السبت، 12 مايو 2012

الخلل في التركيبة السكانية بين نموذجين: الألماني والأمريكي .. وغـداً أمـر

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ:

كانت رائحة نتنة تفوح من البراد في قبو المستشفى، اقترب العامل وفتحه فاذا بجثة متعفنة لامرأة.. ابلغ العامل مرؤوسيه وتبين بعد التحقيق انه مضى على وجود الجثة في البراد الحكومي ما يزيد على سنة كاملة، تبين ايضاً ان الجثة موضع خلاف ما بين السلطات في الكويت والهند، فالكويت تقول ان الجثة لامرأة هندية تعمل خادمة في الكويت، بينما السفارة الهندية تصر على ان جواز المرأة الهندي مزور وبالتالي يمكن ان تكون من اية جنسية اخرى.. والسفارة مازالت ترفض تسلم الجثة بينما الكويت ترفض دفنها قبل الحصول على تصريح من عائلتها وذويها.. وهؤلاء ليسوا من رعاياها. حكاية الجثة تناقلتها الصحف في الكويت، ومع انها من الحالات النادرة الا انها تطرح علامة استفهام كبيرة، ماذا يحدث لو ان المرأة مازالت حية ورفضت الدولة منحها تأشيرة اقامة بينما ترفض السفارة تسفيرها الى الهند للسبب ذاته وهو ان جوازها مزور؟ هنا ثلاث اجابات من الكويت وامريكا والمانيا.
البدون في الكويت المقيمون بصورة غير شرعية في الكويت والمتعارف على تسميتهم «بدون» اي لا يحملون جنسية معينة يزيد عددهم على 90 الفاً حالياً، وسوف يتم تجنيس ما يتراوح بين 600 الى 2000 منهم هذا العام، وأحد الشروط الرئيسية للتجنيس هو ان يكون المقيم غير الشرعي مشمولاً باحصاء العام 1965، مع ان هذا الشرط لا يمنحه الجنسية بالضرورة، كما تقول وزارة الداخلية، المهم ان هؤلاء البدون، وسواء كانوا يستحقون الجنسية او لا يستحقونها، مع ان كثيرين منهم ولدوا في الكويت، يشكلون مشكلة كبيرة للحكومة، فلا هي تستطيع تجنيسهم، كما تطالب مجموعة من نواب مجلس الامة، ولا هي تستطيع تسفيرهم لانه لا توجد حتى الان دولة تقبلهم، اوضاع هؤلاء اقرب الى وضع جثة تلك الهندية المزورة، فهم محفوظون في ثلاجة الحكومة، لا يملكون حقوق الوافدين الشرعيين ولا حقوق المواطنين، ومن هنا فانهم يتحولون. كما يقول عدد من المعلقين الى قنبلة موقوتة، ونظراً لأن الجنسية الكويتية هي جنسية «كاملة الدسم»، كما كتب الزميل فؤاد الهاشم، اي انها تتضمن الارض والقرض ومعونة الاولاد والوظيفة وبدل البحث عن عمل، فإن اقتراحات طرحت لحل هذه المشكلة وهي العودة الى الاتفاقات الدولية بشأن غير محددي الجنسية وهي تمنح هؤلاء حقوق الوافدين مع اقامة خمس سنوات قابلة للتمديد، ومع ان هذا الحل يبدو انسانياً ولا يرهق ميزانية الدولة فإنه لا يبدو قريب التحقيق، وبالتالي فإن الجثة سوف تبقى محفوظة في الثلاجة ولكن.. الى متى؟ المجرمون «البدون» في أمريكا الولايات المتحدة الامريكية وهي ارض المهاجرين تواجه اليوم مشكلة مشابهة، وان كانت تختلف في الحجم وفي التفاصيل، فقد اصدرت المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس 29 يونيو الماضي حكماً يمنع الحكومة الفيدرالية ومثلها الحكومات المحلية من الاستمرار في حجز حرية المجرمين من غير محددي الجنسية بسب انه ليس هناك دولة تقبلهم. ويقول الحكم الذي وافق عليه خمسة قضاة وعارضه اربعة في حيثياته: «ان هذا الحكم، وفقاً للدستور يسري على جميع الاشخاص المقيمين في الولايات المتحدة، بمن فيهم الاجانب، سواء كانوا مقيمين بصفة دائمة او مؤقتة، وبصفة شرعية او غير شرعية». الجنسية بحكم قضائي مناسبة الحكم هي الدعوى التي رفعها كل من كاستيس زاديفادس وكيم هوما، الاول ولد في العام 1948 في معسكر للنازحين في منطقة تحكمها المانيا، وبعد الحرب عادت الى ليتوانيا، وجاء طفلاً الى امريكا، والثاني ولد في كمبوديا، وجاء الى امريكا وعمره سنتان، وقد ارتكب زاديفادس سلسلة من الجرائم كان آخرها حيازة كمية من الكوكايين بقصد توزيعها وبيعها، وقد حكم عليه بسببها بالسجن سنتين، وكان يفترض ان يتم تسفيره وابعاده بعد ان امضى محكوميته، غير ان المانيا ومثلها ليتوانيا رفضت استقباله وحتى الدومنيكان التي تنتمي اليها زوجته رفضت استقباله بدورها، مما اضطر السلطات الى احتجازه في احد مراكز الهجرة، ولكن بعد الحكم الذي اصدرته المحكمة العليا لابد من اطلاق سراحه، وهنا، ووفقاً لحيثيات الحكم فإن امام السلطات خيارين: اما ان تضعه تحت المراقبة بانتظار العثور على بلد يقبله، او ان تمنحه الاقامة الدائمة ومن بعدها الجنسية. اما كيم هوما فإن جريمته اكبر فهو عضو في عصابة ارتكبت جريمة قتل، وحكم عليه بعدة سنوات سجناً الى ان صدر حكم بالافراج عنه في العام 1977، ولكن كمبوديا التي غادرها طفلاً رفضت استقباله واسقطت جنسيته، وبالتالي فإن وضعه مشابه لوضع زميله، ولعل امريكا وحدها من بين دول العالم سوف تضطر، وبموجب حكم قضائي الى منح الجنسية لمجرمين (!). ما قاله مجلس الحكماء الألمان المانيا هي مهد النازية، وحاضنة العرق الآري المتفوق، كما زعم ادولف هتلر، وقد حاولت خلال الحقبة النازية تطهير المجتمع من العروق الدخيلة، وقد تحقق لها بعض هذا أو على الاقل هذا ما يؤكد عليه المؤرخون. ولكن «مجلس الحكماء» الالمان، وهو يضم (21) شخصية من ابرز القيادات والفعاليات الاجتماعية، فاجأ العالم، قبل ايام، بتقرير اكد فيه: ان المانيا كانت دائماً قبلة للمهاجرين، فقد استقبلت ومنذ العام 1954 حوالي (31) مليون مهاجر استقروا فيها، ومع ان الازمة الاقتصادية التي عانتها البلاد في العام 1973 ادت الى اصدار قوانين لوقف سيل الهجرة، الا ان هذا لم يمنع تدفق المهاجرين اليها ولاسباب سياسية، حيث سمحت في العام الماضي بدخول حوالي (80) الف لاجئ معظمهم من العراق. ان استقرار (31) مليون مهاجر في بلد يبلغ عدد سكانه (82) مليون نسمة يوحي بأن هناك خللاً في التركيبة السكانية، ولكن مجلس الحكماء الالمان يعتقد ان هذا الامر غير صحيح، ويضيف في تقريره ان المانيا تحتاج وحتى العام (2015) الى (7) ملايين عامل اجنبي كي تحافظ على حيوية دورتها الاقتصادية، وتقول ريتا سيموت رئيسة مجلس الحكماء: نحن لم نعد نعتبر الهجرة ثقلاً علينا، على العكس، انها اثراء لنا. هل يتكرر ما يحدث في بريطانيا؟ وماذا عن الخلل في التركيبة السكانية؟ ان احداً لا يحتج باستثناء النازيين الجدد، وهم قلة في المجتمع، ذلك ان المانيا، مثلها مثل باقي دول اوروبا تعاني من ضعف في النمو الديمغرافي للسكان، وتقول دراسات انه اذا استمر الالمان في المستوى الحالي للانجاب، فإن عددهم في العام (2050) سوف يتقلص الى 60 مليوناً فقط. ومع ان هناك حوالي (4) ملايين عاطل عن العمل حالياً الا ان مجلس الحكماء الذي تم تشكيله ليبحث في مستقبل الهجرة الى المانيا اوصى بتغيير قوانين الهجرة الحالية لتسمح باستقبال المزيد من المهاجرين، خاصة من اصحاب المواهب العقلية والخبرات التقنية، بمن فيهم الطلاب الاجانب الذين يدرسون في الجامعات الالمانية. ولكن الا يهدد هؤلاء المهاجرون بعد استقرارهم أمن المجتمع الالماني، فتندلع مواجهات مشابهة لما يحدث اليوم في بريطانيا بين المهاجرين الآسيويين وبين البيض المتعصبين من اهالي البلاد؟ حتى الان لم يحدث هذا في المانيا، والسبب الاول هو ان معظم الملايين التي استقرت فيها جاءت من بلاد مجاورة كانت في مراحل عدة جزءاً من الامبراطورية الالمانية، اي ان ثقافاتهم متشابهة وكذلك اللغة، وحالياً فإن نسبة المهاجرين من حضارات اخرى، مثل الاتراك مثلاً، لا تزيد على (4) بالمئة فقط من عدد السكان. التجانس والجنسية ولعل المانيا التي تحتاج الى العمالة الوافدة قدر حاجة دول الخليج اليها تصلح نموذجاً يقتدى به، فالخلل في التركيبة السكانية لا يقع لو ان معظم العمالة الوافدة كانت خليجية او عربية.. فالتجانس الحضاري يثري المجتمعات ولا يهددها، على العكس، انه يعزز تراثها المشترك من دون ان يلغي خصوصيتها، ومازال في الوقت متسع لاصلاح هذا الخلل، والا.. فإن العالم اليوم يتجه الى «فرض» حقوق العمال المهاجرين على الدول التي استقروا فيها، بحيث يصبح النموذج الامريكي الذي يضطر لمنح الجنسية حتى للمجرمين هو القاعدة وليس الاستثناء. واذا كان اليوم خمر فغداً امر على ما يقول الشاعر العربي(!) بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق