حكايات سياسية: بقلم ـ شوقي رافع - التاريخ: 13 نوفمبر 1998
يوسف ..عامل تركي, ترك مسقط رأسه بحثا عن لقمة العيش والحياة
الكريمة, وحطّ به الرحال مع عشرات الألوف مثله في ألمانيا . لو حدثت يوسف
عن(الطريق الثالث)او عن الفرق بين يمين الوسط ويسار الوسط ووسط الوسط لما
كلّف نفسه بالرد عليك بأكثر من عبارة(فهم يوق)اي انني لا افهم.
ولكن العامل يوسف المهاجر من تركيا, وهو تعلم اللغة الالمانية بعد سنوات من الحياة في ألمانيا, اكتشف فجأة ان بين يمين الوسط ويسار الوسط فروقا هي الفروق نفسها بين الارض والسماء, بالنسبة له ولامثاله على الأقل, فقد نهض العامل يوسف في الصباح, كما يفعل كل يوم ومنذ سنوات, وخرج من السكن الجماعي الذي يأويه مع عشرات من أمثاله, وبينما كان في الطريق الى المصنع حيث يعمل, مرّ على كشك الصحف ليطالع العناوين على عادته, ولفته المانشيت في صحيفة (بيلد) حيث اعلن بالبنط العريض (اهلا بالمواطنين الجدد) , التقط يوسف الصحيفة وما ان قرأ عدة سطور من المانشيت, حتى دفع بيده الى جيبه واخرج ثمن الصحيفة, على غير عادته, واعطاه للبائع, وتابع, على الواقف, قراءة الخبر الرئيسي, حيث اكتشف, ودموع الفرح تكاد تفيض من عينيه, انه لم يعد عاملا اجنبيا وافدا بل مواطنا المانيا يتمتع بكافة حقوق المواطنة, مثله مثل المستشار السابق هيلموت كول او المستشار الحالي جيرهارد شرويدر, بل ربما كان وضعه افضل من الاثنين معا, فهو قادر على ان يحصل على الجنسية الالمانية وان يحتفظ في الوقت نفسه بجواز سفره... التركي. المان و.. تراث بني عثمان قرأ يوسف الخبر مرة واثنتين وثلاثا, ولم يسأل نفسه كيف تحول فجأة من عامل وافد, يعيش منذ تسع سنوات هموم الاقامة المؤقتة وكوابيس الترحيل الى مواطن يتمتع بكافة الحقوق والواجبات, ويستطيع ان يتنقل في ارجاء وطنه الجديد حيث يشاء, بل وان يركب القطار ليقوم بجولة ما بين لندن ومدريد مرورا بالعاصمة الفرنسية باريس.. يوسف لم يسأل لان خبر الصحيفة كان يقول ان قرار تجنيس المهاجرين اتخذته حكومة المستشار الالماني جيرهارد شرويدر, بالاتفاق مع حلفائها من حزب الخضر, باعتباره من الأولويات التي سوف تسعى الى تحقيقها لتكريس مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين الألمان وبين المهاجرين الذين امضوا في المانيا ثماني سنوات من الاقامة الدائمة, واستحقوا بذلك, وعن جدارة ان يصبحوا مواطنين المانا, مع انهم مازالوا ينهضون مع الآذان, ويؤدون الصلاة, ويسترجعون مع بعضهم تاريخ بني عثمان, وليس تراث بسمارك او حروب الامبراطور وليام الثاني. ... والانسان اثمن رأسمالي انتصار الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة شرويدر, هو ما منح مفتاح التغيير للعامل التركي يوسف, وهذا الحزب, وبالمفردات الاوروبية, يسمونه يسار الوسط, وبالمفردات الامريكية يسمونه (اليسار) فقط, وهذا اليسار يحكم اليوم او يشارك في الحكم في 13 حكومة من أصل 15 يضمها الاتحاد الاوروبي, اما الدولتان الباقيتان منهما اسبانيا وايرلندا. وهذا اليسار الجديد يلتقي مع اليسار التقليدي في أنه مازال يعتبر ان الانسان هو اثمن رأسمال, وان آلية السوق عندما تفرز ملايين العاطلين عن العمل, فان في هذه الآلية خللا لابد ان يتدخل النظام لاصلاحه, ويكتشف هذا اليسار هويته في مواجهة اليمين التقليدي. فيخترع ما يسميه الطريق الثالث, وهو يرى ان هذا الطريق يتسع للاثنين معا: الانسان المنتج وكذلك رأس المال, اي انه يحاول ان يشق طريقا جديدا ما بين دكتاتورية البروليتاريا وشراسة الرأسمالية, واذا عدنا الى العامل التركي يوسف للمقارنة بين ما كان يحدّده اليمين المحافظ كشرط للحصول على الجنسية للعمال المهاجرين مثلا, وبين ما يطرحه اصحاب الطريق الثالث, فاننا نكتشف ان قيم العدالة والمساواة مازالت حيّة تنبض, ولم تتحول الى جثة تتناوب عليها حراب الشركات العابرة للقارات, وسهام العولمة. قانون الدم الأزرق القانون الألماني في زمن المستشار السابق هيلموت كول اليميني المحافظ كان يشترط على العامل المهاجر للحصول على الجنسية الألمانية ان يثبت اولا ان ما يجري في عروقه هو دم الماني ازرق ورثه عن اجداده البعيدين, وبالتالي استطاع عشرات الألوف في اوروبا الشرقية سابقا ان يحصلوا على الجنسية, وبمعدل 200 الف سنويا, بعد ان برهنوا ان جدّهم السابع وربما العاشر كان مواطنا المانيا, ولم يكن مهما ان هؤلاء الألمان الجدد كانوا يتحدثون لغات اخرى باستثناء اللغة الألمانية. اما بالنسبة للعمال المهاجرين مثل يوسف الذي امضى في المانيا تسع سنوات, تعلم خلالها اللغة, وتعرف على جيرانه في الحي ورفاقه في المصنع, وتعايش مع هموم مجتمعه الجديد فان القانون كان يشترط عليه ان يكون قد امضى (15) عاما متواصلة, ومن دون اي انقطاع في ألمانيا, ثم عليه ثانيا ان يتخلى عن جنسيته الاصلية, وهذا الشرط الأخير كان يدفع بالكثير من العمال المهاجرين المقيمين الى الامتناع عن طلب الجنسية لانهم في هذه الحال سوف يتحولون الى غرب واجانب في وطنهم الام, ويفقدون بالتالي حقهم في املاكهم, اذا كان لهم املاك, وحقهم في وراثة ذويهم. ولكن ماذا عن الاطفال الذين يولدون في ألمانيا؟ القانون السابق كان يعتبرهم اجانب, اذا كان الوالدان من غير الألمان, اما في قانون الطريق الثالث فان الطفل يحصل على الجنسية اذا كان احد الوالدين المانيا, او اذا كان احد الوالدين قد استقر في المانيا عندما كان عمره اقل من 14 عاما. وقد طرح حزب الخضر ان تمنح الجنسية لكل طفل يولد في ألمانيا من أبوين مقيمين في البلاد, حتى ولو كان من الوافدين, غير ان المستشار شرويدر طلب تأجيل هذه المسألة الى وقت لاحق. سبعة ملايين وافد اما اهم ما يترتب على قانون الجنسية الجديد فهو انه يفتح الباب امام ثلاثة ملايين عامل مهاجرين من اصل تركي للحصول على الجنسية, وقد حصل عليها حتى الآن 900 الف عامل تركي, واذا علمنا ان في المانيا حاليا حوالي سبعة ملايين و400 الف اجنبي وافد, وان كثيرين من هؤلاء سوف يسعون للحصول على الجنسية فاننا سوف نكتشف بعضا من القيم الانسانية والعالمية التي تنير الطريق امام اصحاب النظرية الثالثة في سعيهم الى تحقيق العدالة والمساواة... بتأييد كاسح من الناخبين, وتلك هي ابرز سمات عصر العولمة.
ولكن العامل يوسف المهاجر من تركيا, وهو تعلم اللغة الالمانية بعد سنوات من الحياة في ألمانيا, اكتشف فجأة ان بين يمين الوسط ويسار الوسط فروقا هي الفروق نفسها بين الارض والسماء, بالنسبة له ولامثاله على الأقل, فقد نهض العامل يوسف في الصباح, كما يفعل كل يوم ومنذ سنوات, وخرج من السكن الجماعي الذي يأويه مع عشرات من أمثاله, وبينما كان في الطريق الى المصنع حيث يعمل, مرّ على كشك الصحف ليطالع العناوين على عادته, ولفته المانشيت في صحيفة (بيلد) حيث اعلن بالبنط العريض (اهلا بالمواطنين الجدد) , التقط يوسف الصحيفة وما ان قرأ عدة سطور من المانشيت, حتى دفع بيده الى جيبه واخرج ثمن الصحيفة, على غير عادته, واعطاه للبائع, وتابع, على الواقف, قراءة الخبر الرئيسي, حيث اكتشف, ودموع الفرح تكاد تفيض من عينيه, انه لم يعد عاملا اجنبيا وافدا بل مواطنا المانيا يتمتع بكافة حقوق المواطنة, مثله مثل المستشار السابق هيلموت كول او المستشار الحالي جيرهارد شرويدر, بل ربما كان وضعه افضل من الاثنين معا, فهو قادر على ان يحصل على الجنسية الالمانية وان يحتفظ في الوقت نفسه بجواز سفره... التركي. المان و.. تراث بني عثمان قرأ يوسف الخبر مرة واثنتين وثلاثا, ولم يسأل نفسه كيف تحول فجأة من عامل وافد, يعيش منذ تسع سنوات هموم الاقامة المؤقتة وكوابيس الترحيل الى مواطن يتمتع بكافة الحقوق والواجبات, ويستطيع ان يتنقل في ارجاء وطنه الجديد حيث يشاء, بل وان يركب القطار ليقوم بجولة ما بين لندن ومدريد مرورا بالعاصمة الفرنسية باريس.. يوسف لم يسأل لان خبر الصحيفة كان يقول ان قرار تجنيس المهاجرين اتخذته حكومة المستشار الالماني جيرهارد شرويدر, بالاتفاق مع حلفائها من حزب الخضر, باعتباره من الأولويات التي سوف تسعى الى تحقيقها لتكريس مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين الألمان وبين المهاجرين الذين امضوا في المانيا ثماني سنوات من الاقامة الدائمة, واستحقوا بذلك, وعن جدارة ان يصبحوا مواطنين المانا, مع انهم مازالوا ينهضون مع الآذان, ويؤدون الصلاة, ويسترجعون مع بعضهم تاريخ بني عثمان, وليس تراث بسمارك او حروب الامبراطور وليام الثاني. ... والانسان اثمن رأسمالي انتصار الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة شرويدر, هو ما منح مفتاح التغيير للعامل التركي يوسف, وهذا الحزب, وبالمفردات الاوروبية, يسمونه يسار الوسط, وبالمفردات الامريكية يسمونه (اليسار) فقط, وهذا اليسار يحكم اليوم او يشارك في الحكم في 13 حكومة من أصل 15 يضمها الاتحاد الاوروبي, اما الدولتان الباقيتان منهما اسبانيا وايرلندا. وهذا اليسار الجديد يلتقي مع اليسار التقليدي في أنه مازال يعتبر ان الانسان هو اثمن رأسمال, وان آلية السوق عندما تفرز ملايين العاطلين عن العمل, فان في هذه الآلية خللا لابد ان يتدخل النظام لاصلاحه, ويكتشف هذا اليسار هويته في مواجهة اليمين التقليدي. فيخترع ما يسميه الطريق الثالث, وهو يرى ان هذا الطريق يتسع للاثنين معا: الانسان المنتج وكذلك رأس المال, اي انه يحاول ان يشق طريقا جديدا ما بين دكتاتورية البروليتاريا وشراسة الرأسمالية, واذا عدنا الى العامل التركي يوسف للمقارنة بين ما كان يحدّده اليمين المحافظ كشرط للحصول على الجنسية للعمال المهاجرين مثلا, وبين ما يطرحه اصحاب الطريق الثالث, فاننا نكتشف ان قيم العدالة والمساواة مازالت حيّة تنبض, ولم تتحول الى جثة تتناوب عليها حراب الشركات العابرة للقارات, وسهام العولمة. قانون الدم الأزرق القانون الألماني في زمن المستشار السابق هيلموت كول اليميني المحافظ كان يشترط على العامل المهاجر للحصول على الجنسية الألمانية ان يثبت اولا ان ما يجري في عروقه هو دم الماني ازرق ورثه عن اجداده البعيدين, وبالتالي استطاع عشرات الألوف في اوروبا الشرقية سابقا ان يحصلوا على الجنسية, وبمعدل 200 الف سنويا, بعد ان برهنوا ان جدّهم السابع وربما العاشر كان مواطنا المانيا, ولم يكن مهما ان هؤلاء الألمان الجدد كانوا يتحدثون لغات اخرى باستثناء اللغة الألمانية. اما بالنسبة للعمال المهاجرين مثل يوسف الذي امضى في المانيا تسع سنوات, تعلم خلالها اللغة, وتعرف على جيرانه في الحي ورفاقه في المصنع, وتعايش مع هموم مجتمعه الجديد فان القانون كان يشترط عليه ان يكون قد امضى (15) عاما متواصلة, ومن دون اي انقطاع في ألمانيا, ثم عليه ثانيا ان يتخلى عن جنسيته الاصلية, وهذا الشرط الأخير كان يدفع بالكثير من العمال المهاجرين المقيمين الى الامتناع عن طلب الجنسية لانهم في هذه الحال سوف يتحولون الى غرب واجانب في وطنهم الام, ويفقدون بالتالي حقهم في املاكهم, اذا كان لهم املاك, وحقهم في وراثة ذويهم. ولكن ماذا عن الاطفال الذين يولدون في ألمانيا؟ القانون السابق كان يعتبرهم اجانب, اذا كان الوالدان من غير الألمان, اما في قانون الطريق الثالث فان الطفل يحصل على الجنسية اذا كان احد الوالدين المانيا, او اذا كان احد الوالدين قد استقر في المانيا عندما كان عمره اقل من 14 عاما. وقد طرح حزب الخضر ان تمنح الجنسية لكل طفل يولد في ألمانيا من أبوين مقيمين في البلاد, حتى ولو كان من الوافدين, غير ان المستشار شرويدر طلب تأجيل هذه المسألة الى وقت لاحق. سبعة ملايين وافد اما اهم ما يترتب على قانون الجنسية الجديد فهو انه يفتح الباب امام ثلاثة ملايين عامل مهاجرين من اصل تركي للحصول على الجنسية, وقد حصل عليها حتى الآن 900 الف عامل تركي, واذا علمنا ان في المانيا حاليا حوالي سبعة ملايين و400 الف اجنبي وافد, وان كثيرين من هؤلاء سوف يسعون للحصول على الجنسية فاننا سوف نكتشف بعضا من القيم الانسانية والعالمية التي تنير الطريق امام اصحاب النظرية الثالثة في سعيهم الى تحقيق العدالة والمساواة... بتأييد كاسح من الناخبين, وتلك هي ابرز سمات عصر العولمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق