الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

المخترع قديس؟ يا لها من هرطقة!


حي ريباربان في هامبورغ
ما هي العلاقة بين توسيع ميناء هامبورغ وبين القضاء على الدعارة في تلك المدينة الألمانية؟
وما هي العلاقة بين اختراع مكيفات الهواء وبين تحرير العبيد في أميركا؟
نبدأ من السؤال الثاني، فالمؤلف والاقتصادي الأميركي دافيد لاندس وفي كتاب يحمل عنوان ''ثروة الأمم وعوزها: لماذا بعضها غني جداً وبعضها فقير جداً؟''، يجيب بأن ''ضرورات الجغرافيا والمناخ فرضت على أميركا أن تجلب الأفارقة عنوةً من إفريقيا كي يعملوا في مزارع أهل الجنوب الأميركي، حيث الطقس حار ويصعب على البيض تحمّل حرارة الشمس أثناء العمل، ولأن أميركا في نهاية المطاف هي إنتاج غربي فقد عملت على تجاوز هذا النظام المعادي للنمو الرأسمالي، عبر اختراع مكيفات الهواء التي حررتها من إعاقة الجغرافيا والمناخ، وهو ما أدى في النهاية إلى تحرير العبيد''.


إذن نستنتج مما يقوله الاقتصادي الأميركي أن السلاح الرئيس الذي استخدمه محرّر العبيد الرئيس الجمهوري ابراهام لينكولن في الحرب الأهلية كان.. مكيف الهواء.
وننتقل للإجابة عن السؤال الأول بشأن العلاقة بين الموانئ و.. الدعارة.
أهل الكنيسة في مدينة هامبورغ الألمانية، ومنذ ما يزيد على 60 عاماً، كانوا صباح كل أحد يبدأون صلاتهم بالدعاء على حي ''ريباربان'' وكانوا يسمونه ''حي العار'' لأن 1000 فتاة على الأقل من بنات الهوى يمارسن فيه أقدم مهنة في التاريخ.
لم يكن السياسيون ولا رجال المال والأعمال في المدينة يشاركون في الدعاء لأن حي العار كان يجذب في كل عام مئات الألوف من السياح والزوّار، وفي طليعة هؤلاء بحارة السفن التي كانت ترسو في الميناء بالعشرات، فتُنزل حمولتها على الأرصفة، ثم تملأ حاوياتها بشحنات جديدة، وهو ما كان يستغرق أسبوعاً على الأقل، يغادر خلاله آلاف البحارة سفنهم، ويمضون إلى حي العار، ينفقون فيه معظم ما يملكون بانتظار عودتهم إلى البحر.
وتقول إحدى بنات الهوى وعمرها اليوم 71 عاماً لجريدة ''الأنديبندنت'' البريطانية: ''كان ذلك هو العصر الذهبي للحي، وفي فندق ''الأقصر''، حيث كنت أعمل كان هناك 12 فتاة، وكان الفندق يعمل 7 أيام في الأسبوع، ليلاً ونهاراً، أما اليوم فإن الفندق الذي بُني قبل ستين عاماً سوف يقفل أبوابه قريباً''.
لماذا؟ تجيب، وهي تنظر إلى الأضواء الساطعة في الميناء: ''لقد تغيّر كل شيء، صحيح أن السفن لاتزال تأتي وعلى متنها آلاف البحارة، بل إن عدد هذه السفن زاد عشرات المرات، غير أن الميناء صار يستخدم أحدث الوسائل والمعدات العصرية وأسرعها في التنزيل والتحميل حتى لم يعد طاقم السفينة يملك من الوقت ما يكفي لزيارة الحي ولو لبضع ساعات''.
وهذه العداوة الفاقعة عند بنت الهوى للتكنولوجيا التي حرمتها من زبائنها تلقى صدى معاكساً لدى راعي الكنيسة الكبيرة في هامبورغ، إذ يقول: ''أعتقد أنه بعد إقفال ''ناعورة الخطايا'' ربما بات على الكنيسة أن تركز في عظاتها على التكنولوجيا الحديثة ودور المخترعين، كما القديسين، في الاستجابة لدعوات المؤمنين''.
هل ساوى الراعي بين المخترعين والقديسين؟
يالها من هرطقة، إذ ما حاجة الأمة إلى مخترعين بينما يستطيع ''قديس'' واحد أن يجيب عن جميع الأسئلة من الآن وحتى يوم الدين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق