من الملف السياسي: التاريخ: 10 سبتمبر 1999
العالم نسي الصومال, حروبها لم تعد تظهر في الصفحات الاولى من
الصحف, وضحاياها باتوا يدفنون في الصفحات الداخلية ونشرات الاخبار تلتقط
ارقام القتلى فقط.الصومال لم تعد دولة, ولعل هذا من حسن حظها.هذا ما
تؤكده..(الايكونوميست)البريطانية في تقريرين من الصومال, الاول يتحدث عن
رجل الاعمال الامريكي من اصل صومالي عبدالرزاق عثمان , والثاني عن (اميرة
الحرب) ستيرلنج عروش وسيطرتها على مدينة ميركا, جنوب مقاديشو. ومع عثمان
وعروش نعيد اكتشاف ابرز حقائق عصر العولمة, وهو انه عصر الشركات وليس عصر
الجيوش, وهو عصر رجال الاعمال والقطاع الخاص وليس عصر الدول, وهو عصر
الاقتصاد وليس عصر السياسة, واخيرا ان الكهرباء والهاتف والمصالح المشتركة
اكثر فعالية في توحيد الامم من الخطاب القومي, خاصة اذا كان يصدر عن مستبد
او ديكتاتور من اصحاب نسبة 99% في كل انتخابات ديمقراطية. من دون حكومة..
افضل يشير تقرير الايكونوميست بداية الى الاحداث التي عصفت بالصومال من مذبحة الجنود الامريكيين في عام 1993 الى انسحاب قوات الامم المتحدة في العام 1995 ويستنتج: ان كثيرين اعتقدوا ان الصوماليين بعد ان هجرهم العالم سوف يقضون ذبحا على ايدي بعضهم البعض او جوعا. ان صور الاطفال تحصدهم المجاعة, والدبابات تقصف المستشفيات, وجثة الجندي الامريكي, هذا الذي جاء (ينقذ الصومال من نفسها) تجرجر في شوارع مقاديشو, كل هذه المشاهد, كانت تجعل المراقب يتساءل ما اذا كانت هذه القدرة على التدمير الذاتي سوف تحاصر عالم الفقراء... فاذا حدث هذا في الصومال الامة التي يجمعها دين واحد وعرق واحد ولغة مشتركة فانه اذن يمكن ان يحدث في اي مكان اخر. ويتساءل التقرير: هل تحقق هذا؟ ان الصوماليين ومن دون حكومة لمدة عشر سنوات تقريبا, ومن غير مساعدات فعالة لم يصف بعضهم الاخر, وفي الواقع, فان بعضهم كان يعيش بشكل جيد, وافضل من شعوب افريقية تنعم برعاية التبرعات الغربية وصندوق النقد والبنك الدولي. ان مستوى المعيشة في الصومال ليست, على الاغلب, اكثر سوءا من متوسط مستوى المعيشة في تنزانيا او زامبيا, والاجور في الصومال للعمال غير المهرة تصل في حارجيزا, عاصمة ارض الصومال, في الشمال الى ضعف الاجور التي يتقاضاها العامل في نيروبي عاصمة كينيا. وبعد ان يشير التقرير الى ان ابرز اسباب المجاعة الحالية في الصومال سببها الجفاف وعوامل الطبيعة وليس الحرب وحدها يؤكد انه مازال اسهل على منظمات الامم المتحدة ان تنقل المساعدات للمحتاجين هناك, منه الى نقلها الى بلدان اخرى تحكمها البيروقراطية المورثة. غالكايو و.. عثمان والازدهار يبدأ من مدينة (غالكايو) وهي مدينة صحراوية تقع في وسط الصومال, وقد كانت مسرحا لحروب خاضها اكثر من طرف, وكان من المتوقع ان تتحول الى انقاض, ولكن بعيدا عن كل هذا, فان المدينة تزدحم ليلا, والمقاهي والمطاعم مليئة بالزبائن, الحوانيت مفتوحة, وورش العمل زاخرة بالحركة, ولن تشاهد بنادق ولا انقاض, والاهم, ورغم ان السكان فقراء, فانت لن تجد متسولا, اكثر من ذلك سوف تلاحظ ان شوارع المدينة مضاءة, وهي المدينة الوحيدة في الصومال التي تتمتع بهذه الميزة. والفضل يعود الى رجل الاعمال عبدالرزاق عثمان, وقد ولد في هذه المدينة عام 1960, ودرس الهندسة الكهربائية في الولايات المتحدة, واقام, مع شركاء امريكيين, شركة للهاتف وعاد الى المدينة عام 1997, يقول عثمان (اشعر هنا براحة اكبر وبالقدرة على انجاز الاعمال مثلما افعل هناك ان لم يكن افضل) وقد اقنع عثمان شركاءه بتمويل شركات هاتف بالتعاون مع رجال اعمال صوماليين, في هوغيزيا كبداية ثم في مقاديشو (وقد زارها مرة واحدة). وفي كل الاحوال فان استثماراته في مقاديشو تتمتع بحماية كبيرة, عبر شركائه رجال الاعمال القادرين على توفير حوالي 100 عنصر مسلح, وفي العام الماضي اقام شركة للهاتف في مسقط رأسه. ومع ان رأسمال شركات عثمان للهاتف والكهرباء لا يزيد عن مليون دولار الا انها تلعب دوراً سياسيا في المدينة, اذ ان منشآتها تقع في القسم الشمالي من المدينة التي تسيطر عليها (دولة بونتلاند) , بينما القسم الجنوبي مازال يقع تحت سيطرة ميليشيات اخرى, وقد اقام عثمان محطة مساعدة في الجنوب تتغذى من محطة الشمال على أمل ان يساعد هذا في توحيد المدينة ويمنع تجدد القتال بين شمالها وجنوبها. وبنوك قبلية وعثمان هو النموذج المثالي لرجل الاعمال الثري يعرف كيف يحقق اقصى فائدة من غياب الدولة لتأسيس شبكة من الشركات تغطي اراضي الدولة الغائبة, يقول: ان انهيار الدولة كان مفيدا للعمل, وافضل كثيرا من السابق فقد كان هناك احتكار للدولة, وكان هناك الكثير من البيروقراطية والفساد, كما ان الثروة كلها كانت تتجمع في العاصمة.. وبينما لم يكن في الثمانينات اي خطوط هاتفية فان جميع البلدات والمدن الصومالية تملك اليوم شبكات للهاتف واكشاكا لإجراء المخابرات, وتصل كلفة الدقيقة الواحدة للمكالمة الخارجية الى دولار واحد, بينما المخابرات الداخلية مجانية, وتدفع شركات الهاتف جزءا من ارباحها الى السلطات المحلية... وشركات الهاتف هذه هي العصب الرئيسي الذي نجح في توفير القدرة على البقاء واعادة البناء للصوماليين, وعبرها يقوم الصوماليون من المزارعين ورجال الاعمال بعقد الصفقات فيما بينهم, وبين الخارج لتصدير او استيراد البضائع... اكثر من ذلك ان شبكة من البنوك القبلية قامت على هذا الاساس وباستطاعة الصومالي ان يدفع دولارا في كندا وان يضمن وصوله الى عائلته في الصومال, بغض النظر عن مركز اقامتها, ومن دون حاجة الى ايصال (!). الاميرة و.. المستشفى اما التقرير الثاني فيروي قصة نجاح حققتها اميرة الحرب ستيرلنج عروش ليس لانها تسيطر على ميليشيا لا تملك اكثر من اربع عربات تحمل رشاشات ثقيلة بل لانها تسيطر على المستشفى في مدينة ميركا الساحلية, والقصة بدأت عندما استولت قوات اصولية اسلامية على المدينة وبسطت سيطرتها, مما دفع سكانها وهم ينتمون الى قبيلة الجنرال حسين عيديد نفسها الى طلب المساعدة, وارسل الجنرال قوات حاصرت المدينة واقفلت المطار وصدرت الصيحة من ايطاليا حيث تملك احدى المؤسسات الانسانية مستشفى المدينة ويعمل فيه 250 موظفا من ابناء المدينة نفسها ويتقاضون مبلغ 40 الف دولار شهريا تدفعها المؤسسة الايطالية, وهنا بدأت المفاوضات بين الاطراف فكلهم يحتاج المستشفى, والمستشفى كي يعمل يحتاج المطار لاستقبال الادوية وسواها, وكانت بطلة المفاوضات هي الفتاة العازبة ستيرلنج المقيمة في ايطاليا وقد اختارتها المؤسسة الانسانية ممثلا لها, عادت ستيرلنج الى مدينتها وفرضت على الطرفين اتفاقية تضمن عدم تجدد القتال مع ابقاء المطار والمستشفى مفتوحين, وكان ذلك الفصل الاول, اما الفصل الثاني فقد بدأ عندما اتهم الجنرال عيديد ابنة قبيلته بانها عميلة ايطالية, واعاد اقفال المطار وطالب بمحاكمتها, فما كان من ستيرلنج الا ان امرت باقفال المستشفى.. واحتج اهل المدينة وذهبوا الى عيديد يطلبون منه اعادة فتح المطار ولكنه رفض مطالبا بأن يتخلصوا اولا من العميلة الايطالية, استمرت المفاوضات اربعة اشهر, نجحت خلالها ستيرلنج في تأمين تبرعات ومساعدات من أطراف اوروبية واستطاعت (شراء) رجال عيديد الذين يحاصرون المطار, (كان عددهم حوالي 150 مقاتلا واعطتهم ثمن اسلحتهم كي يعودوا مدنيين) تقولها ضاحكة. ومنذ العام 1996 فان ستيرلنج عروش مازالت اميرة ميركا حربا و... سلما.
افضل يشير تقرير الايكونوميست بداية الى الاحداث التي عصفت بالصومال من مذبحة الجنود الامريكيين في عام 1993 الى انسحاب قوات الامم المتحدة في العام 1995 ويستنتج: ان كثيرين اعتقدوا ان الصوماليين بعد ان هجرهم العالم سوف يقضون ذبحا على ايدي بعضهم البعض او جوعا. ان صور الاطفال تحصدهم المجاعة, والدبابات تقصف المستشفيات, وجثة الجندي الامريكي, هذا الذي جاء (ينقذ الصومال من نفسها) تجرجر في شوارع مقاديشو, كل هذه المشاهد, كانت تجعل المراقب يتساءل ما اذا كانت هذه القدرة على التدمير الذاتي سوف تحاصر عالم الفقراء... فاذا حدث هذا في الصومال الامة التي يجمعها دين واحد وعرق واحد ولغة مشتركة فانه اذن يمكن ان يحدث في اي مكان اخر. ويتساءل التقرير: هل تحقق هذا؟ ان الصوماليين ومن دون حكومة لمدة عشر سنوات تقريبا, ومن غير مساعدات فعالة لم يصف بعضهم الاخر, وفي الواقع, فان بعضهم كان يعيش بشكل جيد, وافضل من شعوب افريقية تنعم برعاية التبرعات الغربية وصندوق النقد والبنك الدولي. ان مستوى المعيشة في الصومال ليست, على الاغلب, اكثر سوءا من متوسط مستوى المعيشة في تنزانيا او زامبيا, والاجور في الصومال للعمال غير المهرة تصل في حارجيزا, عاصمة ارض الصومال, في الشمال الى ضعف الاجور التي يتقاضاها العامل في نيروبي عاصمة كينيا. وبعد ان يشير التقرير الى ان ابرز اسباب المجاعة الحالية في الصومال سببها الجفاف وعوامل الطبيعة وليس الحرب وحدها يؤكد انه مازال اسهل على منظمات الامم المتحدة ان تنقل المساعدات للمحتاجين هناك, منه الى نقلها الى بلدان اخرى تحكمها البيروقراطية المورثة. غالكايو و.. عثمان والازدهار يبدأ من مدينة (غالكايو) وهي مدينة صحراوية تقع في وسط الصومال, وقد كانت مسرحا لحروب خاضها اكثر من طرف, وكان من المتوقع ان تتحول الى انقاض, ولكن بعيدا عن كل هذا, فان المدينة تزدحم ليلا, والمقاهي والمطاعم مليئة بالزبائن, الحوانيت مفتوحة, وورش العمل زاخرة بالحركة, ولن تشاهد بنادق ولا انقاض, والاهم, ورغم ان السكان فقراء, فانت لن تجد متسولا, اكثر من ذلك سوف تلاحظ ان شوارع المدينة مضاءة, وهي المدينة الوحيدة في الصومال التي تتمتع بهذه الميزة. والفضل يعود الى رجل الاعمال عبدالرزاق عثمان, وقد ولد في هذه المدينة عام 1960, ودرس الهندسة الكهربائية في الولايات المتحدة, واقام, مع شركاء امريكيين, شركة للهاتف وعاد الى المدينة عام 1997, يقول عثمان (اشعر هنا براحة اكبر وبالقدرة على انجاز الاعمال مثلما افعل هناك ان لم يكن افضل) وقد اقنع عثمان شركاءه بتمويل شركات هاتف بالتعاون مع رجال اعمال صوماليين, في هوغيزيا كبداية ثم في مقاديشو (وقد زارها مرة واحدة). وفي كل الاحوال فان استثماراته في مقاديشو تتمتع بحماية كبيرة, عبر شركائه رجال الاعمال القادرين على توفير حوالي 100 عنصر مسلح, وفي العام الماضي اقام شركة للهاتف في مسقط رأسه. ومع ان رأسمال شركات عثمان للهاتف والكهرباء لا يزيد عن مليون دولار الا انها تلعب دوراً سياسيا في المدينة, اذ ان منشآتها تقع في القسم الشمالي من المدينة التي تسيطر عليها (دولة بونتلاند) , بينما القسم الجنوبي مازال يقع تحت سيطرة ميليشيات اخرى, وقد اقام عثمان محطة مساعدة في الجنوب تتغذى من محطة الشمال على أمل ان يساعد هذا في توحيد المدينة ويمنع تجدد القتال بين شمالها وجنوبها. وبنوك قبلية وعثمان هو النموذج المثالي لرجل الاعمال الثري يعرف كيف يحقق اقصى فائدة من غياب الدولة لتأسيس شبكة من الشركات تغطي اراضي الدولة الغائبة, يقول: ان انهيار الدولة كان مفيدا للعمل, وافضل كثيرا من السابق فقد كان هناك احتكار للدولة, وكان هناك الكثير من البيروقراطية والفساد, كما ان الثروة كلها كانت تتجمع في العاصمة.. وبينما لم يكن في الثمانينات اي خطوط هاتفية فان جميع البلدات والمدن الصومالية تملك اليوم شبكات للهاتف واكشاكا لإجراء المخابرات, وتصل كلفة الدقيقة الواحدة للمكالمة الخارجية الى دولار واحد, بينما المخابرات الداخلية مجانية, وتدفع شركات الهاتف جزءا من ارباحها الى السلطات المحلية... وشركات الهاتف هذه هي العصب الرئيسي الذي نجح في توفير القدرة على البقاء واعادة البناء للصوماليين, وعبرها يقوم الصوماليون من المزارعين ورجال الاعمال بعقد الصفقات فيما بينهم, وبين الخارج لتصدير او استيراد البضائع... اكثر من ذلك ان شبكة من البنوك القبلية قامت على هذا الاساس وباستطاعة الصومالي ان يدفع دولارا في كندا وان يضمن وصوله الى عائلته في الصومال, بغض النظر عن مركز اقامتها, ومن دون حاجة الى ايصال (!). الاميرة و.. المستشفى اما التقرير الثاني فيروي قصة نجاح حققتها اميرة الحرب ستيرلنج عروش ليس لانها تسيطر على ميليشيا لا تملك اكثر من اربع عربات تحمل رشاشات ثقيلة بل لانها تسيطر على المستشفى في مدينة ميركا الساحلية, والقصة بدأت عندما استولت قوات اصولية اسلامية على المدينة وبسطت سيطرتها, مما دفع سكانها وهم ينتمون الى قبيلة الجنرال حسين عيديد نفسها الى طلب المساعدة, وارسل الجنرال قوات حاصرت المدينة واقفلت المطار وصدرت الصيحة من ايطاليا حيث تملك احدى المؤسسات الانسانية مستشفى المدينة ويعمل فيه 250 موظفا من ابناء المدينة نفسها ويتقاضون مبلغ 40 الف دولار شهريا تدفعها المؤسسة الايطالية, وهنا بدأت المفاوضات بين الاطراف فكلهم يحتاج المستشفى, والمستشفى كي يعمل يحتاج المطار لاستقبال الادوية وسواها, وكانت بطلة المفاوضات هي الفتاة العازبة ستيرلنج المقيمة في ايطاليا وقد اختارتها المؤسسة الانسانية ممثلا لها, عادت ستيرلنج الى مدينتها وفرضت على الطرفين اتفاقية تضمن عدم تجدد القتال مع ابقاء المطار والمستشفى مفتوحين, وكان ذلك الفصل الاول, اما الفصل الثاني فقد بدأ عندما اتهم الجنرال عيديد ابنة قبيلته بانها عميلة ايطالية, واعاد اقفال المطار وطالب بمحاكمتها, فما كان من ستيرلنج الا ان امرت باقفال المستشفى.. واحتج اهل المدينة وذهبوا الى عيديد يطلبون منه اعادة فتح المطار ولكنه رفض مطالبا بأن يتخلصوا اولا من العميلة الايطالية, استمرت المفاوضات اربعة اشهر, نجحت خلالها ستيرلنج في تأمين تبرعات ومساعدات من أطراف اوروبية واستطاعت (شراء) رجال عيديد الذين يحاصرون المطار, (كان عددهم حوالي 150 مقاتلا واعطتهم ثمن اسلحتهم كي يعودوا مدنيين) تقولها ضاحكة. ومنذ العام 1996 فان ستيرلنج عروش مازالت اميرة ميركا حربا و... سلما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق