السبت، 5 نوفمبر 2011

هرمون الذكورة يرخّص الغش الرياضي

“إذن هل نستنتج أن كل رياضي غشاش حتى يثبت العكس؟” السؤال طرحته صحيف “نيويورك تايمز” الأمريكية تعليقاً على فضيحتين رياضيتين مدويتين: الأولى أطاحت بأسرع رجل في العالم العداء الأمريكي الأولمبي “غوستين غاتلين” والثانية بطل الدراجات الأمريكي الأشهر” فلويد لاندس” بعد أن تأهل لبطولة العالم.

جريمة البطلين أن كلاً منهما استعان بالمنشط الشهير والممنوع “تستوستيرون”, وهو هرمون الذكورة, للفوز بالبطولة. كان هذا في أغسطس عام ٢٠٠٦. علينا أن نعترف: “إن لديهم رخصة للغش”، العبارة نقلتها الصحيفة نفسها قبل أسبوعين على لسان الدكتور دون كاتلين الرئيس التنفيذي لوكالة مكافحة المنشطات الرياضية في لوس أنجلوس. قالها تعليقاً على اكتشاف طبي هز الأوساط الرياضية، وعنوانه: “إن هناك أجساداً يمكن أن تمتص التستوستيرون ولا تبقي منه أثراً”.

كيف؟ نعود إلى العام ١٩٨٨ عندما استطاع العداء الكندي بن جونسون كسر الأرقام القياسية في سباق ١٠٠ متر، وحصل على برونزيتين ثم ذهبية وأصبح أشهر عداء في العالم، ما دفع منافسه كارل لويس إلى القول: إن هناك رياضيين يخرجون من لا مكان ويحصدون فجأةً البطولات، وهو أمر يصعب أن يتم من دون المنشطات، تلك كانت المرة الأولى في تاريخ الرياضة التي تطرح فيها قضية المنشطات، وقد اضطر بن جونسون بعدها إلى إعادة الذهبية الأولمبية بعد أن أثبتت إحدى اللجان الطبية أنها ملوثة بالتستوستيرون، وبالطبع فقد انتقلت الذهبية إلى المنافس النيجيري. ولكنها كانت “مستعملة” ومنزوعة من دسم الاحتفالات.
وسيلة الكشف عن المنشط الشهير كانت تحليل بول اللاعب، فإذا كانت نسبة المنشط أعلى من المعدل انكشف أمره، ولم يعد موضوعه قابلاً للنقاش حتى أمام المحاكم والتي يلجأ إليها بعض اللاعبين. وبات النقاش ينصب حول العقوبة التي يستحقها اللاعب الغشاش: هل تقتصر عليه أم تطال المدرب ورئيس الفريق أيضاً؟ وهل يتم طرد اللاعب نهائياً من الملاعب أم أنه يبعد لفترة أقلها سنتان؟
إذن، كانت القلوب مطمئنة إلى الإدانة ومختلفة حول العقوبة، ولكن ميزان العدالة انقلب فجأةً رأساً على عقب، عندما تناقلت وسائل الإعلام والمحافل الرياضية تفاصيل دراسة جرت في السويد، وشارك فيها ٥٥ شخصاً وافقوا جميعاً ولأهداف علمية، على أن يحقنوا بهرمون التستوستيرون ثم على أن يخضعوا لفحص البول بعد الحقن. وجاءت النتيجة مذهلة، فقد ظهرت آثار المنشط في بول الجميع، باستثناء ١٧ شخصاً، ابتلعت أجسادهم المنشط ولم تترك منه أي أثر. وهنا فاض الفضول العلمي بأصحاب الدراسة الميدانية، فبدأوا بفحص الخريطة الجينية لهذا النوع السوبر من البشر، وتبين أن كلاً منهم يفتقد إلى نوعين من الجينات مهمتهما تحويل المنشط إلى مادة قابلة للتحلل مع البول، أي يملكون مناعة طبيعية ضد اكتشاف المنشط.
“إن هذه المناعة تتوافر غالباً عند الآسيويين” تقولها الطبيبة الباحثة جي تي شولس استناداً إلى دراسة سابقة قامت بها وتبين أن اثنين من كل ثلاثة آسيويين يتمتعون بهذه الموهبة في شفط المنشطات.
ولأن الألعاب الأولمبية سوف تبدأ في أغسطس المقبل وفي الصين بالذات، وهي دولة آسيوية، فإن فكرة أن يكون الصينيون قادرين على استخدام التستوستيرون من دون أن يتمكن أحد من ضبطهم بعثت الذعر في نفوس كثيرين، لأن هذا المنشط بالذات وفق دراسة علمية قام بها الباحث مارك بيلي، ونشرت على الإنترنت، يلعب دوراً حيوياً في الرياضات العدوانية، وفي طليعتها المصارعة وتليها كرة القدم. شملت الدراسة ٩٤ رياضياً في مختلف الحقول، وكشفت أن التستوستيرون يمنح اللاعبين قوةً أكبر على الضرب والركل واللكم والدفع والسيطرة على المنافس، ثم القدرة على التحمل، وبينما تصل نسبته إلى ١٢٠.٤ مليلتراً عند المصارعين فإنها تنخفض عند لاعبي كرة القدم إلى ١٠٥.٥٩ مليلترات لتقترب من ١١ مليللتراً فقط عند السباحين.
ولأن كرة القدم هي أكثر الألعاب شعبية في بريطانيا فقد قامت مجموعة من علماء النفس بدراسة نشرتها مجلة  “نيو سينسيت” العلمية كشفوا فيها أن التستوستيرون يتزايد بكميات مذهلة عند لاعبي كرة القدم عندما يتنافسون في مباريات محلية، أكثر مما يتزايد عندما يخوضون مباريات خارجية، ويصل هذا التزايد ذروته عند حراس المرمى بالذات. ويفسر أطباء النفس هذه الظاهرة بإعادتها إلى أصولها الغريزية، إذ كما يدافع الحيوان عن موطنه ومداه الحيوي ضد الحيوانات الأخرى، فإن اللاعب يشعر أنه مهدد داخل بيته لذلك فهو يستبسل في الدفاع عنه، وهو ما يؤدي إلى هذه الزيادة المذهلة في التستوستيرون ليكون الجسد قادراً على الاستجابة لهذا التحدي.
“إن علينا مراجعة استراتيجيتنا كلها كي يصبح بإمكاننا الكشف عن هذا المنشط، وإلا فإن الرياضة سوف تفتقد أهم قيمها وهي المساواة وتكافؤ الفرص بين المنافسين”، يقولها د. أندرو بايب لمقدم البرنامج الرياضي في شبكة سي. بي. سي بينما يعلق أحد المشاهدين: “بانتظار أن تعثروا على الحل أبيحوا المنشطات للجميع وهكذا تتحقق المساواة المطلوبة”.
(إضاءة)
نتعاطاها إذا لم يكتشفونا!الدكتور عبدالحميد العطار أخصائي الطب الرياضي وطبيب الوفد الإماراتي المشارك في أولمبياد بكين أشار إلى أن الرياضيين متخوفون من تعاطي بعض المشاركين في الأولمبياد القادمة للكروس هرمون الذي يطلق عليه هرمون النمو، وبخاصة أن هذه المادة يظهر أثرها في الجسم لفترة بسيطة ثم يختفي.
وقال إن إحدى الدراسات التي أجريت على ٢٠٠ لاعب في أولمبياد سيدني أشارت إلى أن ١٩٨ منهم أكدوا أنهم يمكن أن يأخذوا المنشطات “إذا تأكدنا من عدم اكتشافنا”، بينما قال ٥٠٪ من العينة إنهم على استعداد لتناول المنشطات حتى لو أدت إلى وفاتهم بعد ٥ سنوات بشرط عدم اكتشافهم.
وأكد العطار أن تعاطي المنشطات يكون في غالب الأحيان نتيجة الضغوط التي يتعرض لها اللاعب من الاتحاد أو المدرب أو شعوره بالضعف وتعرضه للإصابة وغيرها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق