الثلاثاء، 24 أبريل 2012

كي تمنع حرب المائة عام. شخصية كويتية بارزة تطلق(صوت العقل)

حكايات سياسية: بقلم ـ شوقي رافع، التاريخ:

الكويت لابد ان تستثمر في العراق 200 مليار دولار .. بل وان تزيدها عشرة آلاف مقاتل رافقوا (مبارك الكبير) في معركة الصريف وفي سنة (الطفحة) كان لدى الكويت 800 سفينة. (تصل تعويضات العراق الى الكويت, نتيجة للغزو, الى حوالي (200) مليار دولار, واذا افترضنا ان العراق سوف يكون قادرا, بعد رفع الحصار عنه, على دفع مبلغ يتراوح بين ثلاثة او اربعة مليارات دولار في السنة, فانه سوف يحتاج الى نصف قرن على الاقل لتسديد التعويضات المطلوبة, ماذا تعني لك هذه الارقام؟ وأرد بشيء من التردد: يعني ان العراق حتى من دون صدام حسين اذ لا أتخيل انه سوف يعيش كل هذه المدة, سوف يكون (رهينة) لدى الكويت, اقتصاديا على الاقل, حتى منتصف القرن المقبل..
حرب المائة عام ويرّد محدّثي الكويتي, متجاوزا اجابتي, فيقول: ان هذا يعني ان اجيالا من اهل العراق سوف ترضع منذ ولادتها حليب الحقد على اهل الكويت, وتعتبر انهم المسؤولين عن استنزافهم اقتصاديا او تركيعهم سياسيا, وسوف تجد هذه الاجيال اكثر من حاكم مثل صدام يستعمل هذه العواطف والقناعات ليغطي بها عيوبه, ويعلق عليها اخطاءه وفشله, ويستنجد بها في مواجهة اية ازمة داخلية, لا علاقة لها بالكويت واهلها لا من قريب ولا من بعيد, فيقرع طبول الحرب, وليس مهما ان تقع هذه الحرب او لا تقع, اذ ان التهديد وحده, قياسا على تجاربنا الحالية, يكفي لاستنزاف الطاقات البشرية والمادية. للكويت كما للعراق, والى قطع الطريق على اية عملية للتنمية, او خطة للنهضة, ويستمر البلدان معها في الاختناق داخل هذه الحلقة الجهنمية من البحث عن الامن, وربما يستمر هذا الامر مائة عام او اكثر... جبل الأسرى كان للحوار مع محدثي الكويتي نكهة متميزة بل نادرة, فعندما زرت الكويت الشهر الماضي, التقيت شخصيات عدة: سياسية واقتصادية واعلامية, وكانت قضية الاسرى والمرتهنين من اهل الكويت في سجون صدام حسين مازالت, كما كانت قبل ثمانية اعوام, تحتل محاور القلوب وتفيض غضبا وحزنا وكأنما فعلته هذه السنوات هو أنها حفرت قنوات للحياة اليومية للناس وتركت قضية الاسرى جبلا تدور هذه القنوات من حوله وكلما ازدادت عمقا ازداد الجبل ارتفاعا... وحتى الازمة الاقتصادية الطاحنة كما تصفها افتتاحيات الصحف, والعجز في الموازنة, ومن المتوقع ان يزيد عن خمسة مليارات دولار هذا العام... كل هذا يمكن النقاش حوله, اما قضية الاسرى وهي اكثر وجوه صدام حسين بشاعة, فانها تبقى من المحرمات, فالمساومة حولها خيانة للوطن كما للقلوب والذاكرة... ولكن الحوار مع محدثي الكويتي, وهو شخصية اقتصادية وسياسية واجتماعية بارزة, فقد اندفع منذ البداية, بعفوية مني, وبمحطات مدروسة منه, لا لينبش كوابيس الماضي, بل ليرسم ملامح المستقبل, مستقبل الكويت, كما العراق. الكويتي يستثمر في العراق؟ واسأل محدثي الكويتي باستفزاز هل تقترح اذن دفع تعويضات الحرب عن العراق, كي لا تكون السبب في حرب المائة عام, ولتخفيف المعاناة عن كاهل الاجيال المقبلة من ابناء العراق؟ ويرد: اذن, ماذا نكون قد استفدنا من تجربة الاحتلال, سواء هنا في الكويت او في العراق, ان اسوأ خدمة تقدمها لتاجر اشهر افلاسه هي ان تعيد تمويله صدقني ومن خلال التجربة, ان اخطاءه سوف تكون اكبر, وخطاياه سوف تكون اعظم. يأخذ رشفة من كوب الشاي امامه ويتطلع من النافذة الى البحر, ثم يفجر قنبلته ببساطة وبحماسة واضحة: ان علينا ان نستثمر كل تلك المليارات في العراق, ليس التعويضات فحسب, بل ان نزيد فوقها اننا بالتأكيد لن نستثمر في المدفع والدبابة والصادر في بل في الكومبيوتر والجامعات والمصانع والمزارع, هذا سوف يعود علينا, كما على شعب العراق ليس بالمنافع المادية وحدها, على اهميتها, بل اننا سوف نساعد اي نظام مقبل في العراق على ان يستخدم ابجدية العصر وهي الاقتصاد, بعيدا عن الهرطقة السياسية التي تحدث صاحبها ومن حوله, ان هذا سوف يمنح شعب العراق حماية ليس من الحاكم وحده بل من مشاريع الحكام الباحثين عن الانفصال وهم وحتى اشعار اخر كثيرون ويتزايدون, ولكن الاهم من هذا كله هو أنه سوف يعيد الى الكويت دورا لعبته مدى مائتي عام, وتكاد اليوم تفقده, وهو انها كانت الدولة الرائدة في الخليج على الصعيدين التجاري والاقتصادي حيث كان صاحب السفينة الكويتي في افريقيا كما في الهند قادرا على منافسة العنصر المحلي, رغم انه ارخص واقل كلفة, وكان التجار يدفعون للكويتي, لانهم كانوا يثقون بقدرته وكفاءته... الكويت وحدها ويضيف محدثي الكويتي, الذي جاوز الاربعين من عمره: ان الكويت, ما قبل النفط, كانت قادرة على المنافسة التجارية, من العمق العربي, مرورا بافريقيا, وصولا الى شبه القارة الهندية, وهناك اليوم دول وسط اسيا, من الجمهوريات السوفياتية السابقة, لقد كانت مرفأ مزدهرا تتمتع بنظام خدمات متطور, ولا ابالغ اذا قلت ان الكويت وحدها من بين دول الخليج اليوم هي من يملك قاعدة رئيسية في التجارة. وخبرة تاريخية, لإقامة اقتصاد متطور, يمكن ان ينمو وان يزدهر بعيدا عن المغامرة او المقامرة.. وكأنما قرأ محدثي الكويتي ما يدور بذهني, فقال: انني ابدا لم ادخل في سوق المناخ, ولا في اي مناخ اخر, لم يقم في الاساس الا بتشجيع من عقلية الدولة الريعية التي تكاد تقضي على ما تبقى فينا من عزم اجدادنا وقدرتهم على المنافسة في اسواق العمل على النطاق الاقليمي والعالمي. مبارك الكبير قلت له: اعذرني, ولكنني لا ارى ما يميز الكويت عن سواها من دول الخليج, ويمنحها هذه الميزة في بناء اقتصاد مزدهر... واجاب: اليوم, ربما كان هذا يبدو صحيحا, ولكن اهل الكويت, حتى ما قبل ظهور النفط, كانوا المجتمع الوحيد في الخليج الذي استطاع بناء مؤسسات على الصعد كافة, وخاصة على صعيد الاقتصاد, وكما تعرف فان المؤسسات وليس الافراد هم عماد اية خطة تنموية او نهضة اقتصادية او تعليمية, وربما تستغرب اذا قلت لك انه في عهد الشيخ مبارك الكبير, بلغ الغوص ذروته, حتى سموا عام (1331) للهجرة سنة (الطفحة) اي مجاوزة الحد, وكان للكويت حينئذ اكثر من ثمانمائة سفينة كبيرة وصغيرة كما انه في عام (1901) شارك عشرة الاف مقاتل في معركة (الصريف) التي خاضها الشيخ مبارك ضد خصمه اللدود في ذلك الوقت عبدالعزيز الرشيد في نجد... وهذا الرقم, بمقياس ذلك الزمان, كان يعني شيئا, وكان التجار او القطاع الخاص, كما نسميه اليوم, يلعب دوره الطبيعي في النشاط الاقتصادي, كما في تمويل نفقات السلطة, اما اليوم فان لدينا (246) الف موظف ومستخدم لدى الدولة, كما ان الدولة تسيطر على (99) بالمائة من مساحة الارض و(100) بالمائة من الثروة النفطية, وتملك ما بين (60) الى (74) بالمائة من الشركات المساهمة... وفي هذا كله خلل كبير يشكل خطرا على مجتمعنا ومستقبلنا بقدر ما يشكل اي خطر خارجي, بل يفوقه, اذ ان العدو, عندما يكون في الخارج قد يشكل مرضا, اما عندما يكون في الداخل فانه يشكل وباء, يفترس حقول المناعة.. والمستقبل. صوت العقل ويطول الحوار مع محدثي الكويتي حول مستقبل مشترك للكويت كما للعراق, واذا لم اذكر اسمه فليس السبب بالتأكيد خوفه من تحمل مسؤولية رؤيته وآراءه, بل لانني ببساطة لم استأذنه في نشر اسمه, كما ان (صوت العقل) عندما يعلن عن نفسه فهو لا يحتاج الى هوية شخصية بمقدار ما يحتاج الى روّاد ينظرون الى الماضي كي يفهموا ولكنهم يتطلعون الى المستقبل كي يتقدموا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق