطنين, ففي دولة قطر مثلا وضعت الحكومة لترشيد استهلاك المواطن للمياه وبدأت تنفيذها منذ اسبوعين وقد رافقها انذار: اما الترشيد واما الدفع... فالحكومة لن تتابع تقديم المياه مجانا للمواطنين اذا استمر استهلاكهم يضرب ارقاما قياسية هي الاعلى في العالم, ومثل هذا يجري في الكويت. حيث تهدد الحكومة برفع سعر المياه لأن تكلفة تحلية الألف جالون من المياه تصل الى 2600 فلس بينما لا تتقاضى من المواطن اكثر من 800 فلس ثمنا لهذه الكمية. وعودة الى تقرير الصحيفة الامريكية. الزوجة والزوج والكلب يروي تقريرا لواشنطن بوست ان الموضوع الدائم للحوار في بلدة ثروك مورتون هو تقنين المياه والقرارات التي اتخذها المجلس البلدي مؤخرا, بعد اجتماع حاشد شارك فيه سكان وفعاليات البلدة وهي تقضي بتخفيض استهلاك المياه بداية من شهر اغسطس بنسبة 70 بالمئة لكل اسرة, وتقول السيدة اليتنا جور من سكان البلدة وعمرها 34 عاما, وهي ربة منزل, وتعمل في صيدلية البلدة: كان القرار صعبا ولكن لم يكن لدينا خيارات كثيرة فإما ان نبقى في البلدة او نرحل عنها وقررنا البقاء. وتضيف: لذلك عندما ادخل الى الحمام في كل صباح فإن اول ما افعله هو ان اقفل فتحة الحوض (البانيو). وبعد ان اخذ دوشا سريعا اخرج كي يدخل زوجي فيستعمل المياه نفسها وبعده يأتي دور الكلب, فإذا فرغنا من الاستحمام فإن امامنا خيارين لاستخدام المياه نفسها فإما ان نستعملها في المرحاض, حيث فقدنا عادة الضغط على (الفلاش) , او في الحديقة لري ما تبقى من شتلات الورد. وتضيف: ان اولادي يعتقدون ان ما يجري هو شيء مرعب ولكنهم في نهاية المطاف يتعودون) . المجتمع المدني يتضامن ويبتكر ويقول تقرير الصحيفة ان بلدة ثروك مورتون هي واحدة من مئات البلدات المماثلة التي تعيش ما تصفه تقارير الارصاد الجوية (مرحلة من الجفاف تاريخية وغير مسبوقة) وهي تبعد عن مدينة دالاس ـ هل تذكرون المسلسل الشهير باسمها ـ حوالي 150 ميلا وقد سبقتها الى هذه المعاناة ولايات فلوريدا ولويزيانا بينما اعلنت كل من ولاية ألاباما وجورجيا منطقتي كوارث زراعية. وقد ترافق الجفاف مع موجات من الحرارة اشعلت النيران في عشرات الولايات الاخرى, وقضت على كثير من الغابات البرية لذلك يصعب القول ان بلدة ثروك مورتون وحيدة في معاناتها, ولكنها بالتأكيد واحدة من البلدات التي استطاع فيها المجتمع المدني الصغير مواجهة الجفاف بوسائل مبتكرة ولعل ما حدث في الشهر الماضي ـ يوليو ـ يكشف عن القدرة الهائلة للمجتمعات المدنية الصغيرة متى قررت ان تطلق طاقاتها دفاعا عن وجودها وطريقة حياتها. احتفال لا ينسى يقول التقرير: لقد عاشت بلدة (ثروك مورتون احتفالا لا ينسى عندما انطلق مئات المتطوعين من اهاليها واهالي بلدات مجاورة رجالا ونساء واطفالا, في حملة تطوعية على مدى (12) يوما, هدف الحملة كان مد انبوب للمياه يصل بين خزان البلدة وهو شبه فارغ مع مصدر للمياه في بلدة البرت المجاورة وهي تبعد عنها (15) ميلا. لقد عمل هؤلاء المتطوعون, واحيانا تحت حرارة الشمس اللاهبة ومن دون توقف مع ان مصدر المياه في البلدة المجاورة لن يكون كبيرا ولكنه يكفي كي تحافظ على المياه فيها, خلال شهور الصيف والخريف بانتظار سقوط المطر, واذا حدثت مثل هذه المعجزة ويمكننا ان نكتشف مدى عظمة ما فعله هذا المجتمع المدني الصغير عندما نعرف ان عدد العمال في المجلس البلدي لا يتجاوز (11) عاملا وكانوا يحتاجون شهورا لانجاز المشروع, ولكن الحملة التطوعية التي ساهم فيها جميع سكان البلدة. جعلته ينتهي في (12) يوما فقط, ويعلق كبير المهندسين في البلدة جون فولو فيقول: ما حدث كان اقرب الى المعجزة لقد اعاد لي ثقتي وايماني بالعمل الانساني) . 160 ميلا لغسيل السيارة ويضيف التقرير: ومع ذلك ورغم من الخط الجديد للمياه فإن تقنين المياه سوف يستمر في البلدة وحتى اشعار آخر. ولكن السكان لا يشتكون وتقول السيدة دارلين بتي: ان لدينا مكيفا للهواء في المنزل, وقد وضعت تحت الانبوب الذي تقطر منه المياه جرولا, احمل فيه ما يتجمع من مياه كل يوم لارشه فوق شتلة الورد الباقية في الحديقة... اذ ان ري الحديقة من خلال الصنبور ممنوع, وكذلك غسيل السيارات, ولكنني اقدر الامر ففي كل شهر اقود سيارتي الى بلدة جراهام وهي تبعد (180) ميلا حوالي (125) كيلومتر اغسلها ثم اعود, ان السيارة النظيفة هي احد مظاهر حياتنا ولابد ان احافظ عليه) . الا اذا جاء الاعصار ويوضح تقرير لواشنطن بوست انه في السنوات العادية فإن معدل هطول الامطار في المنطقة التي تقع فيها البلدة يصل الى (45) سنتيمترا ولكن في هذا العام فإن كثيرا من الاماكن لم تشهد سقوط قطرة مطر واحدة, والمنطقة هي واحدة من اكثر البقع ارتفاعا في درجات الحرارة في فصل الصيف, اذ تصل الى (37.5) درجة ـ مئة درجة فهرنهايتية وفي حدها الاقصى تصل الى (43) درجة, وكانت البلدة تستهلك في الفصول العادية خلال الصيف من 250 الى 300 ألف جالون من المياه من 945 ألف الى مليون و134 ألف ليتر ـ ولكن كما يقول الموظف في مصلحة المياه في البلدة فإن التقنين المفروض على المياه يمنح الاسرة المكونة من شخصين الحق في (6000) جالون شهريا بينما اذا كانت العائلة تضم (11) شخصا وما فوق فإن من حقها ان تستهلك قدرا اكبر لا يزيد عن (12) ألف جالون, اي حوالي نصف ما كانت تستهلكه في السابق, وسوف يكون التقنين اشد في سبتمبر (الجاري) اذا لم يهطل المطر ولا اعتقد انه سوف يهطل الا اذا وقع اعصار واختار ان يمر من هنا وهو امر مستبعد) . الكويت وقطر والمواطن شريك وعودة الى مناوشات المياه بين الحكومة والمستهلكين في كل من قطر والكويت ودول خليجية اخرى. يستهلك المواطن في الكويت حوالي 103 جالونات يوميا (470 ليترا من المياه) بينما يصل استهلاك السكان اليومي في قطر الى 108 ملايين جالون, اي ان المواطن في قطر يتجاوز نظيره الكويتي في استهلاك المياه, مع العلم ان الدولتين لا تملكان انهارا ولا بحيرات ولا مياها جوفية بكميات كبيرة, ومع ذلك فإن الحكومتين عاجزتان حتى الآن عن اقناع المواطنين بترشيد الاستهلاك, ولعل السبب هو غياب مؤسسات المجتمع المدني عن المشاركة في اتخاذ القرار, وخاصة جمعيات النفع العام, وعددها يزيد عن 56 جمعية في الكويت, ومع ان الديمقراطية (العريقة) في الكويت و(الناشئة) في قطر تمنح المواطنين قدرا كبيرا من حرية المشاركة في صنع القرار عبرممثليهم في المجالس البلدية ومجلس الامة او الشورى الا ان هذه الديمقراطية في ظل الدولة الريعية التي تكاد تتكفل بكل شيء وهي في الوقت نفسه تحتكر كل شيء وخاصة الانشطة الاقتصادية تاركة هامشا ضيقا لنشاط القطاع الخاص, ان هذه الديمقراطية في ظل دولة الرعاية والرفاه تكاد تحول المواطن الى (صوت) انتخابي فقط وليس الى شريك فاعل والخلل ليس في المواطن طالما ان الحكومة هي المسئولة عن كل الخدمات ومجانا تقريبا... ولعل تحميل المواطن وعبر القطاع الخاص جزءا من المسئولية يجعله شريكا حقيقيا وفاعلا في اتخاذ القرار وتنفيذه كما يحدث في بلدة ثروك مورتون الامريكية. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق