الأربعاء، 25 أبريل 2012

الحلم الفلسطيني يتغيّر والديمقراطية هي العنوان

من الملف السياسي الأسبوعي: حكايات سياسية:التاريخ:

كيف يعيش الناس في ظل السلطة الوطنية في فلسطين, بماذا يحلمون, وكيف تغيرت الحياة.. والاعلام؟ هنا حكايات نذكر بعض اسماء ابطالها, ونغفل اسماء ابطال آخرين حماية لهم . هي فتاة في حوالي السابعة والعشرين من عمرها, تفيض حيوية وحياة, التقيتها في مؤتمر اقتصادي عقد مؤخرا في عاصمة آسيوية, كانت تحرص على ان تنهض في السادسة صباح كل يوم, وطيلة ايام المؤتمر الذي استمر اسبوعا, لتسير مع ثلاثة من زملائها الى موقف الباص وهو ما كان يستغرق حوالي نصف ساعة سيرا على الاقدام, ثم يركب الجميع الباص, ويدفع كل منهم حوالي 60 سنتا, او ما يعادل درهمين, وكانت الرحلة بالباص تستغرق حوالي ثلاثة ارباع الساعة, وتصل المجموعة قبل افتتاح المؤتمر بحوالي خمس عشرة دقيقة.
واسألها: لماذا لا نركب التاكسي الواقف عند باب الفندق؟ وتجيب بابتسامة: اذا تقاسمنا اجرة التاكسي سوف تكون حصة الواحد حوالي دولار و20 سنتا, اي ان الكلفة هكذا تصبح مضاعفة واعلّق قائلا, ولكن السير متعب وتبادل الفتاة ضحكات مع زملائها, وكلهم جاء من ارض السلطة في فلسطين, وتروي: اسمع, انني اقيم في رام الله واعمل في القدس, وفي كل يوم اركب السيارة الى مدخل مدينة القدس. وانزل فيها قبل ان تصل الى الحاجز الاسرائيلي, ومن هناك ابدأ الرحلة سيرا على الاقدام, عبر الحقول ثم الزواريب, واحيانا اضطر الى ان اقبع كالأرنب في احدى الحفر, عندما اشاهد دورية اسرائيلية او مستوطنا مسلحاً, وهكذا الى ان اصل الى مكتبي في المؤسسة العلمية التي اعمل بها, وفي احيان كثيرة يلازمني سوء الحظ, فيراني احد الجنود, ويعيدني الى الحاجز, فإذا كان الفصل صيفا اوقفوني طيلة النهار تحت الشمس واذا كان شتاء, امروني بخلع معطفي واوقفوني تحت المطر, انني اعمل في المؤسسة منذ سنتين, وانا لا أتذمر, وباتت هذه الرحلة اليومية ذهابا وايابا, هي جزء من عملي.. ولعلّ هذا ما يفسر المتعة التي اشعر بها وانا اسير في شوارع هذه المدينة.. ومدى الشعور بالأمن والأمان. لماذا الدخول تسللاً؟ واسأل: لم أفهم, لماذا انت مضطرة ان تدخلي القدس تسللاً او خلسة؟ وتجيب: ان دخول القدس يحتاج الى تصريح اسرائيلي, وعليّ ان احصل على مثل هذا التصريح في كل يوم, وفي ايام كثيرة يرفض الاسرائيليون منحي التصريح, فانا من رام الله ولست من القدس... وتروي الفتاة الفلسطينية: والدي مهندس, امضى حوالي عشرين عاما يعمل في الخليج, متنقلا ما بين الامارات والسعودية وقطر, وهو ما وفر لنا فرصة الدراسة في امريكا, وبعد ان تخرجت عدنا جميعا الى رام الله, وكان قرار والدي اننا نعود كي نستقر ومهما كانت الصعوبات التي سوف تواجهنا.. والحمدلله مازلنا صامدين, وانا اقوم حاليا بتحضير رسالة الدكتوراه, بعد ان انتسبت لاحدى الجامعات البريطانية... والامور بشكل عام ليست سيئة, واشعر يوما بعد يوم, ان جذوري تزداد عمقا داخل أرضي, مع كل شهيد يسقط, وكل شاب يعتقل.. ان فلسطين اليوم هي طريقة حياة, كما يقول اهل امريكا عن بلدهم, والديمقراطية هي العنوان. مع السيّاح الطليان وتضيف الفتاة الفلسطينية ضاحكة: حدث مرة انني ركبت من رام الله في باص يستقله سيّاح ايطاليون واخدوني معهم, وقبل ان تصل الحاجز الاسرائيلي طلبت من السائق ان يتوقف لأغادر الباص, غير ان الايطاليين اصرّوا على ان اتابع الرحلة معهم.. فوافقت بحماسة. وعندما وصلنا الحاجز طلب الجندي أوراقي وتصريح الدخول, ثم اوقفني كالعادة, ولكن السيّاح الايطاليين اعلنوا تضامنهم معي, وغادروا الباص وانتشروا حول الحاجز, وقالوا انهم لن يبارحوا موقعهم من دوني, وبعد اتصالات مع القيادة, تمّ الافراج عني, ولا تسأل عن سعادة السيّاح الطليان.. وأسألها: ما هو موضوع اطروحتك؟ وترد: اخترت لها عنوان: فلسطين واسرائيل: التعايش المستحيل. وتضيف: ما اودّ ان ابرهن عليه هو أن نتانياهو وليس بيريز هو الاسرائيلي الحقيقي, وان التاريخ السياسي للحركة الصهيونية كان ومازال يصنعه المتطرفون, وهو ما يجعل من اليهود شعبا انتحاريا, واغتيال رابين هو محطة فحسب... والمفارقة ان نتانياهو يحقق احلامنا نحن, اننا لا نريدهم, ولا نريد التعايش معهم, نقبلهم كيهود وليس كصهاينة, ان الصهيونية هي نازية جديدة, وكلنا يعرف مصير النازيين.. ... وعلم بالوحدة على اسرائيل هذا ما يقوله الجيل الحالي من الفلسطينيين, زوال الصهيونية هو حلمه, وكي نعرف ابعاد هذا الحلم, نعود ستة عشر عاما الى الوراء, لنبحث عن حلم جيل صار بعضه جزءا من السلطة الوطنية في فلسطين. في عام 1982 اصدر الروائي الاسرائيلي الشهير (آموس أوز) كتابا يحمل عنوان (في ارض اسرائيل) الكتاب عرض وجهة نظر الفلسطينيين في الارض المحتلة, ودافع عن حقوقهم في اقامة دولتهم المستقلة, وهو ما دعا وزير الدفاع الاسرائيلي في ذلك الوقت آربيل شارون ان يطلق على الكاتب نعوتا عدة من بينها (الخائن) . وفي زيارة قام بها (أوز) الى جريدة (الفجر) التي تصدر باللغة العربية من مدينة القدس اجرى حوارات صريحة مع رئيس تحرير الصحيفة زياد ابو زياد, ومع كبير المحررين فيها عطا الله النجار. ومع رئيس القسم الثقافي علي الخليلي (ابو خالد) سأل (اوز) زياد ابو زياد: ما الذي يمكن ان يحدث اذا جاء يوم سار فيه عرفات على خطى السادات, وعرض على اسرائيل السلام والاعتراف المتبادل؟ ورد زياد: حسنا, سوف يحدث انشقاق في العالم العربي, بعضهم سوف يقول: رائع, آخرون سوف يصفون عرفات بانه خائن, وفي الحالتين فإنّ الاغلبية من الفلسطينيين في الارض المحتلة والغالبية من المقاتلين في الخارج سوف يرحبون... ولكن دعني اسألك بالمقابل, ماذا سيحدث في اسرائيل في هذه الحالة؟ ويروي المؤلف: ووجدت نفسي ارد بكلمات زياد نفسها: سوف يحدث انشقاق أو تحدث ازمة كبرى, ثم سألته بعد ذلك: ماذا سيحدث, في تقديرك اذا تمّ تقسيم الأرض بين العرب والاسرائيليين بعد توقيع معاهدة السلام؟ ويرد زياد: حسنا, اسمع, نحن في الواقع العرب والاسرائيليون, مرغمون على ان نتقبل بعضنا, وربما على مدى عشرين الى ثلاثين عاما سوف تقوم الوحدة بين الدولتين. سوف تتعود على العيش المشترك ضمن الاحترام المتبادل. ان الفلسطينيين يشعرون بالمرارة من بعض الدول العربية, لذلك, ربما عندما يتحقق السلام, سوف يقوم نوع من التفاهم, ونصبح في يوم ما دولة واحدة. ويضيف زياد: ولكن, وقبل كل شيء, لابد ان يكون الفلسطينيون احرارا... زياد يعمل اليوم مساعدا للرئيس ياسر عرفات, وهو عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني. نريد دولة ديمقراطية اما في الحوار مع عطا الله نجار, فالمؤلف يسأل: اذا قامت دولة فلسطينية, اية دولة ستكون, مقارنة مع سواها؟ ويرد عطا الله النجار: دولة نموذجية, الدولة التي يجب ان تكون قدوة ومثالا: منفتحة, مستنيرة, ديمقراطية وتقدمية, دولة تكون منارة العرب وبعد كل تلك المعاناة التي عاشها الفلسطينيون, فان اي شيء اقل من هذا لن يكون جيدا ولا كافيا. ويسأل اوز: ولكن ماذا لو تحولت فلسطين الى ديكتاتورية, كما في العراق حاليا؟ ويرد عطا الله: عندئذ سوف اقاتل سوف اقاتل.... لماذا لا تتوحدون مع الاردن؟ اما رئيس القسم الثقافي علي الخليلي فيرى ان هناك حلا مثاليا هو اقرب الى الحلم قيام دولة واحدة تجمع الفلسطينيين والاسرائيليين, وفي المقابل, هناك حل واقعي وهو قيام دولتين منفصلتين, ولعل الحل الواقعي سوف يؤدي بالنتيجة الى الحل المثالي. ويسأله (اوز) ولكن, يا ابا خالد, لماذا هذه السرعة في ان تلقي بنفسك في سرير الاسرائيلي, لماذا لا تكون هناك دولة موحدة مع الاردن مثلا؟. ابو خالد يرد: (اسمع, لقد تعلمنا منكم شيئا, نريد ان نكون مجتمعا منفتحا, تعدديا وديمقراطيا, ولا اعتقد ان شيئا كهذا سوف يتحقق في المستقبل القريب في الاردن..) . ان الليكود الذي كان يحكم في فلسطين بقيادة مناحم بيجن في عام 1982 عاد ليحكم اليوم بقيادة بنيامين نتانياهو. ... ولكن الحلم الفلسطيني تغيّر, وبالتأكيد فان الفتاة الفلسطينية من رام الله هي التجسيد الحي للحلم الفلسطيني. اما الدولة النموذجية المتعددة والديمقراطية فهي ما تجعل من فلسطين طريقة حياة, كما تقول الفتاة من رام الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق