السبت، 5 نوفمبر 2011

أين نضع ٥ ملايين سائح في لبنان؟



سألت السيدة: أما زلت تبيع الفخاريات الأثرية؟
ورد الصياد أبو أحمد هامساً: عندي الآن جرّة كاملة ثمنها ٥٠٠ دولار
ولكنك بعتني الجرّة في العام الماضي بمبلغ ٥٠ دولاراً فقط ومعها كيلو سمك مجاناً!يضحك أبو أحمد ويقول: اسمعي مني خذيها الآن، لأن سعرها بعد شهر لن يقل عن ألف دولار. فالسياح والمصطافون بدأوا يصلون بالآلاف يومياً.
كان هذا الحوار يدور في الأسبوع الماضي في مقهى على شاطئ مدينة صور في جنوب لبنان، ومع أن “أبو أحمد” هو في الأصل صياد سمك، يصطاد الأسماك بالحربة، إلاّ أنه لا يعجز بين حين وآخر عن انتزاع فخّارية أو جرّة أثرية من قاع البحر، كي يستحق لقب “صياد الكنوز”، يقول: “أحياناً أحتاج أن أحفر حولها بالسكين ٣ أيام كي أنتزعها سليمة”.
و”أبو أحمد” يغوص اليوم في بحر صور، ينتظر وصول السياح والمصطافين كي يبيع كنوزه.


… ومثله لبنان كله، ولكن من دون قرصنة ،فكنوزه الطبيعية والبشرية تحمل شهادات تقدير عالمية .
مقهى “الأتوال” في “الداون تاون” في بيروت كان يسهر ليلة الأحد الماضي مع آلاف الزبائن. هل قلنا الزبائن؟ لعل العبارة لا تليق، فهم كانوا يضحكون ويتواصلون من طاولة إلى أخرى، وكأنهم عادوا إلى بيوتهم بعد رحلة قصيرة. “رجعت للعمل من أول يوم” تقولها الطالبة الجامعية نادين، وهي تنتقل بين الساهرين مثل فراشة ربيعية، بينما تتساءل نجاة،وهي تشرد بنظراتها نحو مبنى مجلس النواب القريب: “هل أبيع المنزل وأسافر إلى باريس. هذه المرة جاءني عرض جيد: ٢٥٠ ألف دولار”. ويرد رياض: “لا تبيعي. الأسعار سوف تنقلب ثلاث مرات، مرة كل شهر على الأقل”، ويعلّق عامر: “أنا بعت ٦٠ ألف متر بثلاثة دولارات للمتر، كان هذا العام الماضي، وأبن عمي رفض أن يبيع، ويقول إنه لن يقبل بأقل من ١٥ دولاراً للمتر الواحد، فالمغتربون عائدون”.
منزل نجاة في البترون شمالاً، وأرض عامر جنوباً قرب النبطية، ورياض يعمل سمسار عقارات في جبل لبنان. وعلى عادة السماسرة فإنه يؤكد على أن المصالحة العربية العربية آتية، ومعها الصلح العربي الإسرائيلي وكذلك الصفقة الأمريكية الإيرانية. “وعندها لن يقل عدد السياح والمصطافين عن خمسة ملايين سنوياً. فأين نضعهم ومساحة بلدنا لا تزيد على عشرة آلاف و٤٠٠ كيلومتر مربع؟”.
ولا شك أن رياض سوف يجد حلاً للمشكلة التي لم يواجه لبنان مثلها من قبل، خاصة وأنه يجلس في “الأتوال” آخر مكان غادره الرئيس الشهيد رفيق الحريري ضاحكاً، قبل استشهاده، ولم يكن الحريري يوماً بخيلاً في طرح الحلول للمشاكل.
“نحن مسرورون جداً بعودة الحياة الطبيعية إلى وسط بيروت التجاري، الفترة الماضية كانت قاسية على الجميع، والخسائر كانت تتلاحق وتتراكم، ونحن كنا من المؤسسات التي قررت الصمود والتحدي برغم المعوقات وفداحة الخسائر لأننا لم نفقد الأمل بعودة الحياة إلى طبيعتها، وها هي قد عادت” يقولها مدير سلسلة مقاهي ومطاعم (غراند كافيه) جابر منذر لمراسل أجنبي لافتاً إلى أن عودة الاستقرار ستواكبها “عودة العمال والموظفين الذين هاجروا إلى الخليج طلباً للعمل، بعد أن تركوا بلدهم قسراً بسبب تردي الأوضاع، نعم سيعودون قريباً لأن لبنان يبقى دائماً نقطة جذب لليد العاملة وتحديداً اللبنانية”.
نشرة “الأسواق العربية” نقلت عن رئيس الجانب السعودي في مجلس الأعمال السعودي اللبناني عبد المحسن الحكيم أن الاستثمارات السعودية سوف تعود بقوة إلى لبنان، وأنها ستصل إلى ٥ مليارات ريال، في المرحلة الأولى، كما نقلت عن مسؤول في الطيران المدني أن ٢٠٠٠ مسافر سعودي يغادرون إلى لبنان يومياً منذ إعلان اتفاق الدوحة.
حسناً، إذا كانت السعودية هي المقياس، فربما لن يطول انتظار أبو أحمد قبل أن يكشف عن كنوزه، ومثله لبنان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق