الجمعة، 11 مايو 2012

سعدي يوسف: سوف يعتبرونك عميلاً للسي.آي.ايه، المقدم بندكت وضباطه

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ:

رحلة الولايات المتحدة الامريكية مع الارهاب: كانت دائما خارجية ولكن بداية من شهر ديسمبر العام 1981 تحولت الى رحلة داخلية عندما اعلنت ان القائد الليبي العقيد معمر القذافي اطلق كتائب الموت باتجاه امريكا للقيام باعمال ارهابية من بينها اغتيال كبار المسئولين ومنذ ذلك التاريخ بدأت امريكا تتغير من الداخل. يوم (19) اغسطس من العام 1981 بدأت المناوشات العسكرية بين الولايات المتحدة وليبيا فأسقطت الطائرات الامريكية من نوع (اف14.) طائرتين ليبيتين من طراز سوخوي 22 فوق خليج سرت، وكانت ليبيا تعتبر الخليج مياها اقليمية، ولكن امريكا كانت تعارض ذلك بشدة.
الحملة الامريكية على ليبيا كانت قد بدأت قبل ذلك اليوم بشهور وكان ابرز ضحاياها الطلاب الليبيين المبتعثين الى الولايات المتحدة للدراسة فيها كان عددهم يصل الى (18) الف طالب وقد وجهت اليهم اتهامات بتكوين تنظيمات سرية معادية للولايات المتحدة وتم فصلهم من جامعاتهم خاصة اولئك الذين كانوا يدرسون في الكليات العلمية علوم الفيزياء والكيمياء وكانت هذه الدراسات موضع شكوك لانها قد تؤدي الى تمكين الليبيين من انتاج اسلحة تدميرية. وفي شهر ديسمبر من العام نفسه اعلنت الادارة الامريكية ان الزعيم الليبي معمر القذافي ارسل الى الولايات المتحدة كتائب الموت بهدف اغتيال كبار المسئولين، وارتكاب اعمال تخريبية تستهدف الامن القومي الامريكي، كما ذكرت وكالة الاستخبارات المركزية، وبالتالي فقد تم تعزيز الحراسة الشخصية للرئيس رونالد ريجان ونائبه في تلك الفترة جورج بوش. وكذلك تم تعزيز الحراسة حول المؤسسات الرسمية ومن بينها وزارة الخارجية والبيت الابيض والبنتاجون ووضعت بعض المكعبات الحديدية والاسمنتية المتحركة في مداخلها منعا لسيارات ملغومة ان تحاول اقتحامها. محاولة اغتيال الرئيس كان الحديث الامريكي حول الارهاب الليبي في ذلك العام نقلة نوعية فقد سبقه ومنذ شهر نوفمبر من العام 1979 حديث عن الارهاب الايراني عندما قام الطلاب في ايران باقتحام مبنى السفارة الامريكية في طهران واحتجاز (52) امريكيا رهائن لمدة (444) يوما وقد تم الافراج عنهم يوم 25 يناير عام 1980 مع تنصيب الرئيس رونالد ريجان الرئيس الاربعين للولايات المتحدة. ولكن الارهاب الايراني، كما تصفه الادارة الامريكية بقي في الخارج، اما الارهاب الليبي فقد انتقل الى الداخل وباتت كتائب الموت الليبية هاجسا يوميا تغذيه وسائل الاعلام يوميا بتقارير تتنافس اجهزة الاستخبارات في تسريبها وكشف بعضها ان هناك عميلا امريكيا او اكثر يتعامل مع الرئيس القذافي وقد تم اعتقاله والتحقيق معه. وفي هذه الاجواء تمت محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريجان، وهو من اكثر الرؤساء شعبية في الولايات المتحدة وقع ذلك يوم (20) يناير من عام 1981 اي قبل خمسة ايام من الاحتفال بمرور عام على تسلمه الرئاسة في ذلك اليوم كان الرئيس مدعواً لالقاء خطاب في نادي اتحاد الصحافيين، وكان برفقته الناطق الصحافي باسم البيت الابيض، عندما خرج من السيارة ليفاجأ بسيل من الرصاص اصابه ومرافقه مع اثنين من رجال الحراسة الشخصية، وكانت شبكات التلفزيون تنقل المحاولة على الهواء وتعيد بثها. وعلى مدى ساعات كانت كتائب الموت التي ارسلها العقيد القذافي هي المتهم الرئيسي والاول. هوية بطل المحاولة جون هينكلي ظهرت منذ الدقائق الاولى فقد التقطت الكاميرات صورته وهو يطلق النار، كان بالتأكيد امريكيا وليس ليبيا ولا عربيا ولا ايرانيا، ولكن هل كان عميلاً مزروعاً في داخل امريكا وهل ارتكب جريمته بأوامر تلقاها من الخارج؟ كان ذلك السؤال هو محور التحقيقات وقد استمرت اكثر من عام قبل ان يعلن القضاء الامريكي براءة هينكلي باعتباره مجنوناً! .. نائب الرئيس والبابا مع ذلك فإن الحديث عن كتائب الموت الليبية لم يتوقف واذكر انه بعد اسابيع من محاولة الاغتيال الفاشلة تم اقفال شارع بنسلفانيا، وفيه يقع البيت الابيض. السبب هو ان موكب نائب الرئيس جورج بوش كان يسير في الشارع عندما تعرضت السيارة الى ما قيل انه طلق ناري استهدف نائب الرئيس، وهرعت وحدات الأمن ورجال الاستخبارات الى موقع الحادث، بينما انطلقت سيارة بوش بسرعة صاروخية باتجاه البيت الابيض، وحبست الناس انفاسها وهي تتابع نبأ محاولة اغتيال نائب الرئيس على شبكات التلفزيون وفي الاذاعات، ولكن كما تبين لاحقا، فإن ما حسبه حراس نائب الرئيس انه رصاصة لم يكن سوى حصاة صغيرة انطلقت من تحت عجلات احدى السيارات المرافقة واصابت زجاج سيارة نائب الرئيس (!) وتكتمل هذه الصورة عن الارهاب مع محاولة اغتيال البابا في روما يوم 30 مارس من العام نفسه على يد المسلم التركي احمد علي اغا، ولكن الاعلام الامريكي لم يتناول شخصية اغا باعتباره مسلما بل باعتباره عضوا في منظمة «الذئاب الرمادية» اليمينية المتطرفة، وهكذا احتفظ الارهاب في تلك الفترة بمواصفاته الحقيقية باعتباره ارهاباً سياسياً وليس قومياً ولا دينيا، وهو ما تكشف عنه الحادثة التالية. في الكلية الحربية في احدى الامسيات من ذلك العام كنت في مقهى في منطقة جورج تاون في واشنطن العاصمة عندما لفت انتباهي عدة شبان وفتيات يجلسون الى المائدة المجاورة. كانوا يتكلمون العربية الفصحى مع انهم كانوا امريكيين (!) اقتربت منهم وعرفتهم بنفسي، وسألتهم عن سر تلك الظاهرة اللغوية، قالت احداهن ضاحكة: نحن ضباط في قوات التدخل السريع، ولان الخليج هو مسرح عملياتنا الاساسي فإننا ندرس العربية، والآن نحن نتمرن على اللغة، اضافت ضاحكة: ما معنى كلمة «محظية» في لغتكم؟ قلت لها انها امرأة اقرب ما تكون الى الجارية العصرية. وطالت بنا الجلسة في تلك السهرة، واتفقنا في نهايتها ان اتحدث مع قائدهم المقدم «بندكت» في كلية «وست بوينت» الحربية لتخريج الضباط. وان اقوم بتحقيق صحافي عن قوات التدخل السريع، واعطوني رقم هاتف المقدم بندكت. اتصلت بالمقدم فأبدى ترحيباً شديداً بالفكرة واتفقنا على ان ازوره في كلية وست بوينت في نيويورك العليا بعد يومين. على بوابة الكلية كان احد الضباط بانتظاري، طلب بتهذيب شديد الاطلاع على بطاقتي الصحافية، فأعطيته اياها، نظر مليا في البطاقة وقال: اقترح عندما تعود الى واشنطن ان تجددها لان صلاحيتها منتهية (!) ورافقني الى المقدم بندكت، من دون ان يفتش الحقيبة التي احملها على كتفي وفيها آلة التصوير. المقدم رحب بي بشدة قال انه خدم في البحرين مدة 14 عاما وانه يتقن اللغة العربية باللهجة الخليجية، قال ايضا ان ضباطه ذكوراً واناثاً يقومون بتدريبات نظرية وعملية بحيث يكونون قادرين على التعامل مع المجتمعات والجماعات في مناطق عملياتهم. سألته ما اذا كان التصوير مسموحا اجاب على الفور: بالطبع، ووقف مستقيما لالتقاط صورته، ثم قمنا بجولة في الكلية الحربية ومقابلات مع الضباط وقمت بتصويرهم في مواقع التدريب، وفي صفوفهم، وفي المطعم اثناء تناول الغداء. ارسلت التحقيق مع الصور الى مجلة عربية كانت تصور من قبرص وهي مقربة من النظام الليبي، وكان مدير تحريرها الشاعر الزميل سعدي يوسف. التحقيق لم ينشر وعندما زرت قبرص بعد عدة اشهر سألت الشاعر المبدع سعدي: لماذا لم تنشره؟ اجاب بعد تردد: حفاظا على سلامتك وسمعتك، لان القراء والمسئولين سوف يقولون انك عميل لـ «السي. آي. آيه» سألته لماذا؟ قال: هل من المعقول ان يسمحوا لك بدخول اهم كلياتهم الحربية والتصوير فيها من دون ان تكون عميلا عندهم؟ ضحكنا معا وتناقشنا كثيراً ثم وافق سعدي على نشر التحقيق «على مسئوليتي». .. وكانت امريكا في ذلك الوقت مازالت ارضا للحرية. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق