الاثنين، 27 فبراير 2012

الجبهات الأمريكية تشهد آخر الفصول أرتفاع وسقوط حضارة الذكر!

مجلة العربي، الخميس 1 ديسمبر 1994  28/6/1415هـ / العدد 433
"ارتفـاع وسقـوط حضـارة الـذكـر" هـو الصيحـة التي تتكـرر على جميع الجبهـات الاجتماعيـة والاقتصـاديـة والسيـاسيـة في المجتمع الأمـريكي. ومن واشنطن تأتينـا أصـداء هـذه المعـركـة التي من الـواضح أنها سـوف تنتهي بهزيمـة الـذكـر.

           السيدة نانسي ريغان، زوجة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، كانت ضيفة الشرف في الندوة التي أقـامتها الشهر الماضي جامعة "جورجتاون" في واشنطن تحت عنـوان "دور السيدة الأولى" قـالت السيدة نانسي إنها لم تكن تتدخل في القضايا السياسية "فـالسياسة كانت من اختصاص الرئيس" وفي نهاية الندوة طرح أحد المدعوين السؤال التالي:
          هل يمكن أن تتصـوري أن يـدخل البيت الأبيض رئيس عازب أي من دون سيدة أولى؟.
           - صعب، ليـس مـن السهل على الرجل أن يكون "متوازنا" من غير أن يتزوج!.
          إذن، فإن السيدة الأولى هي بطاقـة المرور إلى البيت الأبيض، وهي صمام الأمان الذي يحفظ توازن الرئيس ويمنع "الخلل" في صنع القرار السياسي.
          وهذا "التـواضع " في تعريف مهمات السيدة الأولى يبتعد كثيرا عن الواقع، فـالسيدة نانسي كـانت هي المسئولة عن طرد وزير الخارجية الجنرال الكساندر هيغ من وزارة الخارجيـة "لأنـه كـان يستهين بمـراسيم البروتوكول " التي كـانت تضعها السيدة الأولى، كـما أن نانسي، كـانت هي "المفتاح" إلى قلب الرئيس ورأسه، يستخدمه جميع الوزراء والعاملين بالبيت الأبيض، إذا أرادوا ضمان ان يصل رأيهم إلى الـرئيس وأن يحول إلى قرار، كـما يكشف روبرت ماكفـارلين، مستشار الرئيس ريغان لشئون الأمن القومي. أكثر من ذلك فإن الحملة الحالية على السيدة هيلاري كلينتون تزداد ضراوة يوما بعد يـوم، ومن النادر أن تتابـع قناة تلفزيونية، لا يطل منهـا وجـه معلق أو مواطن ليصيح: "لماذا تتـدخل في شئون الرئاسـة؟ نحن لم ننتخب هيـلاري.. "، كـما أن أحد رسامي الكاريكاتير لم يتورع عن أن يرسم الرئيس كلينتون مع تعليق: "زوج السيـدة هيلاري". وليس مهما أن تكـون السيـدة الأولى هي من يحكـم البيت الأبيض، لأن المرأة فى الـواقع تحاول أن تقود عمليـة صنع القرار، في المنزل كـما في الشارع كـما في المؤسسات الرسمية، وسلاحها هو قانون "منع التمييز الجنسي" وهو سلاح لا يملك الذكـر إلا أن يواجهه من موقع الدفاع.
          والمسالـة هنا ليست "المرأة ضـد الرجل" أو "الأنثى ضد الذكـر" بل هي إدانة للرجل.. ومن الرجل نفسه.
الآباء يهربون
          نائب الرئيس الأسبق دان كـويل، جمهوري محافظ، قـال في كلمة ألقاها الشهر الماضى: "كنت أقول، وما زلت أؤكد، على اهمية الآباء في الأسرة.. في أحيان كثيرة فإن هؤلاء الآباء يهربون ويتركـون أطفالهم، أسوأ من ذلك، أنهم لا يعـرفـون حتى من هم أطفالهم... ".
          الرئيس كلينتون بدوره وفي ذروة أزمـة هاييتي، يجعل من الأخلاق موضوعا سياسيا، ويحمل الرجل مسئوليـة تدهور العـلاقـات والقيم العائلية، يقول كلينتون: "على أحـدنا أن يقول بأن ما يحدث هو خطأ. يجب ألا تضع طفـلا قبل أن تكـون مهيأ لذلك، كـما يجب ألا تضع طفلا قبل أن تتزوج .. ".
          مع ذلك، ورغم هـذا الإجماع الجمهوري والديمقراطي على تدهور قيم العائلـة التي وضعها الرجل في الأسـاس، فإن عـدد المواليـد غير الشرعيين قد ارتفع بنسبة 30 في المائة عام 1991، وجميع هؤلاء سوف يعيشون في منازل من دون.. آباء.
          "العلاقـة بين الرجل والمرأة غير منصفة في مجتمعنا" تقولها المعلقة الشعبية "درنابريت" في عمودها اليومي في صحيفة "واشنطن بوست " وتستند السيدة بريت إلى إحصاءات تذكر أن المرأة الأمريكية تعمل في منزلها 36 ساعة إضافية أسبوعيا، بينما الرجل لا يعمل في المنزل أكثر من 8 ساعـات أسبوعيـا. ونزك للقارئ أن يستنتج أن من يعمل أكثر ينتـج أكثر ومن ينتج أكثر يتمتع بصلاحيات أكبر في صنع القرار العائلي.
          وفي محاولـة للـدفاع عن النفس يرتـد الآبـاء إلى التاريخ، يـريدون إحياءه فيعلنون قيام حركـة "حفظة الوعد" وهي حركـة تحاول إحياء ما يسمى المجتمع البطريركي حيث الرجل وحـده هو "سيد البيت " وصاحب القرار الأول والأخـير..
          ومثلهم يفعل بعض اليهود، وهنا نموذج:
اخرجي.. نريد أن نصلي
          يزعمون أن أول ما ينطق به الرجل اليهودي عندما ينهض من النوم هو: أشكرك وأحمدك يا ربي لأنك لم تخلقني امرأة (!).
          وإذا كان من حق الرجل اليهودي أن يناجي ربه بما شاء من العبادات فإنه ليس من حقه بالتأكيد أن يقتلع المرأة من مقعدها في الباص لأنه يريد أن يصلي، كـما انه ليس من حقـه بالتأكيـد أن يلفها بستارة كي لا تفسد عليه صلاته (!).
          والرأي العام في أمريكـا منقسم حول هذا الموضوع، ميدانيـا وليس نظريـا، فـالسيـدة اليهـوديـة "سيما رابينوفتش" أقامت دعـوى على شركة مـواصلات في نيويورك يملكها يهودي لأن الشركـة تمارس سياسة التمييز ضد المرأة، وفي التفاصيل أن السيدة اليهودية التي هاجرت من إحدى جمهوريات البلطيق السوفييتية إلى نيويورك قبل 22 عاما، ركبت الباص وهي عائدة من عملها وفي الطريق فوجئت أن الرجـال في الباص نفسه طلبوا منها مغادرة مقعدها إلى مقعـد آخر يختفي خلف ستارة.. لأنهم يريدون أن يصلوا (!).
          السيدة رفضت، قالت: "شعرت أنهم يعاملونني وكأنني مواطنة من الدرجة الثـانية". الرجال هددوها: "سنرجمك بـالحجـارة حتى تسيل دماؤك ". السيدة شعرت بالذعر. سائق الباص تدخل، اتصل بالشركة، ولكن من دون نتيجـة.. ووصلت السيـدة إلى منـزلها وهي تغلي من الغضب. اتحاد الحقـوق المدنيـة في نيويـورك تبنى قضيتها. قال إن شركة المواصلات مع أنها خاصة إلا أنها تتلقى مساعدات حكـومية وصلت في عام 93 إلى مبلغ (650) ألف دولار. وبالتالي على الحكومة أن تتدخل لمنع التمييز كـما تفرض قوانينها، كـما أن تزويد سيارات النقل العامة بستائر تفصل بين الرجال والنساء هو خـرق لقوانين ولاية نيويورك التي ترفض التمييز الجنسي بين الـرجل والمرأة.. بالمقابل تصدت جمعية "الحرية الدينية" في واشنطن للسيدة، واعتبرت أن التمييز قد وقع فعلا ولكن السيدة "سيما" هي من ارتكبه حيث دفعـت بركـاب الباص إلى أن يصلوا في الشارع (!) وقالت الجمعية أن الكياسة كانت تقضي بأن تستجيب السيدة للـذوق العام وأن تختفي خلف الستارة (!). والمواجهة مستمرة
السي. آي. إيه والمحاسب
          وكالة الاستخبارات المركـزية (سي. آي. إيـه) تعرضت الشهر الماضي لضربة تحت الحزام، عندما فرضت المحكمة على الوكالة أن تدفع تعويضا يزيد على مليوني دولار لإحـدى العاملات لحسابها في غواتيمالا. السيدة أمضت في خـدمة الوكالة ما يزيد على عشرين عاما، كانت حافلة بـالخدمات، ولكن الوكـالة بدل أن تمنحها ترقيـة أحالتها إلى التقاعد. السيدة رفعت دعوى، والمحكمة كافأتها بأثر رجعي. ونتيجة لهذا الحكم، تقـدمت مجموعة من العاملات في السي. آي. إيه، بدعوى مشابهة اتهمن فيها الوكالة بالتمييز الجنسي، ولم يجد مدير الوكـالـة جيمس وولزي مفرا من المفاوضة مـع العاملات مع الـوعد برفع التمييز. والمفاوضات مستمرة.. في مبنى الوكالة في "لانغلي".
          أما أبرز قضايا التمييز طرافة فهي القضية التي يقوم ببطولتها محاسب في بلدية نيويورك هو "اتريكـو أوبنهايمر"، وقـد نال أوبنهايمر شهرة واسعة لأنه رفض أوامر البلدية التي تقضي بأن يمر كل موظف فيها ببرنامج تأهيل يحمل عنوان "منع التمييز الجنسى " وهو مجموعـة من الكتب والمحـاضرات يفترض أن يكتسب المتدرب بعدها القدرة على التعامل مع الجنس الآخر باحترام ومن دون تمييز.
          أوبنهايمر علل أسباب الرفض بأنه "مسيحي ملتزم" وبأنه خلال حياته العملية كلها لم يرتكب أي جنحة او جناية تتصل بالتمييز الجنسي. وتمت إحالة "المتهم" إلى لجنة إداريـة تملك حق فصلـه عن عمله. مع ذلك، استمر أوبنهـايمر في عنـاده، حمل معـه نسخـة من الإنجيل، وقال: هذا وحده معلمي، ولن أدخل في أي دورة تـدريب. اللجنـة طلبت منـه قـراءة بعض المحـاضرات على الأقل، ولكنـه رفض بإصرار. وحمل قضيته إلى وسائل الإعلام. الرجال وقفوا معه، ومعظم النساء ضده..
          والحالة لم تحسم بعد، كـما في قضايا أخرى كثيرة تحمل عنـوانـا لا يحتمل التأويل "ارتفـاع وسقـوط حضارة الذكر"..
          .. ولعل الحب وحده هو القادر على الحسم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق