من الملف السياسي: قضايا صغيرة: التاريخ: 29 أكتوبر 1999
العلاقة بين الأحذية وبين حقوق الانسان لم تكن دائما واضحة,
كان بعض الروائيين وبعض رسامي الكاريكاتير يربطون بين أحذية العسكر الثقيلة
وبين خرق حقوق الانسان, ولعل أشهر كتاب في هذا المجال هو رواية (العقب
الحديدية) , بالاضافة إلى رسومات الفنان المبدع ناجي العلي, وقد قتلته
العقب الحديدية في لندن, وكذلك رسومات الزميل علي فرزات, ونحن ندعو له بطول
العمر. مكر التاريخ في سياتل العلاقة اليوم بين الأحذية وحقوق الانسان
باتت أكثر وضوحا ورسوخا ودخلت عصر العولمة من البوابة الأمريكية الواسعة
وصارت مصانع الأحذية الرياضية هذه المرة وليس العسكرية محط اهتمام العالم
إلى حد دفع نقابات العمال في الولايات المتحدة ان ترفع الشعار الذي حسبن
انه شبع موتا, وهو (يا عمال العالم اتحدوا) . ولعل الوفود الوزارية التي
سوف تصل إلى ولاية سياتل يوم 30 الشهر الجاري لتخوض جولة جديدة من
المفاوضات في اطار منظمة التجارة العالمية سوف تفاجأ بهذا الشعار مرفوعا
على بوابات الفنادق وفي الساحات حيث ينعقد المؤتمر, وربما يحسب بعض الوفود
انه اخطأ العنوان إذ ان المكان الطبيعي لهذا الشعار هو موسكو في مطلع القرن
العشرين وليس غرب أمريكا في نهاية القرن ذاته, ولكنه مكر التاريخ, وهو ما
سوف يدفع ما يزيد على 50 ألف متظاهر أمريكي للتعبير عن تضامنهم مع عمال
اندونيسيا والهند والفلبين وباقي البؤساء في أربع زوايا الأرض مطالبين بأن
تدفع لهم حقوقهم كاملة اسوة برفاقهم الأمريكيين.
وربما يشعر بعض الوفود بالدهشة من هذه (الصحوة الأممية) المتأخرة وفي عقر دار قلعة الرأسمالية, ولكن هذه الدهشة سوف تزول إذا ما قرر أحدهم ان يلقي نظرة على تقرير نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) الاقتصادية الأمريكية يوم الاثنين 18 اكتوبر الجاري عن مصانع ريبوك الأمريكية لصنع الأحذية, وفروعها المنتشرة في أنحاء العالم, ويعود بعدها إلى تعليق نشرته صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية يوم 13 الشهر الجاري تحت عنوان (التجارة والعمل) وما بين الاثنين يمكن لأعضاء هذه الوفود ان يكتشفوا انعكاسات هذه الصحوة الأممية على الانتخابات الرئاسية في أمريكا من خلال تقرير نشرته مجلة (الايكونوميست) الاقتصادية البريطانية في عددها الصادر يوم 23 الشهر الجاري أيضا, تحت عنوان (سياسة التجارة) . ولكن لأن هذه الوفود التي جاءت من كل أنحاء المعمورة لتكريس عصر العولمة في اتفاقيات تجارية لن تجد الوقت لقراءة هذه التقارير, واذا وجدته لن يتوفر لها الهدوء ولا السكينة لاستيعاب ما تقرأه بعد ان وعد المتظاهرون بتحويل مركز المدينة حيث ينعقد المؤتمر وفنادقها حيث ينزل المؤتمرون إلى ساحات معارك حمراء, فإن موجزا عن هذه التقارير ربما يقوم بالمهمة ويساعد على فهم العلاقة ما بين الأحذية وحقوق الانسان (!) ماذا فعلت يا ريبوك؟ يقول تقرير (وول ستريت) ان شركة ريبوك الدولية لصناعة الأحذية والملابس الرياضية ومركزها الرئيسي في ولاية ماساشوستس الأمريكية قامت بتحقيق ميداني استغرق 14 شهرا من مصنعين تملكهما في اندونيسيا باعتبارهما فرعين للشركة الأم وعن أحوال العمل والعمال فيهما وقد وضعت نتائج التحقيق في تقرير من 41 صفحة, كما قامت بتعيين مسئول بارز في الشركة ليحتل منصبا اطلق عليه (مدير حقوق الانسان) ومهمته متابعة أي خرق لهذه الحقوق يتعرض له العمال في مصانع الشركة. ماذا عن نتائج التحقيق؟ يقول التقرير ان المحققين اكتشفوا خللا في أكثر من موضع مثلا: يشكو العمال من التهابات جلدية ناتجة عن ملامستهم وبالأيدي العارية لمواد كيماوية ضارة, ويضطرون احيانا إلى الاستعانة بقفازات يصنعونها بأنفسهم من الخرق البالية, وقد وعدت الشركة بالتعاقد مع مصنع يقوم بتزويدها بقفازات تحمي أيدي العمال أثناء تعرضهم للمواد الكيماوية. يشكو العمال أيضا من صداع مزمن ومستمر تبين انه ناتج عن سوء التهوية في المصنع وقد وعدت الشركة ان تقوم باستبدال نظام التهوية بآخر جديد يقوم بامتصاص الغازات بكفاءة أكبر. يشكو العمال ثالثا من انهم يجهلون كيف يتعاملون مع أية حادثة تسرب للمواد الكيماوية مما يعرضهم للخطر, خاصة وان التعليمات موضوعة باللغة الانجليزية, وقررت الشركة ان تكون تعليماتها المقبلة مطبوعة باللغة الاندونيسية وان تقوم بدورات لتثقيف العمال وتدريبهم على التعامل مع أية حادثة تسرب كيماوية. وماذا عن تواليت السيدات؟ ويشكو العمال رابعا من ان ادارة المصنع هي من يقوم بحساب ساعات عملهم الاسبوعية وترتكب أخطاءً أحيانا بحيث يقل عدد الساعات المدفوعة عن الساعات الفعلية, ووعدت الشركة بأن يتم تزويد كل عامل بكشف يحدد ساعات عمله كل يوم, ويمكن ان يراجع المسئولين في حال وقوع أي خطأ. وكشف التحقيق أيضا ان عدد مراحيض (تواليت) السيدات في المصنع يقل عن عدد مراحيض الرجال, مع ان عدد العاملات هو خمسة أضعاف عدد العمال الذكور, ووعدت الشركة بزيادة المراحيض للسيدات كما كشف التحقيق ان هناك تمييزا جنسيا بين الذكور والاناث في مواقع المسئولية, إذا بينما تشكل الاناث 80 بالمائة من قوة العمل في المصنع فإن نسبة تتراوح بين 28 و 33 بالمائة فقط من بينهن تحتل منصب (مراقب) ووعدت الشركة بزيادة عدد المراقبات. أما عن الأجور فتقول الشركة انها تدفع للعامل نسبة تتراوح بين 25 و 40 بالمائة زيادة عن الأجر الذي حددته الدولة ومع ذلك فإن الشركة وعدت بزيادة الأجور بدءا من العام المقبل. ليس هذا فحسب فقد أعلنت الشركة انها زودت أحد المصنعين بكرسي يقوم بعمل تدليك آلي للعمال الذين يشكون من وجع الظهر, وتزويد العمال بأقنعة واقية من الغازات (!) تبقى الاشارة إلى ان من قام بالتحقيق هو شركة اندونيسية وليست أمريكية وتقاضت مبلغ 35 ألف دولار لقاء عملها, وهو ما يشير إلى ان (صدقية) التقرير سوف تبقى موضع شك خاصة وان تحقيقا مماثلا قامت به شركة (نايك) لصناعة الأحذية أيضا قبل سنتين واجه موجة لاذعة من الانتقادات من قبل منظمات حقوق الانسان مع ان من أشرف على التحقيق هو السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة اندرو يونج. كلام حق يراد به باطل لماذا هذه الصحوة الأممية حول حقوق العمال؟ توضح صحيفة (فايننشيال تايمز) في تعليقها عن العمال الأمريكيين يواجهون منافسة من باقي العمال في الدول الفقيرة مثل اندونيسيا والمكسيك وان اتفاقيات تحرير التجارة جعلت الشركات تقفل مصانعها في البلدان الصناعية, وبينها أمريكا, وبالتالي فإن آلاف العمال الأمريكيين يفقدون وظائفهم عندما تقرر شركة مثلا ان تنقل مصانعها إلى المكسيك, وبالتالي فإن العامل الأمريكي يطالب بتحسين أوضاع العمال في البلدان الفقيرة ورفع أجورهم كي لا يعودوا منافسين له وقادرين على اغراء الشركات بأجورهم الزهيدة. ومن هنا يمكن فهم موجهة الاحتجاج النقابية في أمريكا على تشغيل الاطفال في المصانع في العالم الثالث, ولكن الصحيفة البريطانية تقول ان هذا محض ادعاء إذ لا يزيد عدد الاطفال بمصانع دول العالم الثالث على خمسة بالمائة وبالتالي فإن ادعاء العمال الأمريكيين بالدفاع عن حقوق العمال الآخرين هو نوع من كلام حق يراد به باطل. المواجهة الرئاسية والتجارة وكما يشير تقرير مجلة (الأيكونوميست) فإن هذا الموقف من تحرير التجارة ومن العولمة تحول إلى موضوع ساخن في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة, والمشكلة التي يواجهها المرشحون سواء في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي هي ان هناك انقساما داخل كل حزب حول هذه المسألة, فالجمهوريون وهم تقليديا مع تحرير التجارة يقفون اليوم في الكونجرس ضدها, وكذلك قيادات فاعلة في الحزب الديمقراطي مع العلم ان الرئيس كلينتون خاض الانتخابات في العام 1992 بعد ان جعل من اتفاقية (نافتا) شعارا انتخابيا, أما اليوم فإن الليبراليين الجدد وحدهم هم من يدعمه, إذ ان نقابات العمال لم تعد تخجل من اعلان مواقفها جيداً من انها ضد العولمة وضد تحرير التجارة وفتح الحدود ومع حقوق الانسان والعمال المنتهكة في مصانع العالم الثالث (!)
وربما يشعر بعض الوفود بالدهشة من هذه (الصحوة الأممية) المتأخرة وفي عقر دار قلعة الرأسمالية, ولكن هذه الدهشة سوف تزول إذا ما قرر أحدهم ان يلقي نظرة على تقرير نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) الاقتصادية الأمريكية يوم الاثنين 18 اكتوبر الجاري عن مصانع ريبوك الأمريكية لصنع الأحذية, وفروعها المنتشرة في أنحاء العالم, ويعود بعدها إلى تعليق نشرته صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية يوم 13 الشهر الجاري تحت عنوان (التجارة والعمل) وما بين الاثنين يمكن لأعضاء هذه الوفود ان يكتشفوا انعكاسات هذه الصحوة الأممية على الانتخابات الرئاسية في أمريكا من خلال تقرير نشرته مجلة (الايكونوميست) الاقتصادية البريطانية في عددها الصادر يوم 23 الشهر الجاري أيضا, تحت عنوان (سياسة التجارة) . ولكن لأن هذه الوفود التي جاءت من كل أنحاء المعمورة لتكريس عصر العولمة في اتفاقيات تجارية لن تجد الوقت لقراءة هذه التقارير, واذا وجدته لن يتوفر لها الهدوء ولا السكينة لاستيعاب ما تقرأه بعد ان وعد المتظاهرون بتحويل مركز المدينة حيث ينعقد المؤتمر وفنادقها حيث ينزل المؤتمرون إلى ساحات معارك حمراء, فإن موجزا عن هذه التقارير ربما يقوم بالمهمة ويساعد على فهم العلاقة ما بين الأحذية وحقوق الانسان (!) ماذا فعلت يا ريبوك؟ يقول تقرير (وول ستريت) ان شركة ريبوك الدولية لصناعة الأحذية والملابس الرياضية ومركزها الرئيسي في ولاية ماساشوستس الأمريكية قامت بتحقيق ميداني استغرق 14 شهرا من مصنعين تملكهما في اندونيسيا باعتبارهما فرعين للشركة الأم وعن أحوال العمل والعمال فيهما وقد وضعت نتائج التحقيق في تقرير من 41 صفحة, كما قامت بتعيين مسئول بارز في الشركة ليحتل منصبا اطلق عليه (مدير حقوق الانسان) ومهمته متابعة أي خرق لهذه الحقوق يتعرض له العمال في مصانع الشركة. ماذا عن نتائج التحقيق؟ يقول التقرير ان المحققين اكتشفوا خللا في أكثر من موضع مثلا: يشكو العمال من التهابات جلدية ناتجة عن ملامستهم وبالأيدي العارية لمواد كيماوية ضارة, ويضطرون احيانا إلى الاستعانة بقفازات يصنعونها بأنفسهم من الخرق البالية, وقد وعدت الشركة بالتعاقد مع مصنع يقوم بتزويدها بقفازات تحمي أيدي العمال أثناء تعرضهم للمواد الكيماوية. يشكو العمال أيضا من صداع مزمن ومستمر تبين انه ناتج عن سوء التهوية في المصنع وقد وعدت الشركة ان تقوم باستبدال نظام التهوية بآخر جديد يقوم بامتصاص الغازات بكفاءة أكبر. يشكو العمال ثالثا من انهم يجهلون كيف يتعاملون مع أية حادثة تسرب للمواد الكيماوية مما يعرضهم للخطر, خاصة وان التعليمات موضوعة باللغة الانجليزية, وقررت الشركة ان تكون تعليماتها المقبلة مطبوعة باللغة الاندونيسية وان تقوم بدورات لتثقيف العمال وتدريبهم على التعامل مع أية حادثة تسرب كيماوية. وماذا عن تواليت السيدات؟ ويشكو العمال رابعا من ان ادارة المصنع هي من يقوم بحساب ساعات عملهم الاسبوعية وترتكب أخطاءً أحيانا بحيث يقل عدد الساعات المدفوعة عن الساعات الفعلية, ووعدت الشركة بأن يتم تزويد كل عامل بكشف يحدد ساعات عمله كل يوم, ويمكن ان يراجع المسئولين في حال وقوع أي خطأ. وكشف التحقيق أيضا ان عدد مراحيض (تواليت) السيدات في المصنع يقل عن عدد مراحيض الرجال, مع ان عدد العاملات هو خمسة أضعاف عدد العمال الذكور, ووعدت الشركة بزيادة المراحيض للسيدات كما كشف التحقيق ان هناك تمييزا جنسيا بين الذكور والاناث في مواقع المسئولية, إذا بينما تشكل الاناث 80 بالمائة من قوة العمل في المصنع فإن نسبة تتراوح بين 28 و 33 بالمائة فقط من بينهن تحتل منصب (مراقب) ووعدت الشركة بزيادة عدد المراقبات. أما عن الأجور فتقول الشركة انها تدفع للعامل نسبة تتراوح بين 25 و 40 بالمائة زيادة عن الأجر الذي حددته الدولة ومع ذلك فإن الشركة وعدت بزيادة الأجور بدءا من العام المقبل. ليس هذا فحسب فقد أعلنت الشركة انها زودت أحد المصنعين بكرسي يقوم بعمل تدليك آلي للعمال الذين يشكون من وجع الظهر, وتزويد العمال بأقنعة واقية من الغازات (!) تبقى الاشارة إلى ان من قام بالتحقيق هو شركة اندونيسية وليست أمريكية وتقاضت مبلغ 35 ألف دولار لقاء عملها, وهو ما يشير إلى ان (صدقية) التقرير سوف تبقى موضع شك خاصة وان تحقيقا مماثلا قامت به شركة (نايك) لصناعة الأحذية أيضا قبل سنتين واجه موجة لاذعة من الانتقادات من قبل منظمات حقوق الانسان مع ان من أشرف على التحقيق هو السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة اندرو يونج. كلام حق يراد به باطل لماذا هذه الصحوة الأممية حول حقوق العمال؟ توضح صحيفة (فايننشيال تايمز) في تعليقها عن العمال الأمريكيين يواجهون منافسة من باقي العمال في الدول الفقيرة مثل اندونيسيا والمكسيك وان اتفاقيات تحرير التجارة جعلت الشركات تقفل مصانعها في البلدان الصناعية, وبينها أمريكا, وبالتالي فإن آلاف العمال الأمريكيين يفقدون وظائفهم عندما تقرر شركة مثلا ان تنقل مصانعها إلى المكسيك, وبالتالي فإن العامل الأمريكي يطالب بتحسين أوضاع العمال في البلدان الفقيرة ورفع أجورهم كي لا يعودوا منافسين له وقادرين على اغراء الشركات بأجورهم الزهيدة. ومن هنا يمكن فهم موجهة الاحتجاج النقابية في أمريكا على تشغيل الاطفال في المصانع في العالم الثالث, ولكن الصحيفة البريطانية تقول ان هذا محض ادعاء إذ لا يزيد عدد الاطفال بمصانع دول العالم الثالث على خمسة بالمائة وبالتالي فإن ادعاء العمال الأمريكيين بالدفاع عن حقوق العمال الآخرين هو نوع من كلام حق يراد به باطل. المواجهة الرئاسية والتجارة وكما يشير تقرير مجلة (الأيكونوميست) فإن هذا الموقف من تحرير التجارة ومن العولمة تحول إلى موضوع ساخن في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة, والمشكلة التي يواجهها المرشحون سواء في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي هي ان هناك انقساما داخل كل حزب حول هذه المسألة, فالجمهوريون وهم تقليديا مع تحرير التجارة يقفون اليوم في الكونجرس ضدها, وكذلك قيادات فاعلة في الحزب الديمقراطي مع العلم ان الرئيس كلينتون خاض الانتخابات في العام 1992 بعد ان جعل من اتفاقية (نافتا) شعارا انتخابيا, أما اليوم فإن الليبراليين الجدد وحدهم هم من يدعمه, إذ ان نقابات العمال لم تعد تخجل من اعلان مواقفها جيداً من انها ضد العولمة وضد تحرير التجارة وفتح الحدود ومع حقوق الانسان والعمال المنتهكة في مصانع العالم الثالث (!)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق