الأربعاء، 9 مايو 2012

المتطرفون يتحولون إلى ارهابيين عندنا .. وفي الغرب إلى مصلحين ـ المورمون والفهود السود

الملف السياسي ـ التاريخ:

الجمعة 13 رجب 1423 هـ الموافق 20 سبتمبر 2002 «المتطرفون» دينيا وقوميا يظهرون في العالم العربي والاسلامي فيتحولون الى «ارهابيين» ويظهرون في الغرب فيتحولون الى «مصلحين». لماذا؟ لان الديمقراطية في الغرب تستوعب المتطرفين، أما الاستبداد في الشرق فانه يزيدهم غضبا و.. عددا. وليس التطرف هو المشكلة بل النظام السياسي والاجتماعي وهيمنة الاغلبية على الاقلية ومحاولة الغائها. كيف؟ نلقي نظرة سريعة على نموذجين في الولايات المتحدة الأميركية: حركة «الفهود السود» العرقية، وطائفة «المورمون» الدينية. القوة السوداء وحرب المدن «القوة السوداء» شعار رفعه الزعيم الأميركي من اصل افريقي «مالكولم اكس» وانتهى باغتياله في العام 1965.
ثورة من الغضب والتطرف اجتاحت المواطنين السود في أميركا من نيويورك في الشرق الى كاليفورنيا على الساحل الغربي، ومن رحم هذا الغضب خرج حزب «الفهود السود» للدفاع عن النفس، واعلن قيامه رسميا في العام 1966 في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا. الحزب رفع السلاح في وجه السلطات المحلية وانتشر كالنار في الهشيم في اوساط الشباب السود وخلال عام واحد نجح في انشاء فروع له في نيويورك وشيكاغو وفي الجنوب الاميركي. وكان اعضاء الحزب يقومون بدوريات ليلية في معازل السود «الغيتو» وهم يحملون السلاح وكتب القانون لمواجهة رجال الشرطة البيض، وطرح الحزب برنامجا من عشر نقاط تحولت الى كتاب مقدس لدى الشباب الاميركي من اصل افريقي، أبرز هذه النقاط: ـ نريد الحرية والقوة لتقرير مصير مجتمعاتنا السوداء. ـ نريد لأبنائنا تعليما يكشف عن تاريخنا الحقيقي والدور الذي نلعبه في المجتمع المعاصر. ـ نريد اعفاء جميع الشباب السود من الخدمة العسكرية الالزامية. ـ نريد نهاية فورية لوحشية رجال الشرطة وقتلهم لشعبنا الاسود. ـ نريد عندما يقدم أبناؤنا للمحاكم ان تكون هيئة المحلفين من السود، وفقا لما ينص عليه الدستور الاميركي. ـ نريد الارض والخبز والمنزل والعلم والكساء والعدالة، وأبرز أهدافنا السياسية هو تنظيم استفتاء في مستوطناتنا السوداء، تحت اشراف الامم المتحدة، يشارك فيه السود المستعمرون (بفتح الميم) وحدهم، يعبرون فيه عن ارادة الجماهير السوداء في تقرير مصيرها الوطني. إذن فإن حزب «الفهود السود» كان يطالب بالانفصال عن مجتمعات البيض بموجب حق تقرير المصير، ويرفض التعليم الابيض والخدمة العسكرية .. وكان مسلحا. وقد انتقل من النظرية الى التطبيق، فاشتبك مع رجال الشرطة وعناصر مكتب التحقيق الفيدرالي في عشرات المواقع وخلال ثلاث سنوات سقط 20 قتيلا من اعضائه برصاص رجال الشرطة، ووصف الحزب هؤلاء بأنهم «ثوريون انتحاريون» وهي عبارة تقترب من «الاستشهاديين» في قاموسنا الاسلامي. منظمات الحقوق المدنية تنتصر وكانت تلك المرحلة الاولى من حياة حزب الفهود السود، فالمجتمع الاميركي الابيض وعلى وقع طبول الحرب في فيتنام بدأ يفتح عينيه على حقائق العصر وبشاعة العنصرية، ولقي الفهود السود تعاطفا بين جماعات من البيض تؤمن فعلا بمبادئ حقوق الانسان، وهو ما انعكس على الحزب فانتقل من العمل المسلح الى العمل السياسي الميداني، واعتمد على تنظيم المجتمع المدني الاسود، فبدأ حملات اجتماعية من نوع «الافطار المجاني للاطفال» وهو ما استدعى حملة تبرعات حققت نجاحا دفع بالحزب الى تبني برامج اكثر شمولا، فأقام العيادات الطبية في المعازل السوداء، وأنشأ فرقا مدنية لمكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، وانتقلت قياداته من محاربة السلطة الى محاولة المشاركة فيها، وفي عام 1973 رشح احد مؤسسيه وهو بوبي سيل نفسه لمنصب العمدة في مدينة أوكلاند وحصل على 40% من اصوات الناخبين. وفي مطلع الثمانينيات تم حل حزب الفهود السود بعد ان ظهرت قوى سوداء بديلة قادت حركات الحقوق المدنية وشارك فيها البيض ونجحت في الغاء معظم القوانين العنصرية التي تميز بين الاميركيين بسبب اللون. وبرهنت الديمقراطية الاميركية مجددا انها قادرة على استيعاب التطرف وتحويل «الارهابي» الى مصلح. المورمون .. خروج على الكنيسة وننتقل الى طائفة «المورمون»، ففي العام 1823 ظهر الملاك «موروني» لجوزيف سميث فضرب عرض الحائط بتعاليم الكنيسة التقليدية، ودعا الى كنيسة جديدة متشددة، ولقيت دعوته اتباعا كثيرين، ومن بين ما دعا اليه سميث: تحريم شرب الخمر والتدخين وممارسة الجنس قبل الزواج وتعاطي المخدرات أو الشذوذ الجنسي، كما أباح بالمقابل تعدد الزوجات، شرط ابقاء الزوجة في المنزل، كما شجع على العمل التطوعي داخل الجماعة، وشدد على ان يكون عضو الفرقة مؤمنا بقيمة العمل والانتاج وفرض على اتباعه ضريبة العشر، أي ان يدفع العضو في الطائفة عشر ما ينتجه لصندوق الفرقة، تنفقه على تأهيل العاطلين عن العمل والفقراء في صفوفها. وقد لقيت الطائفة اضطهادا عظيما من الكنيسة ومن المسيحيين التقليديين وفي عام 1844 قتل جوزيف سميث، ورحل أتباعه عبر الصحراء الغربية الكبرى في مسيرة حافلة بالموت والآلام الى ان استقروا أخيرا وأقاموا مدينة «سولت ليك سيتي» التي شهدت مباريات الأولمبياد مؤخرا. .. وصاروا مصلحين اليوم تضم طائفة المورمون، وفقا للمفكر الاميركي فرانسيس فوكوياما في كتابه «الثقة»، وقام مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بترجمته، زهاء تسعة ملايين مؤمن، وتتلقى كنيستهم سنويا ما يزيد على ثمانية مليارات دولار من العوائد، وقال رجال الدين عن الكنيسة المورمونية «لا يوجد تنظيم آخر وصل الى هذه الدرجة من الكمال باستثناء الجيش الألماني». وهكذا فان أولئك الاشتراكيين الاوائل الذين أقاموا في الصحراء وبنوا شبكة من الري مشتركة باعتبار ان المياه ملك للجماعة تحولوا اليوم الى احدى قلاع الرأسمالية، وبعد ان كانوا مرتدين على الكنيسة ومخربين للدين صاروا نموذجا لدور الكنيسة في اصلاح اتباعها. ويبقى السؤال: ماذا يحدث لو خرج في هذا العالم العربي الاسلامي حزب من نوع الفهود السود، أو فرقة من نوع «المورمون»؟ الجواب: شلالات من الدم مازالت تسيل منذ قرون وحتى اليوم ... وما أكثر المواقع والأسماء بقلم: شوقي رافع الأولى | اقتصاد | محليات | سياسة | الرأي | كتب وترجمات | منوعات | فنون |

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق