الثلاثاء، 24 أبريل 2012

ضد الارهاب أم ضد الذاكرة والتاريخ؟ حرب أعصاب

الملف السياسي ـ حكايات سياسية ـ التاريخ:

« حرب اعصاب » كان هذا هو العنوان الذي اختارته مجلة «الايكونوميست» البريطانية لغلافها الاخير حول الحرب العالمية ضد الارهاب. وربما كانت الهيستيريا الجماعية التي اثارها رعب الانثراكس في الغرب احدى المحطات البارزة، كما تشير المجلة، في هذه الحرب، ولكن من يتابع التعليقات الغربية حول الحرب، وصدام الحضارات، واعادة اكتشاف الاسلام يحتاج بالتأكيد الى ما يطمئنه ان هذا الغرب لم يفقد اعصابه فحسب بل وذاكرته ايضا، وكأنما التاريخ لم يبدأ الا يوم 11 سبتمبر. نبدأ بما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» يوم 21 اكتوبر الجاري تحت عنوان رئيسي هو: التحقيق يتباطأ في الولايات المتحدة، واهتمام مكتب التحقيقات الفيدرالي يتجه الى الخارج. مع عنوان فرعي هو: لا يبدو ان احدا من المحتجزين في الولايات المتحدة هو «لاعب رئيسي» في قضية التفجيرات.
وتنقل الصحيفة عن مسئولين رسميين يشاركون في التحقيقات ان في الولايات المتحدة حوالي 800 معتقل حاليا، عدا الذين افرج عنهم، وان هؤلاء باستثناء حوالي عشرة اشخاص يستمر احتجازهم بتهمة مخالفة قوانين الهجرة، وقوانين اخرى لا علاقة لها بالارهاب. ولكن أما يزال هناك مطلوبون في الداخل؟ يجيب احد المسئولين ان عدد هؤلاء ربما لايزيد عن مئة مطلوب، ويقول: لقد اكتشفنا وبشكل كبير كل ما يمكن اكتشافه هنا والتحقيق يتجه حاليا نحو الخارج». اذن، وبعد مايزيد على خمسة اسابيع من الهلع والرعب من موجة خطف للطائرات تقوم بها مجموعات مازالت تعمل في داخل امريكا، يكتشف المسئولون ان مايزيد على 30 الف خيط ودليل تقود بهذا الاتجاه لم تكن الا خيوطا معلقة في الهواء، اما على الارض حيث كان مشهد قاطعة ورق ملقاة على ارض الطائرة يستدعي اعلان حالة الطواريء، فلم يكن هناك لاخاطفون جدد ولا حملة تفجيرات بل حرب اعصاب كان المسئولون الامريكيون هم ابرز المساهمين فيها. هل الاسلام دين انتحاري؟ وماذا عن الاسلام هل هو دين انتحاري؟ السؤال تسمعه في جميع وسائل الاعلام من تلفزيون واذاعات وصحف، والاجابات تملأ اسطولا من المجلدات، وما يحرق الاعصاب فعلا هنا عندما يكون المجيب ايهود باراك او شيمون بيريز او الحاخام اوفاديا، وكلهم ينهي اجابته بعبارة واحدة، وهي: «لقد عرفناهم من قبلكم، وانهم دائما كانوا يفعلون هذا بنا، ومازالوا حتى اليوم ..». اذن فان الاسلام وحده من بين كل ديانات الارض هو دين انتحاري، ولا يجد المسلمون مايفعلونه بحياتهم سوى ان ينحروا الآخرين بها .. و ينتحرون، وكأن جيلا كاملا من الامريكيين نسي ان وسائل الاعلام نفسها، وقبل مدة لاتزيد على ثلاثين عاما، كانت تنقل صور الرهبان البوذيين وهم يشعلون النار بانفسهم امام البيت الابيض احتجاجا على الحرب الامريكية ضد فيتنام، وكانوا تحت عدسات المصورين يظهرون كتلة من اللهب تتحول خلال دقائق الى قبضة من الفحم والرماد. وماذا عن الكاميكازي؟ ان العمليات الانتحارية التي قام بها الطيارون اليابانيون في الحرب العالمية الثانية، جاءت بعد بيرل هاربور، وليس من السهل الفصل بين الحادثتين فالثانية هي نتيجة للاولى، ولكن خلال حرب الاعصاب فان الاحداث تتحول الى حبوب من الفاصوليا او الفول لا تتحرك بتسلسل بل تتدحرج كل في اتجاه. جول جمال وعودة الى العالم العربي ففي عام 1956 بدأت فرنسا وبريطانيا واسرائيل عدوانها الثلاثي على مصر وتضامنت معها سوريا، وعندما انطلقت حاملة الطائرات الفرنسية «جان بارت» من مينائها في مرسيليا متجهة الى قناة السويس للمشاركة في العدوان على مصر، انطلق من سواحل مدينة اللاذقية السورية زورق طوربيد بكافة حمولته من المتفجرات، وكان الضابط السوري المسيحي جول جمال هو قائد الزورق، وعندما رصد حاملة الطائرات اندفع نحوها، لم يطلق طوربيداته، باتجاهها، كما هو مفترض، بل انطلق باتجاهها وفي اقصى سرعة واصطدم بها لينفجر مع طوربيداته. الحاملة لم تغرق ولكنها عادت الى مينائها في مرسيليا من دون ان تشارك في العدوان. وعندما وقع الانفصال بين سوريا ومصر قامت في سوريا مظاهرات احتجاج، كان المتظاهرون يهتفون خلالها: (من قبرص مشوا علينا جيوش ياجول جمال تغرقهم وبضرب الطوربيد لعزتنا ولعل اكثر من قيادي فلسطيني مازال يحفظ هذا الهتاف. ولن نتحدث عن الشيوعيين «الملاحدة» الذين سقطوا في جنوب لبنان في مواجهة قوات الاحتلال ولا عن القوميين السوريين العلمانيين الذين سقطوا فتيات وشبانا، على الجبهة نفسها. وفي الاعتقالات للعرب والمسلمين داخل امريكا كما في اعادة تعريف الاسلام، كما في الهيستيريا الجماعية بعد 11سبتمبر ثم رعب الانتركس فان الحرب ضد الارهاب تكاد تتحول الى حرب ضد الذاكرة والتاريخ . ولو الى حين. بقلم: شوقي رافع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق