الأربعاء، 4 أبريل 2012

النوم فـي أحضان الملكة أو.. الديكتاتور

 July 2007
سفينة اليزابيث الثانية

هل ترغب بالنوم في أحضان الملكة أم بين ذراعي الديكتاتور. وماذا عن كبسولة أرضية تغفو فيها لساعات قبل أن تبحر مجدداً في الفضاء؟
تلك هي آخر الخيارات التي تطرحها «الصناعة الفندقية» التي تستقطب، عاماً بعد عام، ملايين المسافرين ومليارات الدولارات.

الفنادق، في الأساس، ولاّدة حكايات وحاضنة ذكريات، وأولى الحكايات التي ظهرت في الأدب الغربي كتبها البريطاني «جيو فري تشوسر» تحت عنوان «حكايات كانتربري». المؤلف جمع حكاياته من فنادق ذلك العصر في القرن الرابع عشر، ولم تكن تسمى فنادق بل «نزلاً» أو «خاناتٍ» لأنها كانت تؤوي المسافر مع حصانه؛ تقدم الطعام للمسافر والعلف للحصان، والأمن والأمان للاثنين معاً.
«تشوسر» كان ينتقل من خان إلى خان، يستمع، على ضوء شعلة تتغذى بالزيت، إلى النزلاء، يروون مغامراتهم ويدوّنها بالقصبة والمحبرة، واليوم، وبعد مرور مئات الأعوام مازال العالم يتجوّل في تلك الخانات وهو يقرأ حكايات كانتربري.


المنافسة في تلك العصور الغابرة لم تكن تحتاج إلى «برج العرب» يفاخر أمم الأرض بحسن هندسته، وبذخ أجنحته. طرق القوافل كانت معروفة، في الصحارى والغابات وفي الممرات الجبلية، وكانت المنازل التي تقع على تلك الطرق تتحول إلى «نزل»، ويصير أصحابها من المحترفين يتنافسون على راحة النزيل ودابته، مبيتاً وإطعاماً، وربما اقتنى بعضهم قرداً أو ببغاء أو دبّاً ليقدم عرضاً يكون هو وسيلة الترفيه الوحيدة للمسافرين.

اليوم العصر تغيرّ، طرق القوافل تخترق العالم بأسره، والفنادق لم تعد تعنى فقط براحة ورفاهية المسافرين، بل تتنافس في أن تمنحهم قطعة من الجغرافيا مع جرعة من التاريخ، يصيرون بعدها أبطالاً في حكاية يحملونها إلى أوطانهم، ويروونها لجيرانهم وتبقى معهم لأنهم يختزنونها في ذاكرتهم وليس في بطونهم.

أليس هذا ما تحاوله «الملكة اليزابيث الثانية»، وهي السفينة التي اشترتها «دبي العالمية» لترسو بها في نخلة جميرا وتحوّلها إلى فندق فريد في نوعه، تستحيل منافسته ويصعب استنساخه لأنه النسخة الوحيدة؟

السفينة عابرة للمحطات دارت حول العالم ٢٥ مرة، وقطعت المحيط الأطلسي ٨٠٠ مرة، وحملت ما يزيد على ٢.٥ مليون مسافر. يبلغ طولها ٩٦٤ قدماً وعرضها ١٠٥ أقدام، وتستوعب ١٩٠٠ مسافر مع ١٠٠٠ بحّار. بالطبع إنها أقرب إلى مدينة عائمة، ومنذ أن دشنتها الملكة اليزابيث في عام ١٩٦٧ تحولت إلى درّة السفن العابرة للمحيطات، ومع أنها سفينة سياحية إلاّ أن السيّدة الحديدية مارغريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، استنجدت بها في عام ١٩٨٢ لتتحول إلى ناقلة جنود خلال حرب «الفولكلاند».

تقول شركة كونراد صانعة السفينة: «اليزابيث الثانية سفينة أسطورية واستقرارها في دبي سوف يمنح الأجيال المقبلة فرصة للتعرف إليها وإلى تاريخها البحري”.
حسناً، لن يكون سهلاً على ملايين المسافرين مقاومة الرغبة بالنوم في أحضان الملكة.
الألمانيان دانيال هيلبغ وغيدو ساند يقدمان عرضاً مختلفاً، يكاد يكون نقيضاً لعرض الملكة، لكن يعتمد أيضاً على فتنة الحكاية وسحر التاريخ.

الألمانيان يملكان فندق « أوستل» في برلين الشرقية، وهو فندق قديم يقع قرب جدار برلين قبل أن يتم تحطيمه في عام ١٩٨٩. الفندق في العهد الشيوعي وأيام الرئيس هونيكر، آخر رؤساء ألمانيا الديمقراطية كان يعلق على الحائط ساعات تشير إلى التوقيت في كل من موسكو، وبكين، وهافانا، وبرلين، ومعها صور الرئيس الديكتاتور تزين الغرف، بالإضافة إلى باقة من صور لينين وبريجينيف وماوتسي تونغ وستالين.

الفندق تم تجديده بحيث يحافظ على طابعه في المرحلة الشيوعية القديمة، من الساعات إلى الصور إلى الكتب الماركسية منثورة على الطاولات، ولأن «أوستل» فندق شيوعي فإن أسعاره لاتزيد على ٩ يوروهات لليلة الواحدة، يقضيها النزيل بين ذراعي أحد «الرفاق»، وتحت أنظارهم المطلّة من صورهم فوق الجدران.

المنافس الثالث عملي لايهمه التاريخ بقدر ما تهمه الجغرافيا، والجغرافيا تعني المكان. البريطاني سيمون وودروف جمع ثروة كبيرة عندما أقنع البريطانيين بأن «السمك النيء» المستورد من اليابان هو أفخر وجبة يمكن تناولها، ثم بدأ مغامرة جديدة وهي بناء فنادق على الطريقة اليابانية أيضاً، تضم غرف نوم لايتجاوز حجم الواحدة منها حجم كبسولة تتسع لسرير وشاشة تلفزيون ومرشة استحمام وموصل لجهاز الكومبيوتر، والموقع المفضل لهذه الكبسولات هو المطارات، ويمكن استئجار الكبسولة بالساعة أو بالليلة. والفكرة بالتأكيد ناجحة، فبدل أن يستلقي المسافر على الأرض أو على المقعد تحت أنظار المسافرين بانتظار إقلاع الطائرة يمكن أن يرتاح في كبسولة ولو لساعات.

مطار «غوتويك» البريطاني هو أول مكان شهد تنفيذ الفكرة.. ودبي لن تكون بعيدة.


شوقي رافع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق