التاريخ: 28 مايو 1999
(القوة الرخوة) هو التعبير السياسي المفضل لدى وزير خارجية
كندا لويد اكسورثي. وهو يؤكد أن (القوة الصلبة) باتت عاجزة عن القيام
بدورها بعد تداعي الدولة القومية وبروز دور المنظمات العالمية, العابرة
للحدود والقارات . وزير خارجية كندا هو النقيض الحي لوزيرة خارجية امريكا
السيدة مادلين أولبرايت, فهي تعتبر أن (الامن القومي) يأتي في طليعة
اولويات السياسة الامريكية, بينما يعتبر الوزير الكندي ان (الامن الانساني)
هو في طليعة اهتمامات بلاده, وبينما ترى السيدة أولبرايت ان قوة السلاح هي
مايمنح الولايات المتحدة لقب الدولة الاعظم فإن الوزير لويد يبشر
الامريكيين بأن (قوة الافكار) هي ما يحدد القوة الأعظم في القرن الواحد
والعشرين, اما مجموعة الدول السبع العظمى التي ترعى النظام العالمي بقيادة
الولايات المتحدة فيقابلها لدى الوزير الكندي (مجموعة الثماني) الانسانية
التي تعتمد على (القوة الرخوة) في حفظ الأمن العالمي, وزيادة مساحة السعادة
في حياة الشعوب.
ولا يعتمد الدبلوماسي الكندي الاول على (التنظير) بل
يقاتل بصلابة لتكريس افكاره ميدانيا, فهو رفض منح البنتاجون حق اجراء تجارب
على صواريخ كروز, فوق الاراضي الكندية, كما أنه جمع أغلبية في البرلمان
وافقت على تخفيض موازنة وزارة الدفاع الى ستة مليارات دولار فقط, أي ان
المواطن الكندي يدفع ربع ما يدفعه المواطن الامريكي لتعزيز (القوة الصلبة) .
ولا يمانع الوزير الكندي الذي تتهمه امريكا بأنه يلعب في مباراة (تفوق
وزنه) من توجيه لكمة في العين الى البيت الابيض, فيطالب من ناحية برفع
الحصار على كوبا, وينتهز من ناحية اخرى فرصة ترؤسه لمجلس الأمن هذا الشهر,
فيتهم القوة الامريكية العظمى بأنها (مازالت تملك الرغبة في ان تلعب خارج
المنظمات الدولية دفاعا عن مصالحها) . ويضيف: عندما يخرج الامريكيون
ويلوحون بعصا غليظة, مثلا أعرف ما الذي سوف يضيفونه الى النظام العالمي) .
إذن مفهوم القوة هو موضوع خلاف واذا كانت (القوة الصلبة) هي من رسم ملامح
القرن العشرين, فإن (القوة الرخوة) هي من سوف يرسم ملامح القرن المقبل, كما
يؤكد وزير خارجية كندا لويد اكسورثي, فالدولة القومية تنهار ومعها
الحكومات المحلية وهو ما يؤسس لقيام عالم المنظمات الدولية, والاتحاد
الاوروبي هو نموذج فحسب. الكنيسة ومونيكا وانتحار الساسة تنهار الحكومات
المحلية مع انهيار السياسة, موتا أو انتحارا, فكيف يحدث هذا؟ هنا مثالان,
إذا شئنا أن نتعلم بالامثال. نيوت جينجريتش رئيس مجلس النواب الامريكي
السابق, خسر منصبه وانتحر سياسيا, عن سابق تصور وتصميم, عندما أصّر على أن
من حق الكونجرس الامريكي ان يقيل الرئيس بسبب (مونيكا جيت) وان من حق الشعب
الامريكي, وحتى الاطفال الذين لم يصلوا سن البلوغ, ان يشاهدوا ويسمعوا
ويقرأوا كل تفاصيل الفضيحة من البقعة على الثوب الى الاستخدام الرئاسي
للسيجار, وصولا الى أدق تفاصيل (الجنس الشفهي) وكانت استقصاءات الرأي تؤكد
ان كل مشهد جديد يضيف الى شعبية الرئىس, ومع ذلك فإن جينجريتش كان عاجزا عن
التراجع, وكان عليه باستمرار ان يهرب الى الامام, والسبب أن الحزب
الجمهوري الذي يمثله جعل من (التجمع المسيحي) عموده الفقري, وهذا التجمع
المسيحي هو أقلية, ولكنها منظمة الى أبعد الحدود, وهي لاتعمل في السياسة
وعلى الارض بل في الاخلاق وفي ملكوت السماوات, والازدهار الاقتصادي الذي
حققته الولايات المتحدة بقيادة كلينتون, وهو صاحب شعار (إنه الاقتصاد
ياغبي) لم يكن يعني الكثير لأعضاء التجمع المسيحي, بل كان يهمهم كم مرة قبل
الرئيس مونيكا وأين؟ إن السياسة هي فن الممكن, وقد حولها أعضاء التجمع
المسيحي الى مستحيل عندما طالبوا برئيس من جنس الملائكة فانتحروا جماعيا,
ونحروا معهم السياسة وأصحابها, وعلى رأسهم الصليبي (نيوت جينجريتش) . موسم
الحج الى هوليوود ماذا يحصل بعد نحر السياسة أو انتحارها؟ نقرأ الخبر
التالي من لوس انجلوس وجاء في صحيفة (هيرالد تريبيون) الدولية, تحت عنوان
(موسم حج المرشحين الى هوليوود) وورد فيه: قام السناتور جون ماكين المرشح
عن الحزب الجمهوري للرئاسة الامريكية بزيارة هوليوود الاسبوع الماضي,
وتناول طعام الغداء مع رئيس شبكة التلفزيون الامريكية باري ديلر, وطعام
العشاء مع رئيس شركة والت ديزني مايكل ايزنر. وفي الوقت نفسه فإن السناتور
الديمقراطي جون كيري, وهو بدوره يطمح الى ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية
عقد اجتماعا مطولا مع المخرج التلفزيوني نورمان لير. أما المرشح الديمقراطي
المؤكد للرئاسة آل جور, وهو نائب الرئيس حاليا فانه وعبر الهاتف لاينقطع
حواره مع العمالقة الثلاثة في شركة (دريم ووركس) للانتاج السينمائى وهم
جيفري كاتزنبرج, والمخرج ستيفن سبيلبرج ودافيد جيفين, وهؤلاء الثلاثة من
كبار المتبرعين للحزب الديمقراطي. كما وتشهد هوليوود احتفالا كبيرا يقيمه
عمالقة صناعة السينما, ويكون ضيف الشرف فيه السناتور الديمقراطي السابق بيل
برادلي أحد الطامحين بمنصب كبير في البيت الابيض, ويقول المخرج لير في هذا
السياق (ان هذه العلاقة الحميمة بين هوليوود وواشنطن هي علاقة طبيعية,
كالزواج, نحن, وبشكل رئيسي, نعمل في المهنة ذاتها, ومهمتنا هي جذب انتباه
المتفرجين) . ومع موت السياسة وانتحارها فإن هوليوود تنافس الكنيسة على
صناعة الرؤساء, اما الناخب فإن أحدا لايمنعه من متابعة دوره كمتفرج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق