الثلاثاء، 6 مارس 2018

مفاتيح اليمن

العدد 466 - 1997/9 - استطلاعات - شوقي رافع

أسأل الدكتور عبدالكريم الإرياني نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في اليمن عن القبيلة, فيقول: القبيلة واقع. من أجل تغيير هذا الواقع لابد أن تعترف به أولاً. الرئىس الصومالي السابق سياد بري صنع 21 تابوتاً, وأمر بحفر 21 قبراً, ثم جمع زعماء القبائل, وأمر بدفن التوابيت في القبور, وهلل الجميع, قالوا: اليوم دفنا القبيلة, ولكن ما يجري في الصومال اليوم هو أن القبيلة تدفن الجميع. يقول الإرياني أيضاً: القبلية لاتقتصر على اليمن وحدها, فمن المغرب العربي إلى الجزيرة العربية, مروراً بصعيد مصر والأردن والعراق تتواجد القبائل بقوة. ثم يضيف بغموض: إن قبيلة واحدة تحكم 3 دول عربية.

وفي اليمن (السلاح زينة الرجال) وكانت العبارة تنسب إلى الإمام موسى الصدر, أطلقها في بداية الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات في لبنان ولكن العبارة يمنية, كما يؤكد شيخ مشايخ (حاشد) عبدالله ابن حسين الأحمر رئيس البرلمان اليمني. وفي الطريق إلى قصر الشيخ في بلدة (خمر) تعرف معنى العبارة ميدانياً, فالمدينة غابة من السلاح, يحمله ابن الثانية عشرة من دون مباهاة, وعندما أسأل الشاب مذحج ابن عبدالله الأحمر, مازحاً, إذا كان يعرف استخدام قاذفة (الأر. بي . جي) المعتادة للدروع, يرد بابتسامة: حتى الفتيات عندما يخرجن للرعي فإنهن يحملن الكلاشينكوف), وليس في العالم كله فندق من فئة خمس نجوم يضع على مدخل بوابته لافتة تقول: (ممنوع الدخول بالأسلحة النارية), ولكن فندق الشيراتون في صنعاء يفعل ذلك, وعندما أشير إلى رجل يكشف عن مسدسه الذي يجاور الخنجر اليماني (الجنبية) على وسطه, يقول مدير الفندق اللبناني مازحاً: (ولكنه مسدس فحسب).



أما بوابة اليمن فهي ديمقراطية عملية الواقع فيها أغنى من أي شعار, في اليوم الأول لوصول الوفود الإعلامية, دخل علينا في الفندق شاب طلب من مندوب وزارة الإعلام أن يلتقي بالإعلاميين. مندوب الوزارة اتصل بنا في الغرفة, فالتقينا الشاب في بهو الفندق, قال: إن المعارضة المقاطعة للانتخابات النيابية سوف تعقد مؤتمراً صحافياً في مقر رابطة أبناء اليمن في مساء ذلك اليوم. وفي المؤتمر سوف يتحدث مندوبون عن الأحزاب الخمسة المعارضة. وفي المساء جهزت لنا وزارة الإعلام السيارات, انتقلنا إلى مقر المعارضة, وسمعنا كلاماً من نوع: إن وحدة اليمن ليست شرعية. هل هي دعوة لفصل الشطرين مجددا? سأل أحدهم, وجاء الجواب: الانفصال أفضل من الهيمنة غير الشرعية. ولعل كلاماً من هذا النوع في أي بلد عربي يدخل في باب الخيانة والدعوة إلى تعليق المشانق, مع ذلك, خرج رجال الإعلام من مقر الرابطة إلى المركز الإعلامي الرسمي, أملوا رسائلهم كتابة وتسجيلاً, وقاموا بإرسالها إلى مؤسساتهم.. وبعد يومين كنا نشاهد على شاشة التلفزيون الرسمي مهرجاناً للمعارضة في حضرموت, يدعو إلى مقاطعة الانتخابات (المزورة مسبقاً).

الانتخابات اليمنية كانت حرة ونزيهة, بهذه العبارة أنهت لجنة المراقبين الدولييين تقريرها.
وعلى خطوط التماس بين القبيلة والقات والسلاح كانت أرض اليمن تفتح بوابتها على اتساعها للديمقراطية. كيف؟

ثيران الهجر وقضاء الدولة
يضحك محدثي اليمني وهو يروي أن دبلوماسياً ألمانياً كان يقود سيارته خارج العاصمة صنعاء عندما صدم طفلاً كان يحاول عبور الطريق أمام السيارة, فحمله الدبلوماسي إلى المستشفى مع مرافقين من قبيلة بني مطر التي ينتمي إليها الطفل. وبعد أن اطمأن عليه تركه في المستشفى ليعود اليوم التالي إلى موطن القبيلة وخلفه شاحنة تحمل ثورين. وكان الدبلوماسي يسعى إلى المصالحة بينه وبين أهل الطفل على الطريقة القبلية, حيث يتم ذبح ثورين, أو ما يسمي (الهجر) كبطاقة اعتماد للمصالحة, يمكن أن تقبل أو ترفض.
وهذه المصالحة بين الدبلوماسية والقبلية هي جزء من المصالحة بين الدولة والقبيلة. وتنسب إلى الدكتور عبدالكريم الإرياني عبارة تقول: (ذبحت الدولة يوم ذبحت الثيران), وقد أطلقها قبل 3 سنوات, عندما قامت الدولة اليمنية بكل أركانها, برعاية مصالحة تاريخية بين رئيس الوزراء السابق والسفير الحالي الدكتور حسن مكي وبين شيخ مشايخ قبائل (بكيل) ناجي عبدالعزيز الشايف, وكان الشايف أبرز المتهمين بمحاولة اغتيال الدكتور مكي التي ذهب ضحيتها ثلاثة من حراس الدكتور الشخصيين.
ولم ينف الدكتور الإرياني نسبة العبارة إليه, ومع أنه يوجز في الإجابة عن حكم القبائل سواء بالجزيرة العربية ودول الخليج مروراً بالعراق وصولاً إلى المغرب, إلا أن وزير التخطيط والتنمية عبد القادر باجمال يكشف في هذا السياق أن القبيلة يمكن أن تلعب دوراً في خدمة الديمقراطية, فيشير إلى أن التعددية بين القبائل تمنع الهيمنة وتحقق نوعاً من توازن القوى. كما أن اللعب بقيم القبيلة يمكن أن يرتد على صاحبه. ويروي النائب عن حضرموت الدكتور سعد الدين علي سالم بن طالب أنه تنافس مع سبعة مرشحين كلهم من قبيلته (الكثيري). وأن أربعة بينهم كانوا من الفخذ نفسه (ابن طالب). ولكن واحداً منهم حاول أن يستنفر قيم القبيلة إلى أقصاها وتحول إلى ما يسمى (القبيلي البشع) وكانت النتيجة أن القبيلة منحت أصواتها للدكتور سعد الدين باعتباره البديل العصري عن ذلك القبيلي البشع.

وفي مجلس الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشايخ (حاشد) يتشعب الحديث عن (أمهات) القبائل: حاشد وبكيل ومذحج. ويشير عائد صالح, وهو المقاول الذي بنى قصر الشيخ الأحمر في خمر, إلى جانب من النظام القبلي المعقد والمحكم, فيروي أن قبيلتي العصيمات وعذر كانتا وعلى مدى 15 عاماً تتقاتلان, وسقط بينهما ما يزيد على 200 قتيل. ولكن القبيلتين عندما تخرجان من (بلادهما) كانتا تقاتلان معاً ضد القبيلة الثالثة. يقول صالح: (القبيلة هي نظام وليست فوضى كما يعتقد كثيرون).
الشيخ عبدالله الأحمر الذي أمضى في أيام الإمام وأسرة حميد الدين ثلاث سنوات في السجن, يروي في كتاب (الوحدة اليمنية) أن القبائل في اليمن ثلاثة أقسام: الحميدية وهي أكبر القبائل اليمنية, ومذحج وقبائل همدان بن زيد وتضم حاشد وبكيل, وكل القبائل اليمنية تنتمي إلى الأقسام الثلاثة السابقة ما عدا قلة وهم الهاشميون المنتمون إلى علي بن أبي طالب وهم موزعون في اليمن ولهم منزلتهم). ويشير الأحمر إلى (أن القبائل في اليمن حضارية ولا تقاس بالعشائرية في البلاد الأخرى).
ويؤكد الشيخ الأحمر: (عندما قامت ثورة 1962 نزل ضباط الجيش ومشايخ القبائل بالدبابات جنباً إلى جنب يدكون قصور الإمام.. وكانت كل دبابة تحمل عدداً من الضباط وعدداً من المشايخ وكان كل يؤدي دوره).

هذا التحالف بين القبيلة والجيش لعله مازال مستمراً منذ الثورة, ولعل قبول حزب المؤتمر الذي حقق أغلبية مريحة بالانتخابات الأخيرة أن (ينتخب) الشيخ عبدالله الأحمر, وهو رئىس حزب الإصلاح المعارض, رئىسا للبرلمان, يكشف عن جانب من تراث هذا التحالف, الشيخ الأحمر هو شيخ مشايخ حاشد هذا هو العنوان والباقي تفاصيل.

ولكن الحزب الاشتراكي في الجنوب نجح خلال فترة حكمه في ضرب النفوذ القبلي) أقولها للدكتور الإرياني, ويرد ساخراً: عندما رفع الغطاء فإن ما ظهر كان أشد النزاعات القبلية بشاعة وبؤساً. ويضيف الإرياني: الديمقراطية اليمنية هي حركة تغيير, الديمقراطية عندما تقترن بالواقع القبلي فإنها تسعى إلى تغييره).

رئيس الدائرة السياسية في حزب (الإصلاح) أحمد محمد قحطان يؤكد هذه الحقيقة بدوره, يقول في مؤتمر صحافي شارك فيه الوزير السابق عبد الله الأكوع: (من المؤسف أن نكتشف في اليمن اليوم أنه ليس لدينا دولة ولا إدارة ولا قضاء وأن 80% من أصحاب القضايا يحاولون حل قضاياهم خارج القضاء التقليدي). أي عبر نيران الهجر.
قد يكون هذا صحيحاً, ولكن عندما أقول للشيخ عبد الله الأحمر: الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح عبد الملك منصور ـ وزير الثقافة والسياحة حالياً ـ يتهمك وحزب الإصلاح بنهب المال العام والانتهازية والابتزاز) يرد الشيخ الأحمر بغضب مكتوم: إنه انتهازي وسوف أقاضيه)
وهذه العبارة (سوف أقاضيه) تنتمي إلى الدولة وليس إلى القبيلة.

القات.. قنبلة
تهبط يومياً في مطار جيبوتي طائرة يسميها أهالي جيبوتي (العروسة) وهي تحمل القات من أثيوبيا. حمولة العروسة تتوزع فوراً على عشرات الشاحنات. وتبدأ المدينة بعد الغداء قيلولتها العذبة.
وكانت اليمن تستورد القات من أثيوبيا بالطائرة ولكنها اليوم تحقق اكتفاء ذاتياً, بل وتقوم بالتصدير أحياناً, اليمن لاتحتاج إلى العروسة بعد اليوم.
يا أخي يحيى.. هل تخزن القات يومياً?) أسأل السائق في الضيافة وهو عقيد سابق, فيرد: لا. في أيام العطلة أتوقف عن التخزين), ويعتقد يحيى أن تخزين القات يساعده على التركيز أثناء قيادة السيارة, وهو عندما يتوقف أمام شرطي السير في العاصمة يسارع إلى تناول أغصان من باقة القات إلى جانبه يدفعها إلى الشرطي تعبيراً عن التواصل في مهنة القيادة وتنظيم السير.
هل القات مخدر?

الدكتور أبوبكر عبد الله القربي استاذ علم الأمراض بكلية الطب جامعة صنعاء, يرد: (من المؤسف أن يعمل بعض الناس على إثارة هذا الجانب بأسلوب غير علمي لأنه من المؤكد أن أكثر العناصر الموجودة في القات هي العناصر المنبهة والدلائل كثيرة على مدى اليقظة التي يحس بها ماضغ القات, فيقوم بالعديد من الأعمال المكتبية والفنية والإنشائية وغيرها وهو ماضغ للقات).
ومع ذلك, فإن الدكتور القربي, يستدرك في دراسته عن الآثار الصحية للقات, فيقول: (إن للقات آثاراً صحية سلبية تتطلب وقفة جادة أمامها. وتجدر الإشارة أن هناك فترة زمنية قد تطول أحياناً قبل ظهور هذه الآثار الخطرة, فمثلاً سرطان الرئة عند المدخنين يحتاج إلى ما يقارب عشرين سنة من التدخين قبل ظهور أعراضه).

وينتهي الدكتور القربي إلى التأكيد على (أننا يجب أن نولي القات أهمية خاصة وأن نعيد تفعيل مركز بحوث القات الذي كان لي شرف إنشائه عام 1982 والذي من خلاله تمت العديد من الدراسات العلمية ولكنه توقف عن أداء دوره نتيجة عدم توافر الدعم المادي له والأمل أن نعمل جميعاً على تكثيف الدراسات حول القات لأنه يمثل قنبلة تهدد المجتمع ونحن في غفلة أو تغافل عنها).
الدكتور عبدالكريم الإرياني يقاطعني بحدة عندما أسأله عن أسباب غياب مشكلة القات عن برامج الأحزاب السياسية, بما فيها حزب المؤتمر الحاكم, وكأن القات ليس مشكلة, يقول:( القات مشكلة ولكنها لاتخضع لعنوان. إنها بحاجة لدراسة اقتصادية اجتماعية وطبية. هناك دراسات كثيرة تجمعت الآن من جامعة صنعاء, ومن منظمة الصحة العالمية ومن خلالها نستطيع أن نتعامل مع منظمات دولية لطرح حلول).

ويقول عن تقنين القات أيام حكم الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن, حيث منع دخوله المدن باستثناء يومي الخميس والجمعة: صحيح كانوا يقننون تعاطي القات ولكنهم كانوا يخرجون عشرة كيلو مترات خارج عدن ويخزنون) وعندما أقول لنائب رئىس الوزراء ووزير الخارجية إن حقول القات تنتشر بكثرة خارج صنعاء, يرد: إن زراعة القات مربحة جداً اليوم ولكنها لم تمنع زراعة الخضار والفاكهة, لقد كنا في إحدى السنوات نستورد ما قيمته 300 مليون دولار من الفواكه والخضار, ولكننا اليوم لانستورد بل نصدر.

بل هو قوت الصالحين!
القات في اليمن ارتبط أساساً بالصوفيين الذين استعانوا به لقيام الليل والتعبدلما يحتويه من مواد منشطة, ويضيف الباحث التونسي عبد الله على الزلب في دراسة عن (ثقافة القات) فيقول: (وقد ساهم استهلاك القات من قبل النخب السياسية والدينية والاجتماعية في انتشاره وإضفاء دلالات دينية على استهلاكه, فيقال إنه (قوت الصالحين) فهو يساعد المخزن على التأمل والسهر والتعبد!).

صديقي من وزارة الإعلام في اليمن كان يدفعني دفعا للقاء مع السائق حسن عبدالله الحمامي. قال إن هذا السائق هو ظاهرة تستحق الكتابة عنها. سألته: لماذا? قال: (إنه لايخزن. هو تائب). الحمامي قال إنه مارس التخزين مدة 30 سنة, تزوج مرتين وأنجب 51 ولداً, ثم: (قررت أن أتوقف, القات ذبحني هنا وهنا) وأشار إلى معدته وإلى جيبه. قال: (كان راتبي 8 آلاف ريال, كنت أشتري الربطة من القات يومياً بعشرة ريالات, يعني 300 ريال في الشهر, ولكن منذ عام 75 بدأت الأسعار بالارتفاع صار ثمن الربطة الواحدة 300 ريال من النوع الرديءو 2000 من النوع الجيد. لم يعد الراتب يكفي لشراء القات, فكيف بالصرف على زوجتين و15 ولداً?).
ويضيف: (ثم جاءتني القرحة, فأقسمت ألا يدخل القات بيتي).
السائق الحمامي ربما يبدو ظاهرة, فالكثيرون يخزنون, وليس البلوغ شرطاً للتخزين بل هناك من هو في العاشرة من عمره ويدفع بكرة القات في أقصى فكه عدة سنتيمترات فيبدو أن أنفاً طويلاً نبت في خده, كما أن التخزين في المدن انتقل إلى مجالس النساء, وبات من الطقوس المتعارف عليها في حفلات الزواج, وهذه تستمر أسبوعين أحياناً, وفي زيارات التعازي بالأموات.

ـ هل تعتقد أن في اليمن مشكلة اسمها القات?
أسأل نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي, فيجيب:( نحن نعتبرها من السلبيات لكننا لانستطيع أن نتعامل معها بحلول جاهزة, إنها تحتاج إلى بدائل. القات سلبي فعلاً ولكنه أخف ضرراً من المخدرات, ثم إنه منتج محلياً).
ويقدر نائب رئىس الجمهورية أن اليمنيين يتداولون يومياً مبلغ 400 مليون ريال في تجارة القات, وعما إذا كانت هناك حلول مطروحة للخلاص من هذه السلبية, يقول: (نحن الآن نعيش مرحلة الديمقراطية وحرية الصحافة والإعلام, وسنترك لها أن تطرح هذه السلبيات وأن تحاول علاجها عبر التوعية أولاً).

ويؤكد نائب الرئيس اليمني: (إن القات يبقى أقل سوءاً من التدخين, عندما يخرج اليمني من اليمن فهو لايشعر بأنه يحتاج إلى القات, وهذا يدل على أن القات ليس مخدراً) أي أنه لايؤدي إلى الإدمان.
في حديث المسئولين وأيضا في حديث الناس يبدو أن القات مازال مسألة ملتبسة في أحسن الأحوال, فهو (سلبية, ومشكلة تحتاج إلى دراسات وهو أقل ضرراً من التدخين ولا يعد مخدراً وهو قوت الصالحين). وهو في الوقت نفسه قنبلة. كيف? لعل بعض الأرقام توضح هذا الالتباس.

الدكتور علي علي صالح الزبيدي رئىس قسم الاقتصاد في كلية التجارة جامعة صنعاء يكشف في دراسة ميدانية موثقة وممتعة الأرقام التالية ـ وفق إحصاءات عام 1995 ـ تبلغ المساحة المزروعة من البن ـ وهو من المحاصيل النقدية ـ 24 ألفاً و 804 هكتارات, أما المساحة المزروعة من القات فهي تصل إلى 97 ألفاً و 20 هكتاراً, أي ثلاثة أضعاف البن تقريباً.
توضح الدراسة أن كل شجرة قات تنتج ربطة واحدة في السنة, وأن الهكتار الواحد ينتج 2322 ربطة سنوياً, وأن سعر الربطة هو 200 ريال, وأن قيمة الإنتاج الإجمالي من محصول القات بسعر المنتج تصل إلى 33 ملياراً و 386 مليون ريال سنوياً.
وتستنتج الدراسة: أن الدخل المحلي من القات يشكل ثلث الناتج الزراعي تقريباً وواحداً إلى عشرة من مجموع الناتج المحلي كله. وأن اليمن يفقد بين 4 إلى 6 ساعات يومياً من ساعات الإنتاج في شراء وتخزين القات, وأن مجموع الفاقد من ساعات العمل يزيد على 14 مليون ساعة عمل يومياً.
وما بين القنبلة وقوت الصالحين بدأت جماعات ضغط جديدة (لوبي) تظهر في اليمن وهي تحمل أسماء مختلفة من نوع (جماعة مناهضة للقات), و (نعم للقوت ولا للقات).. ولعل الديمقراطية تنجح حيث فشل الحزب الواحد و.. الشمولية.

المدفعية سلاح فردي
يمنع القانون منعاً باتاً دخول المسلحين إلى قاعة الاقتراع) يقولها رئىس اللجنة الأمنية في أثناء الانتخابات اليمنية العقيد علي صلاح. وأسأله: ماذا يفعلون بسلاحهم إذا أرادوا الدخول? (ويجيب: يسلمونه إلى رجال الأمن عند الباب, وبعد الاقتراع, يستعيدون سلاحهم من رجال الأمن).
السلاح في اليمن ليس زينة الرجال فحسب ولكنه حلي النساء وحليب الأطفال أيضاً.
في اليمن اليوم ـ ومن أكثر التقديرات اعتدالاً ـ مايزيد على 60 مليون قطعة سلاح تتوزع على 16 مليون مواطن, بمعدل 4 قطع للمواطن الواحد, وتقرأ في صحيفة (الحياة) ـ 22 مايو 97 الوصف التالي لاشتباك بين قبيلتين.. (توصلت قبيلتا السادة وآل الرقابي في منطقة بيجان في محافظة شبوة ـ054 كلم شرق عدن ـ! إلى وقف الاقتتال بينهما, بسبب قطعة أرض تدعي كل قبيلة ملكيتها لها, وقالت مصادر أمنية في المحافظة إن الاقتتال الذي استخدمت فيه الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقذائف هاون ومدفعية متوسطة المدى أدى إلى مقتل عشرة أشخاص).

المدفعية المتوسطة المدى في القاموس اليمني تدخل في باب (الأسلحة الفردية) ويتناقل اليمنيون فيما بينهم طرفة تقول: (إن دبابة اقتربت من أحد الحواجز العسكرية, قرب صنعاء, فأمر الضابط على الحاجز سائق الدبابة بالوقوف, وعندما توقف السائق سأله الضابط: هل تحمل أية أسلحة? فقال السائق: لا. ورد الضابط: تستطيع متابعة سيرك إذن).

وتقول دراسة اقتصادية إن زراعة القات أدت إلى طفرة اقتصادية لدى المزارعين انعكست في سلوك تفاخري ومظهري, ولم يعد اليمني يقبل بأن يمتلك أقل من خمس قطع من السلاح, على أن يكون بينها قطعة على الأقل من نوع (أبومقعد), أي رشاش ثقيل من النوع الذي يستند إلى مقعد.

ويقول الشيخ حسين بن عبدالله الأحمر, رئيس البرلمان: الشعب اليمني مسلح باستمرار ولم ينزع منه السلاح حتى في عصر الإمام, حيث كان الفقر موجوداً والسلاح معدوماً وممنوع دخوله. القبيلي كان يشتري البندقية من الدولة, كان الأمير الحسن بن يحيى حميد الدين يبيع السلاح بنفسه, يأتي به من الخارج, وكذلك الأمير علي بن يحيى حميد الدين كان يأتي بسلاح (حرمن) من ألمانيا, وكانوا يبيعون البندقية بألف ريال فرنسي في ذلك الوقت, فاشترت منه القبائل.. إن القبلي يعتبر السلاح جزءاً منه وإلى جانب ذلك فهو زينة.

الرئيس اليمني علي عبدالله صالح, سئل عشية الانتخابات, عن هذه الظاهرة فقال: إن السلاح الناري ظاهرة غير حضارية وغير مستحبة, خاصة أنها تأتي بنتائج سلبية داخل الأسرة على الأطفال والعائلة. ولكن الرئيس وجد أيضاً في هذه الظاهرة إيجابيات (فعندما جاءت حرب الانفصال دعونا المواطنين وحركنا ملايين مسلحة حسمت الموقف).
منذ ثورة 1962 و (الجيوش الشعبية) تلعب دوراً مؤثراً في خارطة اليمن السياسية, وهو دور كان يتجاوز أحياناً دور الجيش النظامي, كما يعتقد الشيخ الأحمر (وهو من أنقذ الثورة) على حد قوله.

وهذا الجيش الشعبي الذي كان يقتصر على القبائل, تمدد إلى داخل المدن, كما يروي الوزير عبد الملك منصور, الأمين العام المساعد في حزب المؤتمر, فهو يتهم حزب الإصلاح شريك المؤتمر في الحكم قبل الانتخابات الأخيرة (إن الإصلاح حول المعاهد العلمية ـ الدينية ـ إلى ثكنات عسكرية يتم تدريب التلاميذ فيها على الأعمال العسكرية واستخدام الأسلحة).
ومع ذلك, وربما بسبب ذلك الانتشار الواسع للسلاح, فإن نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي صرح بعد تشكيل الحكومة الجديدة في اليمن أن من أولويات الحكومة تقليص عدد أفراد الجيش النظامي إلى النصف.
وفي مواجهة غابات القبلية والقات والسلاح فإن اليمن لاتختار تعزيز الجيش بل الديمقراطية, وهي ديمقراطية تقاتل على خطوط التماس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق