الجمعة، 28 أكتوبر 2011

حرب الأحذية والأرجل


“حرب الأحذية والأرجل” كان هو العنوان الذي اختاره الدكتور خريستو نجم للفصل الثالث من كتابه “رمزية القدم والحذاء في الأدب والفن”، وقد صدر عن الدار العربية للموسوعات، قبل شهور، وأقبلت الجماهير على شرائه بشراهة شديدة، بعد أن دخل “حذاء الزيدي” التاريخ، وبات الناطق الرسمي باسم الشعوب المعذبة في أربع زوايا الأرض.
هنا حكايات عن الحذاء وردت في كتاب الدكتور نجم:

إن لقب “باشا” يتألف من كلمتين:
(با) وتعني بالفارسية أو التركية الحذاء أو الجزمة و(شاه) تعني الملك، وقد تم حذف الهاء تخفيفاً، وذكر بعض المؤرخين ذلك بقولهم: كانت إحدى الجواري تتقدم وترفع القدم الشاهانية وتلفّها على رأس الزائر العظيم، وبعد دقيقة أو نصف الدقيقة، تعود الجارية وترفع قدم السلطان عن رأس الزائر وتعيدها إلى حيث كانت على الأرض، و كان هذا تبليغاً للزائر بأن المقابلة قد انتهت. وكل من حظي بهذه النعمة يصبح باشا، أي “قدم السلطان”.
ومن المؤسف أنه تم إتلاف “حذاء الزيدي” لأنه بالتأكيد كان قادراً على تخريج آلاف الباشوات بحيث يستحق لقب “باشا الأحذية”.
ويختلف الدكتور نجم مع التيار الإعلامي السائد في تعظيم هذا الحذاء “الذكوري” ويكشف أن الحذاء الأنثوي كان هو الذي يلعب دور البطولة على مسرح التاريخ. يقول: منذ ٢٥٠٠ سنة، أي في زمن كونفوشيوس كان الصينيون يعشقون القدم المقمطة، وقدم اللوتس التي تثير الغرائز بمشيتها الطرية كطراوة الأعشاب، حتى إن العفة انحصرت يومئذ عند بنات الصين في أقدامهن الملجومة، فحماية أقدامهن الصغيرة من أعين الرجال تعكس طهارة المرأة الصينية، وذلك أن العفاف قضية أعراف وتقاليد”.
وبعد هذا التفسير للحذاء الصيني الشهير ينتقل إلى حكاية الملكة الإسبانية إيزابيلا التي سقطت يوماً عن حصانها خلال احتفال رسمي، وصادف أن علقت رجلها بسرج الحصان الذي راح يركض مذعوراً، والملكة تجرُّ على الأرض أمام العسكريين والجماهير. والغريب أن أحداً لم يجرؤ على الإسراع لإنقاذها، فمساعدتها تقتضي لمس قدمها وهذا يعدّ تجديفاً كبيراً بنظرهم، إلى أن تحرك أخيراً ضابط شاب أذهله الموقف، فركض وأوقف الحصان وأنقذ الملكة، وكانت مكافأته السجن في أحد الأديرة، تكفيراً عن فعلته في انتظار الغفران الملكي”.
الكتاب صدر قبل “موقعة الحذاء” في العراق، حيث أعلن الرئيس بوش أن مقاسه كان “١٠” أي “٤٤”، بينما المؤلف نجم يتوقف عند الرقم “٩” ويعتبره الأكبر حجماً “فيما كانت الأحذية أوائل القرن العشرين تحمل الرقم “٧”، وحين عرفت الممثلة غريتا غاربو في الثلاثينيات من القرن الماضي بقدمها ذات القياس “٩” أحدثت ضجة في الأوساط الفنية، لأن قاعدة الجمال يومذاك كانت تحصر القدم في الرقم “٥” قياساً على جينا لولو بريجيدا ودوقة وندسور وإيفا بيرون، وربما تقلص الحجم إلى “٤.٥” مع جنيفر جونز وبتي دايفس.
وهذه الأحجام تشبه اليوم أقدام الفتيات الصغيرات في عامهن الثامن أو التاسع، ولا ننكر أيضاً أن الأقدام في أيامنا ازدادت حجماً في كل أنحاء العالم، والدليل أن صبياً في الرابعة عشرة من عمره ينتعل اليوم حذاء قياسه أكبر بدرجتين من حذاء أبيه عندما كان في مثل سنه، وبثلاث درجات أكثر من مقاس جدّه”.
وينتهي الدكتور نجم إلى نتيجة ربما يتفق كثيرون معه فيها، وهي أن الحذاء يتعب صاحبه “فمنذ القديم والمرأة تسعى وراء الحذاء الأجمل غير مهتمة بمدى ارتياحها أو انزعاجها. لذلك وصفت قدم اليزابيث تايلور دائماً بالمتورمة، فالحذاء الذي انتعله الإنسان منذ بدء التاريخ لم يكن مريحاً للقدم، وآية ذلك أن القدم اليمنى والقدم اليسرى كانتا سواء في الشكل عند الأمريكيين، ولم يميز هؤلاء بين الاثنتين إلا بعد الحرب الأهلية، والقدمان غالباً ما اختلفتا حجماً، ولكن الأحذية لا تراعي هذا الاختلاف”.
وأخيراً وبعيداً عن حروب الأحذية فإن أهالي جبل لبنان يحفظون أهزوجة في مدح الزعيم وليد جنبلاط، يقول مطلعها:
وليد بيك… وليد بيك
أنت الجزمة ونحن جريك (رِجليك)
ويبدو أن الأحذية والجزم باتت توفر من الطمأنينة لبعض الشعوب أكثر مما كان يوفره جدار برلين في ذروة ارتفاعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق