الثلاثاء، 6 مارس 2012

رد على "جمال باشا..سفاحا ومسفوحا".من السفاح مسفوحا إلى عودة المهجرين

السفير/Feb 17, 1996

"كهف الضبع.. هو الاسم المعاصر للتاريخ.المؤرخ الأميركي غاري ناش يقول " إن المدخل الى الثورة الأميركية الثانية هو مراجعة التاريخ.. إذن لا بد أن ندخل كهف الضبع«.. و»أهل الكهف« في اميركا يقاتلون ببسالة، وهم وضعوا "دليلاً" لتعليم التاريخ أقام عليهم دنيا الضباع ولم يقعدها بعد.
زميلنا جهاد الزين، بدوره، يوجه دعوة مفتوحة للدخول الى »كهف الضبع« يقول في تعليق عن »جمال باشا: سفاحاً ومسفوحاً« »السفير« 7 الشهرالجاري »ان مراجعة الذاكرة التاريخية في الثقافة المعاصرة تمس مباشرة الأسس التي يرتكز عليها الفكر السياسي العربي الحديث«، ويقتنص الزميل الزين المسلسل التاريخي »أخوة التراب
« الشعبي في سوريا والممنوع في الكويت. ليطرح »السؤال التاريخي الجاد وهو: هل كان بإمكان الدولة العثمانية أن تتسامح سياسياً مع شخصيات مهتمة بالاتصال بدولة أجنبية، وكانت هذه الدولة على حرب ضارية معها خلال تلك الفترة هما فرنسا وانكلترا؟ وأين هي هذه الدولة في التاريخ الحديث والقديم التي يتسامح أمنها السياسي مع اتصالات مع العدو خلال الحرب؟
«. 
والسؤال، رغم صيغة الاستفهام، يقترح الاجابة، وهو دعوة معلنة للدخول الى »كهف الضبع« لمراجعة التاريخ، أو لاعادة كتابته، وهي مهمة مشتركة بين الصحافي والمؤرخ. على ما يؤكده البروفسور الأميركي »دونالد شرايفر« في دراسة تحمل عنوان »الإعلاميون والذاكرة الديموقراطية«.
. ومن هنا يمكن فهم »ثورة الضباع« التي دفعت السيد الأمين للكتابة في مقدمته »وإذا رأى القارئ في ما نقدمه إليه شيئاً غير مألوف لما في ذهنه عن صلاح الدين، فهو لن يرى غير حقائق مدعومة بالنصوص التاريخية المدونة في أمهات كتب التاريخ، وفي نصوص لم يستطيع كل الذين ردّوا علينا أن ينقضوا منها شيئاً، وكل ما فعلوه ان راحوا يجترّون تعابير طال اجترارها، وأن يلجأوا الى التهويش والتهويل والشتائم«.
... ومحنة السيد الأمين واضحة فهو يدخل »كهف الضبع« وحيداً
.
المؤرخ الأميركي غاري ناش هو أقرب ما يكون إلى صياد، متخصص بترويض الضباع. إدارة الرئيس الأميركي الجمهوري جورج بوش كلفته وضع »دليل« لتعليم التاريخ للطلاب، بداية من المرحلة الإعدادية وانتهاء بالمرحلة الثانوية. قبل ناش المهمة تمهيداً لما أسماه »الثورة الأميركية الثانية
«، وعلى مدى عامين ونصف العام، وبمساعدة ما يزيد عن 35 منظمة أميركية للتربية والتعليم، بينها »فيدرالية المعلمين« و»المنظمة القومية للتربية« عمل ناش على »مراجعة« التاريخ، ثم أصدر في عهد الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون دليله، وهو يقع في 271 صفحة.. وتناوبت عليه أنياب »المحافظين
«.
»ارموه في التواليت واسحبوا الماء.. هذا ما يستحقه« أطلقها »المدفع« الجمهوري »راش ليمباخ« على الهواء، ونقلتها عشرات الاذاعات وشبكات التلفزيون. آخرن رأوا في »الدليل« مؤامرة تقودها مجموعة سرية ضد الآباء المؤسسين »لأميركا« أولئك الرواد الملهمين الذين يتجددون فينا جيلاً بعد جيل
«.
يسأل ناش في دليله »لماذا تطلق على الرئيس لينكولن لقب »محرر العبيد
« بينما هو في »اعلان التحرير« يمنح الشرعية لاسترقاق عشرات الألوف من الأقارقة، باعتبارهم خارج الفيدرالية؟
«.
وفي السياق نفسه، وكما يشير خصومه، فانه لا يعتّم على السلبيات، فهو يذكر حركة »كوكلكس كلان« العقيدية 17 مرة، ويتحدث عن السناتور جوزف ماكارثي وعن الماكارثية التي خنقت حرية الفكر في أميركا تحت شعار مكافحة الشيوعية 19 مرة
.
أما في أميركا الراهنة، فهو يسأل: كان الناطق باسم البرلمان
»تيب أونيل« يصف الرئيس رونالد ريغان بأنه »رجل مباحث... ولكنه مع ابتسامة«، وانه
»قائد شجاع للأنانية« هل هذا الوصف صحيح أم خطأ. لماذا؟
يقول ناش: نريد في كل صف للطلاب ان تعقد محاكمة، وأن يستنتج الطالب بنفسه الخطأ من الصواب
«.
ولعل اللجان المكلفة بوضع كتاب موحد للتاريخ في لبنان تستفيد من تجربتي »صياد الضياع« الأميركي وكتاب السيد الأمين
.
... ومن المؤرخ الى الاعلامي، تصبح مراجعة التاريخ أكثر إلحاحاً... لأنها تؤسس للقتل أو تلغيه، وتفتح بوابة الحرب أو تقفلها
.
البروفيسور في كلية الإعلام في جامعة كولامبيا الأميركية دونالد شرايفر يروي في مطلع دراسته عن الذاكرة الديموقراطية، أن مراسلاَ لشبكة »اي.بي.سي« التلفزيونية، سأل مقاتلاً صربياً، أثناء جولة على خطوط القتال: لماذا أنتم في حالة حرب مع مسلمي البوسنة؟ ورد المقاتل الصربي: بسبب ما فعلوه بنا في كوزوفو«. ويعلق شرايفر: معركة كوزوفو وقعت عام 1389، وبعد مرور ما يزيد عن 600 عام فانها ما زالت تتجدد. لماذ؟
الإجابة يمكن اختيارها كالتالي: حتى الآن كان »التناسي« هو الطريق الى »التسامح السياسي
« وبالتالي الى الغفران. وهذا خطأ. فالحروب تتجدد وتستمد وقودها من مخزون تاريخي »أحادي الجانب »لا يعرف النسيان« بيرل هاريدر في مواجهة هيروشيما... ولا أحد يعتذر. أما كل الذي يعتقد البروفيسور »شرايفر« أن وسائل الاعلام قادرة على المساهمة فيه بفعالية »باعتبار انها تكتب المسودة الأولى من التاريخ« فهو »الذاكرة الديموقراطية«، وهذه »الذاكرة« لا بد لها أن تدخل في تفاصيل بيرل هاريدر كما في تفاصيل هيروشيما، وأن تحكي عن تاريخ الرقيق وحركة الحقوق المدنية للسود كما تحكي عن انجازات الرجل الأبيض، ولا بد أن تعترف مع الهندي الأحمر أن كولومبوس لم يكتشف أميركا ولكنه غزاها
.
إذن... النسيان ممنوع. هذا اولاً، وثانياً ان علينا ان نعيد مراجعة التاريخ »وأن ننظر الى انفسنا كما يرانا الآخرون«، وثالثاً أن تلغي مقولات من نوع »في زمن الحرب ليس هناك خطأ وصواب... ووطني دائماً على حق«.. ان الديموقراطية تستدعي وطنية من نوع مختلف لا تخجل ان تقول »عندما يكون هناك خطأ، الآن أو في زمن مضى، دعوا قادة أمتي يعترفون أنه خطأ... والإعلاميون قادرون دائماً على المساعدة كي نتعلم أن نعترف
...«.
وكل هذا يصل بنا الى عودة المهجرين المسيحيين الى الجبل، وبالذات الى بلدة كفرمتى وجوارها، وهي شهدت مذبحة بشعة للمدنيين الدروز
.
في اجتماع شعبي، عقد العام الماضي في مقام »السيد عبدالله التنوخي« في بلدة عبيه، قضاء عاليه، بدعوة من وزير شؤون المهجرين وليد جنبلاط، تعاقب على الكلام عدد من »المشايخ« فأسهبوا في الحديث عن المجازر التي ارتكبتها الميليشيات المسيحية وأخذت الحماسة أحدهم، فقال: إن عودتهم المسيحيين تعني أن علينا أن نبدأ تعليم أبنائنا كي يستعدوا للجولة الثالثة (الأولى عام 1860 كما قال
).
الوزير جنبلاط استهل كلمته قائلاً: على حد علمي »أننا لم نقصر في بعضنا هم قتلوا ونحن قتلنا« ثم التفت الى الشيخ الخطيب، وأضاف: يا شيخنا.. أليس أنت من أخبرني أننا لم نوفر أطفالهم في دير القمر عام 1860؟
«.
... والدعوة الى »كهف الضبع« مفتوحة
.

نبدأ بالمؤرخ: السيد حسن الأمين في كتابه عن »صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين«، منشورات دار الجديد، يجمع عظام الضحايا ويعيد تشكيلها ليكشف أن بطل »معركة حطين« ومحرر القدس كان »متعاوناً« مع الصليبيين ان لم يمكن عميلاً لهم(!). الذاكرة التاريخية عن صلاح الدين ليست ماضياً، إنها حاضر في الفكر السياسي والعسكري وفي آلاف القصائد التي لم يجد واصفوها ما يمدحون به قادة الأمة اليوم أكثر من تشبيههم بصلاح الدين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق