الاثنين، 27 فبراير 2012

دعوة للعشق العظيم


مجلة العربي، الثلاثاء 1 فبراير 1994  20/8/1414هـ /العدد 423
الحب في زمن الإيدز
           "السياحة الجنسية" حصدت في العقد الماضي 14 مليون ضحية، وفي العام 2000 أي بعد 6 سنوات، سوف يرتفع العدد إلى 120 مليون ضحية، "الإيدز" هو الوكيل المعتمد لهذه السياحة الجنسية، في الداخل كما في الخارج. عذاب الإيدز ربما لا يقل هولا عما يروى عن عذاب القبر، مع ذلك فإن الاجتياح المهلك لا يتوقف، فهل يمكن لقيم العاشق العظيم أن تمنع أزاهير الشر من التهام حدائق القلوب المتفتحة على الحب؟ هنا بعض الإجابة.
          ضحك الساقي خلف البار وهو يراقب جموع الراقصين والراقصات في ليلة السبت، قال: هل ترى هذا الصندوق هناك عند باب الخروج وهل ترى حجم اللافتة التي تعلن عن البضاعة داخله؟ حسنا.. لقد وضعنا هذا الصندوق في ذلك المكان منذ عام، وهل تعلم كم زبونا استخدمه طوال هذا العام؟ زبون واحد فقط، وقد استخدمه بالغلط، وأقسم بالسماء على ذلك، فقد جاءني ذلك الزبون الثمل يصرخ في مرارة أنه وضع جنيها في فتحة الصندوق على أمل أن يحصل على علبة سجائر، وليس على علبة من "الكوندوم" اللعين (!).
          و"الكوندوم " هو "العازل" الذي اقترحت حكومة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا تزويد جميع الحانات وعلب الليل به، في حملة ضد "الإيدز" وصلت نفقاتها إلى 8 ملايين جنيه إسترليني.
          ويقول الساقى خلف البار في تحقيق نشرته صحيفة "صانداي تايمز" البريطانية: "أعتقد أن هؤلاء الشبان لا يهتمون على الإطلاق بل إنهم في جنونهم المدوي يرون الجسد الفتى وليس الإيدز، ومع ذلك الجسد يودون لو يمارسون الحب.. وحتى الموت".
          نعيش اليوم وفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية مع 14 مليون مصاب بمرض فقدان المناعة المكتسبة "الإيدز"، وفي نهاية هذا القرن أي بعد 6 سنوات، سوف يرتفع العدد إلى 40 مليون مصاب، غير أن إحصاءات أخرى تبدو أقل تفاؤلا، ترفع العدد استنادا إلى وقائع ثابتة إلى 120 مليون مصاب، والإصابة بفيروس الإيدز تأتي غالبا نتيجة للعلاقات الجنسية أو لممارسة الحب، وفق القاموس الغربي، مع ذلك لا يبدو أن العشاق في طريقهم لتغيير عادات الحب وتقاليده، كيف؟.
          هنا بعض الحكايات والأرقام و.. السوابق.
          صرخت المرأة العجوز في " السوبر ماركت ": " أقسم بالله أنني شاهدته، كان يبصق فوق صندوق الكرز، وكان الرذاذ يتناثر فوق صناديق الفواكه، لم يبصق مرة واحدة بل أكثر، شاهدته بعيني، كان "يتفل " ثم يجمع ريقه مرة أخرى و"يتفل".. إنه لا شك مصاب بالإيدز.. وهو يريد أن ينقل المرض لأكبر عدد من الناس..".
          هذه واحدة من الحكايات "الواقعية" التي تناولتها وسائل الإعلام الأمريكية في عام 1981 ومع بداية اكتشاف مرض "الإيدز"، الذي تحول إلى عصاب يجتاح المجتمع الأمريكي، ومثلها رواية أخرى عن عاملة على صندوق النقد في أحد محلات بيع الثياب، فقد تقدمت فتاة شابة ودفعت للعاملة ورقة من فئة 10 دولارات ولكن ما أن لامست ورقة النقود يد العاملة حتى ألقتها وهي تصرخ بذعر: إنها مبتلة، لا بد أنها موبوءة بالإيدز. وركضت العاملة إلى الحمام كى تغسل يديها.
          وفي تلك المرحلة لم يبخل أحد المزارعين أن يطرح على قراء صحيفة "واشنطن بوست " حكمة الأجداد في التعامل مع هذا المرض، فكتب للصحيفة يقول: "كان أجدادي يلقون بمرضى الطاعون في محلول الكلس وهو يغلي، حسنا، إنهم لم يكونوا يملكون بنادق في ذلك الوقت، وأعتقد أن تسديد رصاصة إلى رأس المصاب بالإيدز هو خير علاج لإنقاذ أمريكا من هذا الوباء".
          بالطبع، في تلك المرحلة البدائية للمرض، كان "الشذوذ الجنسي" لدى الذكور هو المتهم الرئيسي في ظهور الإيدز، وهذا ما أدى بالمنظمات النسائية إلى الدعوة لإنشاء أحواض سباحة خاصة بالنساء، ولكن كما تبين فيما بعد فإن التواصل الجنسي بكل أنواعه يكفى لتسلل الفيروس إلى جسد الضحية، وبلغت حبكة هذا الفيروس قمتها في شباط (فبراير) عام 1985 عندما انفجرت فضيحة ميلر الأمريكي وسفيتلانا السوفييتية، حيث تبين أن ريتشارد ميلر وهو يعمل في مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي منذ 20 عاما قد وقع في هوى "سفيتلانا" العميلة لجهاز "كي. جي. بي"، وكان يزودها بمعلومات غاية في السرية عن جهاز الجاسوسية المضادة الأمريكي ووثائق سرية أخرى يلحق الكشف عنها أقصى الضرر بالأمن القومي الأمريكي، ومع أنه لم يرد أي ذكر لمرض "الإيدز" في الفضيحة، إلا أن وسائل الإعلام الشعبية تناقلت وعلى نطاق واسع واستنادا إلى مصادر استخباراتية أن جهاز الـ"كي. جي. بي" يستخدم "عميلات" من أوربا الشرقية ومن دول العالم الثالث مصابات بالإيدز، ولقد لقيت هذه الحكاية رواجا واسعا، وانصب الحقد بشكل أساسى على السود والملونين وبالتالي لم تعد "الخيانة الزوجية" كما في فضيحة ميلر مسألة شخصية بل ارتفعت إلى مستوى الخيانة الوطنية... ورغم آلاف الدراسات والحملات الإعلامية فقد تابع فيروس " الإيدز" غزواته، وحافظ العشاق على طقوسهم في ممارسة الحب.. حتى الموت..
اجتياح آسيا
          "الطفرة المقبلة في آسيا: انفجار الإيدز" تحت هذا العنوان نقلت صحيفة "هيرالد تريبيون" الدولية يوم 3 ديسمبر الماضي تقريرا على صفحتها الأولى وضعه "بنك التنمية الآسيوي" يحذر فيه من أن قارة آسيا وليس إفريقيا، هي من سوف ينال حصة الأسد من مرض الإيدز، حيث من المتوقع أن يحصد مع حلول العام 2000 حوالي نصف عدد الضحايا المتوقعة في أنحاء العالم كله.
          تقرير الصحيفة كشف أن تايلاند هي "عين الإعصار" المقبل من آسيا، فعدد السكان فيها هو 59 مليون نسمة، أما عدد الإصابات "المعلنة" فيصل إلى 600 ألف مصاب، ويعلق خبير تايلاندي بارز: "إن معظم دول آسيا مع الأسف ما زال غارقا في سبات عميق، بعضها يحاول الإنكار وبعضها يكذب متعمدا حول عدد المصابين " ويضيف تقرير رسمي وضعته وزارة الصحة التايلاندية: "مع نهاية هذا القرن يمكن أن يتصدر ضحايا الإيدز قائمة الوفيات في البلاد كلها". ويقول تقرير الصحيفة إن ما يزيد الصورة بشاعة هو "السياحة الجنسية" في البلاد، حيث تنتشر "دعارة الأطفال" وهذه أيضا يتم تصديرها إلى الخارج عبر شبكات "الجريمة المنظمة" التي تزدهر أعمالها نتيجة للفساد الإداري في أجهزة الدولة المكلفة بحماية الصحة العامة، ونتيجة لكل هذا لم يجد اثنان من الباحثين في الإيدز غضاضة في الكتابة إلى صحيفة "بانكوك" محذرين: "إن المخاطرة العظمى التي تواجهها المرأة في تايلاند اليوم هي أن تلتقط فيروس الإيدز عندما.. تتزوج" (!) في إشارة واضحة إلى نشاط الشبان الذكور قبل الزواج.
          إن واحدا من بين كل 100 مواطن في تايلاند مصاب بالإيدز، ولكن ماذا عن مليارات آسيا الأخرى؟ الجواب ربما يصل متأخرا لأن الحكومات، للمحافظة على السياحة وتصدير العمالة و.. الكبرياء القومي ما زالت تكذب متعمدة.
المرض السري
          وليست الحكومات وحدها هي من تكذب، فالإيدز في القناعة الشعبية هو مرض جنسي، وكل ما يدخل في باب الجنس يصبح محرما حتى في الغرب، رغم كل مظاهر "قلة الحياء". ففي بريطانيا مثلا يقول الدكتور بيل دولمان نجم البرنامج الإذاعي الشهير "طبيب على الهاتف": "إن المشاكل الجنسية تقع وتتطور غالبا لأن أصحابها يخجلون من الكشف عنها لطبيبهم "، وفي كتاب يحمل عنوان البرنامج نفسه يطرح الطبيب نماذج من الأسئلة التي يسألها المصاب الخجول، وهنا بعضها:
  • كيف أستطيع الوصول إلى عيادة الحميات الجنسية، هل هناك عناوين محددة، فأنا لا أرغب أن أطرح هذا الموضوع مع طبيبي؟.
  • لقد فقدت زوجتي أخيرا رغبتها الجنسية، وهي تقول لي إن باستطاعتي البحث عن علاقات جنسية خارج المنزل.. ماذا أفعل وكيف يمكنني أن أتجنب الإصابة بالإيدز إذا حققت رغبتها؟.
  • كنت متبرعا دائما بالدم، ولكن بعد انتشار الإيدز سوف أتوقف، أخشى من أن العدوى قد تنتقل إلي.
  • مارست الجنس خلال زيارة لإفريقيا، وأنا خائف أن أقوم بالتشخيص، هل تعتقد أن العدوى محتومة؟.
  • ماذا يحدث إذا ذهبت إلى عيادة الأمراض الجنسية، هل السرية مكفولة وهل يحق للطبيب أن "يبلّغ " عني إذا كنت مصابا بالإيدز؟.
          ومثل هذه الأسئلة عبرت عنها سيدة كهلة في ألمانيا، بعد أن انفجرت أخيرا كارثة الدم الملوث بالإيدز، وقد تم توزيعه على المرضى في ألمانيا وخارجها، المرأة العجوز رفضت الذهاب للمستشفى كي تعرف إذا كانت تحمل "الإيدز"، بعد ذلك قالت لأحد الباحثين: هل تعتقد أن أولادي وأحفادي سوف يتحملون وجودي معهم في المنزل، إذا تبين أنني حاملة لفيروس "الإيدز"؟.
          هذا في الغرب، أما في الشرق فإن الإصابة بالإيدز ما زالت فضيحة مدوية حتى وإن جاءت عبر نقل الدم الملوث، وهي فضيحة تدفع بالأسرة كلها وليس بالمريض وحده إلى سراديب المنبوذين، وهي سراديب يتزايد عدد سكانها يوما بعد يوم ولكن بسرية تامة (!).
الحب على الطريقة البريطانية
          ولم تعد اللذة الفردية وحدها هى طريق الإيدز إلى الضحية، فبعد مرور عقد من الزمن على تحديد مواصفات فيروسات المرض، على أيدي مجموعة من الباحثين الفرنسيين (1984) فإن المجتمعات البشرية سواء في العالم الصناعي الغربي أو في العالم المتخلف وخاصة في إفريقيا تبدو وكأنها تعمل وفق نمط جماعي يساعد على انتشار الإيدز.
          ولنأخذ بريطانيا مثلا، حيث تقول الإحصاءات إن 17 بالمائة من العائلات البريطانية "أحادية" أي تعتمد على الأم فقط، وأن واحدة من بين كل 5 أمهات في بريطانيا تحت سن 24 سنة تعيش وحيدة، أي من دون زوج، وأن 50 طفلا من بين كل 100 طفل ملوّن يولدون غير شرعيين، أي مجهولي الأب، وهذه الإحصاءات تكشف عن بيئة جماعية للحب، تجعل التواصل الجنسي خارج نطاق الأسرة سلوكا طبيعيا تنتج عنه مؤسسات اجتماعية تتلقى معونات من الحكومة تساعدها على متابعة خياراتها في الحب والجنس بعيدا عن مؤسسة الزواج التقليدية، وهذه المشاعية في الحب التى يمكن أن يسميها البعض إباحية، هي أمر واقع وظاهرة اجتماعية تتنامى في العالم الصناعي "الغني"، كما تتنامى في المجتمع المتخلف "الفقير" لأسباب متباينة، ولكنها في الحالتين تجعل من عالمنا المعاصر قرية صغيرة ملغومة بالإيدز.
الإيدز قادم والإسلام هو المنقذ
          "الإيدز قادم.. لا محالة" يقولها الدكتور عبدالرحمن العوضي وزير الدولة السابق لشئون مجلس الوزراء في الكويت، ويرسم في مقال مرعب تناقلته وسائل الإعلام في دول الخليج العربية صورة لإفريقيا هي أقرب إلى "سدوم وعامورة" حيث الوباء يضرب بالجملة، والمدن مهددة بالفناء، والموت يزحف على خطى تجارة الفحشاء التي تزدهر مع الازدحام وقلة المصادر، ويؤكد العوضي: "إن الفيروس قد أصبح أليفا بيننا، وبدأ ينتشر بصورة مفزعة جدا في جميع أقطار العالم، والخوف هو من وقوع الشباب الطائش فريسة لهذا الفيروس الخطير عن طريق الزلل، في طريق الرذيلة" "حيث إن 90 بالمائة من حالات المرض تقع بسبب العلاقات الجنسية"، ويرى العوضي: "إننا محظوظون، فنحن نعيش في المجتمع الإسلامي الذي لا يزال المسلمون يأخذون من تعاليم دينهم ومن أوامره ونواهيه الحكم لكي يتدبروا شئون حياتهم، في حين أن المجتمع الغربي قد ابتعد عن الدين ولا يعرف معنى القيم، ولا معنى العيب، ولا معنى الحرام والحلال".
          " ويستنتج الدكتور العوضي أن "هذا هو السبب الذي جعل انتشار هذا المرض في المجتمعات الإسلامية ما زال أقل نسبيا من المجتمعات غير المرتبطة بالإسلام.. وقلة الإصابة في الدول الإسلامية تؤكد أن حكم الدين على الأرض هو الحكم السليم.. وباتباع تعاليمه والابتعاد عن الرذيلة سنحمي مجتمعنا من هذا الطاعون الخطير".
          الدين إذن هو الحصن والملاذ والقلعة لمواجهة هذا الطاعون شرط ألا يعتمد على "الحظر والقانون والحبس" كما يقول الدكتور العوضي بل على التوعية، وفي هذا يتفق معه كثيرون.
          حزب المحافظين في بريطانيا يطرح قيما علمانية لأسباب لا صلة مباشرة لها بالإيدز، ولكنها تؤدي إلى الأهداف نفسها والتي يسعى أصحاب العودة إلى قيم الإسلام لتحقيقها، فرئيس الحكومة البريطانية جون ميجور وقطاع كبير من قيادات حزبه بدأوا يطرحون وفق تعليق لمجلة "الايكونوميست " في نوفمبر الماضي العودة إلى الأساسيات أو الأصول، من نوع: قيم العائلة والمسئولية الفردية، ومكافحة الجريمة وسواها، والهدف هو تقليص النفقات التي تدفعها الحكومة في دولة الرعاية، ويعتقد بعضهم أن المواطن البريطاني لا يدفع الضرائب "لتمويل إنجاب طفل ينكره أبوه" ويستشهد هؤلاء بالخبير الأمريكي في شئون دولة الرعاية تشارلز موراي الذي يقول "إن اللاشرعية هي أخطر وأهم مشكلة في عصرنا"، ويقترح تقليص المساعدة للأم التي تنجب طفلا من أب مجهول "لأن الطفل هو من يحتاج إلى مساعدتنا وليس الأم"، ولكن في مواجهة هذا التيار يقوم في حزب المحافظين تيار آخر يعتبر أن المواجهة هى "بين الحرية والسلطة، ولا يمكن للسلطة أن تحدد للأفراد نوع العلاقات وطريق الحب التي يسلكونها".
          وإذا كان هناك من يرى أن حرية اختيار العلاقة قد تفتح المجال واسعا لتفكيك الأسرة التقليدية، وبالتالي إزالة أحد السدود الرئيسية في مواجهة طوفان الإيدز فإن هذا الحوار الذي يدور في بريطانيا وفي أمريكا، بعيدا عن فوّهة البندقية وعبر المؤسسات التمثيلية، ربما يؤدي للعودة إلى "قيم العائلة" باعتبارها حصن العافية القادر على ضبط انتشار "الإيدز"، وفي هذا يلتقي المتحاورون في الغرب كما في الشرق، رغم اختلاف المذاهب الدينية والسياسية على حد أدنى لمواجهة الطاعون الجديد ولكن مع تسجيل هذه المفارقة السوداء وهى أن الفتاة في بريطانيا تحصل على منزل فور أن تضع طفلاً غير شرعي، أما في مصر فإن الشاب يضطر إلى ممارسة الحب الحرام لأنه لا يستطيع توفير منزل يأوي إليه مع الحلال.
"عازل" بالألوان
          التكنولوجيا الغربية بدورها تترافق جهودها مع هذه الحملة العالمية لمكافحة الإيدز بداية من "الكوندوم" أو "العازل" حيث تتنافس الشركات على تحويله إلى "لعبة" للذكور وليس أداة طبية، فتطلق عليه أسماء محببة كما تنتجه بألوان مختلفة، بل أكثر من ذلك فقد روت صديقة جامعية تدرس في أمريكا أن المحاضر في إحدى حصص الاجتماعيات دخل الصف مرة وهو يحمل علبة من "العوازل" الملونة، وبدأ يعرض على الحضور رائحة كل منها، لأن الشركة المنتجة جعلتها بروائح الفواكه: كرز وفريز ومانجو وخوخ.. وعندما لاحظ المحاضر حياء الصديقة العربية، قال: "بالتأكيد ليس في تعليم هذه الأشياء ما يدعو إلى السرور، ولكن في مواجهة الإيدز لا بد من المحافظة على المجتمع والناس أولا، ثم فيما بعد نستطيع أن نبني قيمهم الأخلاقية، فالأخلاق كما الأديان شرطها وجود المجتمعات والناس، وفي حال فنائهم.. فلا أخلاق ولا دين".
          وفي هذا السياق يؤكد الطبيب البريطاني بيل دولمان أن استخدام "العازل" قادر على الوقاية من الإيدز بنسبة تصل إلى مائة في المائة.
          أما أبرز اجتهادات التكنولوجيا الغربية في هذا المجال حتى الآن فقد اقترحته مجلة "ألومني" العلمية الأمريكية في تقرير نشرته عاى حلقتين، ط تحدثت فيه عن "كرسي" يتصل بمجموعة من الأزرار، وهو قادر على حل المشاكل الجنسية بطريقة صحية، وقد استدعت زوجين أحدهما يشكو البرود الجنسى، لتجربته، فجلس أحدهما على الكرسي بينما قام الأخر بالضغط على الأزرار، ومع كل ضغطة على الزر كانت النشوة تتصاعد لدى الجالس على الكرسي، إلى أن بلغ الذروة، واتفق الزوجان على أن العلاقة بين "زر وزر كانت أنجح من العلاقة بين جسد وجسد لأنها محسوبة ولا مجال فيها للخطأ.. أو للعدوى".
          تلك كانت البداية، ثم قامت المجلة بعقد ندوة لمجموعة من الضباط الذين حاربوا في فيتنام، وبعد أن اطلعوا على "مواهب الكرسي" اتفقوا على أنه لو توافر مثل هذا الكرسي بأعداد كافية للقوات الأمريكية المحاربة في فيتنام لوفرت على هذه القوات الكثير من المشاكل بدءا من الأمراض التي حملها أولئك المحاربون نتيجة لعلاقاتهم الجنسية وانتهاء بعشرات الآلاف من الأطفال غير الشرعيين الذين ما زالوا يتوافدون حتى اليوم إلى الولايات المتحدة بحثا عن آبائهم (!).
          وبالطبع تبدو فكرة هذا "الحب التكنولوجي" أقرب إلى الجنون، ولكن عندما قامت الولايات المتحدة بعملية تبديل لقواتها في كينيا ويبلغ عددها 5 آلاف عنصر، كان أول ما فعلته هو تزويدهم بكميات من "العازل" بعد الانتشار الواسع لمرض الإيدز في كينيا، وهو ما دفع صحيفة "واشنطن بوست " أن تختار لهذا الخبر عنوانا مميزا وهو "جنود الكوندوم "، ولعل الكرسي في هذه الحالة يبدو أقل خطرا وأكثر رحمة.. (!).
قيم العاشق العظيم
          يقول الروائي غابرييل غارسيا ماركيز في رواية "الحب في زمن الكوليرا": "لقد عاشا معا فترة من الزمن تكفي ليعرف كل منهما أن الحب كان دائماً هو الحب في أي زمان وفي أي مكان، وأن هذا الحب يزداد صلابة كلما اقترب من الموت "، وبالتأكيد لم يكن ماركيز يحلم يوما أن الحب الذي كرسه منقذا من الكوليرا، وانتصارا على الزمن والموت، سوف يتحول مع انفجار الإيدز إلى كهوف تخنق المحبين، ولا يبقى على جدرانها الرطبة من آثارهم سوى الفيروس والموت، ولكن هل هم محبون وعشاق فعلا؟ لقد انتظر العاشق في زمن الكوليرا واحدا وخمسين عاما وتسعة أشهر وأربعة أيام قبل أن يتواصل مع حبيبته، ولعل تنمية قيم العاشق العظيم في روح الشباب، وكلهم عاشق، هو ما يعيد للحب انتصاره في زمن الإيدز.
الجامعات والإيدز
          طلبت وزارة الصحة الإيطالية من الجامعات الكاثوليكية تعميم أخطار الإيدز على الطلاب فيها، وقالت في رسالة إلى المجلس الأعلى لهذه الجامعات.. "خير للإيدز أن يدخل عن طريق أفكار الأستاذ إلى الجامعة، لأنه إذا لم يفعل، فإنه سوف يدخل عن طريق أجساد الطلاب.. والفرق واضح"
درهم وقاية.. ولكن
          فرضت عدة دول في الخليج العربي على العائدين من تايلاند الخضوع لفحص طبي يكشف عن خلو العائد من مرض الإيدز، كما فرضت دولة الإمارات العربية المتحدة من العمالة الوافدة الحصول على شهادة خلو من الإيدز قبل الحصول على الإقامة، ويتم عادة تسفير الوافد في حال تبين أنه مصاب بالإيدز، ومع ذلك يروي أحد ضباط الشرطة في دولة خليجية أن صاحب مقهى من تنزانيا يحمل فيروس الإيدز تم تسفيره، حيث رافقه الضابط نفسه إلى المطار، ولكن الضابط فوجئ بعد أسبوع، وهو يمر أمام المقهى بوجود التنزاني داخله، وبعد التحقيق تبين أن المصاب حصل على جواز سفر جديد و.. عاد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق