الثلاثاء، 6 مارس 2012

تبارك السيد الجسد

السفير/Feb 01, 1996

دخل الزوج قاعة المحكمة يطلب الطلاق من زوجته. قال للقاضي: لم أمانع عندما أصرت زوجتي على أن تجعل شفتيها مكتنزتين. ولكن منذ أن أجرت العملية صار الطعم مختلفا، ولم أعد أعرف ما إذا كنت أقبّل فمها... أو مؤخرتها.
وردت الزوجة: عليك أن تشكر ربك، لأن جرّاح التجميل اقترح عليَّ خيارين: إما استخدام قطعة من المؤخرة أو قطعة من مثانة الخنزير.. واخترت الأولى.
والقضية واقعية تنظر فيها إحدى المحاكم الأميركية.

في الثابت والمتغير قيل إن الجسد هو الثابت بينما الزيّ يتغير، وهذا غير صحيح. منذ فجر التاريخ والانسان »يلعب« بجسده. وعلى جدران هذا الجسد ظهرت رسوم بدائية تحولت الى وشوم تحمي أصحابها من ملوك الظلام. الزي كان في خدمة الجسد، ولكن عبقريا ظهر وأعلن ان الزي هو ما يهم وأن على السيد الجسد ان يخضع له. "المخصرة" هي آلة تم اختراعها في القرون الوسطى، ومهمة هذه الآلة أن تلف الحزام على خصر المرأة الى الحد الذي لا تكون قادرة فيه الا على التنفس. ومثلها "الحذاء الصيني" تنتعله الفتيات من المهد الى اللحد كي تبقى القدم صغيرة. وفي أفريقيا بات "تشطيب" الوجه فن قائم بذاته، أما الشفة السفلى للفتاة فكان يربط بها قرط ثقيل يساعدها أن تتدلى عدة سنتيمترات، وفي جراحة التجميل العصرية. بات الجسد كله قابلاً للتغيير: تغيير لون العينين والشعر، تغليظ أو ترقيق الشفتين، ومثلهما الثديين، شفط شحم البطن وتصغير أو تكبير المؤخرة، وصولا الى بطة الساقين، وانتهاء بالأظافر... وقطع الغيار متوفرة.

* * *
فتاة كتبت إلى برنارد شو »أنا جميلة وأنت ذكي، ماذا لو تزوجنا وأنجبنا أطفالا يحملون ذكاءك وجمالي؟«، وردّ برنارد شو: »لا مانع عندي، ولكنني أخشى أن ننجب أطفالا يحملون ذكاءك و... قبحي«.
»بنوك الحيوانات المنويّة« ومراكز التلقيح الاصطناعي المنتشرة في العالم الصناعي اليوم تطمئن برنارد شو أن الفتاة كانت على حق، وأن باستطاعة المرأة أن تحصل من بنوك التلقيح على سلالات نقية من »صلب« بطل رياضي، أو عالم رياضيات، أو عبقري في الموسيقى... وأن تحسين النسل يصح في الخيول كما في... البشر.
أما علوم الهندسة الوراثية فهي تعدنا بالجنة والجحيم معا: بندورة تقطفها اليوم وتأكلها طازجة بعد خمسة أعوام، وفيل في حجم الكلب يمكن تربيته في بيتك ليلهو به الاطفال و... عبقرية يمكن زرعها في خلايا المخ لتنتج مواسم من الابداع... ولا حاجة لإعادة رواية الدكتور »فرنكشتاين« الذي صنع وحشاً كان هو أول ضحاياه.
... كل حضارة تستحق وحوشها.
* * *
»الموضة« يسهل اللحاق بها إذا اقتصرت على الزي وحده، أما عندما تغزو الجسد: لحما وشحما وعظما فإنها تصير كابوسا، وهنا نموذج: أبو العلاء المعري يصف في »رسالة الغفران« واحدة من الحور العين، فيقول، »كان صدرها مثل كثبان عالج... وإسْتها ميلاً في ميل«. في ذلك الزمان، وحدة القياس الجمالية كانت الكثبان والأميال، فإذا وقعت هذه الحورية بين يدي إيف سان لوران أو كريستيان ديور أو بيار كاردان اليوم، وقرر واحد منهم تسليمها الى جرّاح تجميل ليفصّل جسدها وفق المقاييس العصرية الدارجة فإن خيال المعري نفسه يعجز عن تصور النتيجة.
* * *
كان الزعيم الكوري المحبوب جدا كيم إيل سونغ يحلم أن يجعل من 40 مليون كوري يحكمهم نسخة طبق الأصل عن الزعيم. وقد حقق نجاحا قياسيا في خلق موديل واحد موحد فكرا وسلوكا وثيابا... مع ذلك فإن أجساد الكوريين والكوريات لم تطاوع الزعيم فبقيت مختلفة، وكل جسد يتبع موضته...
ولكن كيم إيل سونغ لم يكن جرّاح تجميل.
... وتبارك دائما السيد الجسد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق