السبت، 12 مايو 2012

كيف يمكنك أن تربح المعارك كلها و.. تخسر الحرب؟، سياسة الأقفاص

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ:

«سياسة الاقفاص» باتت احدى مشتقات الحرب العالمية ضد الارهاب، بعد ان وضعت القوات الامريكية المعتقلين من مقاتلي القاعدة وطالبان في اقفاص خشبية داخل قاعدة جوانتانامو الكوبية، الصليب الاحمر الدولي، احتج وقال ان مثل هذه المعاملة هي ادنى من الحدود الانسانية المتعارف عليها دوليا. ورد الامريكيون: ان هؤلاء المعتقلين ارهابيون خطرون يمكن ان يقتلوا انفسهم او حراسهم، وكانت تلك محطة فحسب في الحرب العالمية ضد الارهاب.
ومع ان هذه الحرب بلا حدود ولكن جبهاتها تزداد وضوحا يوما بعد يوم، ولأن من يخوضها عسكريون محترفون، فان المجتمعات المدنية هي اولى ضحاياها، هذا ما حدث في الحرب العالمية الثانية وما يحدث اليوم، مع استثناء وحيد، هو ان العربي يدفع ثمن قفصه مرتين: مرة للسجان العالمي ومرة للوكيل المحلي. وجولة في الاعلام الامريكي والبريطاني ربما تساعد على محاولة توسيع القفص على الاقل اذا لم نتمكن من ازالته نهائيا، وهذا الامر الاخير قد يكون صعبا ولكنه لم يعد مستحيلا فالحروب على بشاعتها كانت دائما من علامات التغيير. صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية فاض بها الكيل من السلوك الامريكي تجاه الاجانب يوم 8 الشهر الجاري، تعليقا في صفحة الرأي يقول: ان هناك شيئا غير امريكي في التعامل مع المهاجرين الامريكيين منذ 11 سبتمبر ، ففي الحرب ضد الارهاب تم استهدافهم من قبل المؤسسات المكلفة بتطبيق القانون فاعتقل 1600 شخص للتحقيق وادين واحد فقط من بين جميع هؤلاء. لقد اقر الكونجرس تشريعا يسمح باعتقال الاجانب ولمدة غير محددة، وفي ظل شروط لا يمكن ان تنطبق على المواطن، بالاضافة الى المحاكمات العسكرية التي لاتطبق الا على غير المواطنين. ان هذا السلوك لا يستقيم مع شعب من المهاجرين، والدستور يحمي الاشخاص وليس اصحاب الجوازات، انه لا يميز بين المواطنين والاجانب الا في حالات محدودة مثل حق الانتخاب والتوطين في بعض المؤسسات. وينتهي تعليق الصحيفة الى القول: «ان الادارة الامريكية لا تملك شيكا على بياض يخولها ان تقايض حرية مجموعة من الناس، وهم الاجانب، بتوفير الامن لباقي السكان، حتى عند اعلان حالة الطواريء الوطنية، لقد تمت ممارسة مثل هذا التوجه سابقا، خاصة عندما تم سجن الامريكيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، ومثل هذا السلوك كان ينتهي دائما بالندم، ان الارهابيين هم المشكلة وليس المهاجرون». نفاق وانتهازية و .. إرهاب المعلق الامريكي الشهير وليام بفاف، وينشر تعليقه عادة فيما يزيد على 600 مطبوعة امريكية ودولية، من بينها لوس انجلوس تايمز، كتب في 15 الشهر الجاري تعليقا تحت عنوان «سياسة الارهاب او مدنيون في مواجهة مدنيين» قال فيه: تحتاج الحرب ضد الارهاب الى ان تتحرر من النفاق ومن الانتهازية ومن النظرة الحزبية الضيقة التي تحيط بها لقد بدأت حربا ضد الشيطان ولكنها تحولت الى حرب ضد حكومة طالبان في افغانستان، انت تستطيع ان تحارب حكومة ولكن البنتاجون لا يستطيع ان يحارب الشيطان. ان الحكومات والسياسيين في العالم كله بدأوا في توسيع نطاق الحرب ضد الارهاب عبر اعادة تصنيف اعدائهم باعتبارهم ارهابيين وكان هذا سهلا لان تعريف واشنطن للارهاب هو تعريف مطاطي وعشوائي، ان الارهاب هو مايفعله الناس السيئون. وهكذا يشمل الارهاب الثوار الانفصاليين في كشمير والناشطين الباكستانيين وعملاء الحكومة الذين يدعمونهم، اما الحقيقة وهي ان الهند، وعلى مدى نصف قرن كامل، احتلت اجزاء مسلمة من كشمير، حيث المواطنون يفضلون اما الاستقلال او الانضمام الى باكستان، ان هذه الحقيقة تصبح غير ذات علاقة. ويضيف المعلق الامريكي: ان الهند تشعر بالسعادة عندما تكتشف ان منطق واشنطن يضع الولايات المتحدة في الجانب الهندي في هذه الازمة السياسية الدينية، وهذا لم يحدث من قبل. ثم ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعاد وبسعادة غامرة ترجمة حربه ضد الشيشان باعتبارها جبهة اخرى ضد الارهاب، كما ان ارييل شارون هو احد الحلفاء المتحمسين لادارة الرئيس بوش التي على مايبدو غيرت سياستها السابقة في الدعم الجدي للسلطة الفلسطينية. ان الارهاب هو احد اشكال المواجهات السياسية العسكرية التي تهاجم المدنيين لسببين: الاول هو ان الارهابيين عاجزون عن النيل من الشخصيات السياسية والعسكرية التي يودون فعلا قتلها. فالوطنيون الشيشان يودون لو ينسفون الرئيس بوتين وحاشيته .. ولكن مشكلتهم هي مع الحراسة التي تحيط به، كما ان حماس والجهاد الاسلامي لن تلجآ الى قتل المدنيين اذا كان باستطاعتهما قتل ارييل شارون واعضاء حكومته. اما السبب الثاني لقتل المدنيين فهو ان هذا الامر يحدث صدمة ويخيف الناس وهذا ربما يضطرهم الى القبول بتسويات او تقديم تنازلات تخدم قضية الارهابيين. ماحدث في جنوب لبنان ويضيف المعلق الامريكي: لقد انسحبت اسرائيل اخيرا من الارض اللبنانية التي كانت قد احتلتها منذ الغزو الاول عام 1978 والسبب انه بعد عقدين من الاحتلال فان الجمهور الاسرائيلي بات يشعر بالذعر من قذائف حزب الله التي تنطلق من لبنان وتصب في البلدات الاسرائيلية، كما انه تعب من مقتل الجنود والشبان من الاحتياط في كمائن تقع في منطقة يفترض انها تشكل حزام الامان لهم لبنان. وفي الواقع فان الحياة السياسية، والتاريخ يؤكدان ان الارهاب هو سلاح المضطهدين يرفعونه دائما ضد من يضطدهم لانه السلاح الوحيد الذي يملكونه. وتعليق الكاتب الامريكي يطول عندما يتحدث عما حدث في الحرب العالمية الثانية من استهداف للمدنيين ويمكن الرجوع اليه في صحيفة «هيرالدتريبيون». والمهم فيه، كما في تعليق الـ «فايننشال تايمز» ان الاعلام الغربي لا يعمل كما عندنا غالبا، في خدمة الجنرالات والآلة العسكرية المسيطرة بل يسعى الى تكريس مهمته الاساسية وهي الدفاع عن المجتمع المدني ومؤسساته في مواجهة سياسة الاقفاص التي يمكنها ان تربح المعارك كلها ولكنها سوف تبقى عاجزة عن ان تكسب الحرب، اذا لم تمنح المضطهدين في الارض سلاحا، آخر غير الارهاب. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق