الاثنين، 27 فبراير 2012

أفلاطون الأمريكي يتصدى لسقراط البريطاني

مجلة العربي، الأربعاء 1 سبتمبر 1993  15/3/1414هـ / العدد 418

نظرية "المؤامرة" تغني تاريخ الغرب
ولكنها في الشرق لا تنجب إلا القتلة والمنتحرين
  • روبرتسون: إيزيس تتآمر مع بوش للقضاء على المسيحية
  • لاروش: السي. آي. أيه تتعاون مع الكي. جي. بي لإقامة حكومة عالمية للشيطان.
سقراط هو عميل بريطاني يريد تدمير المجتمع الأمريكي ولكن أفلاطون له بالمرصاد". أما الإلهة المصرية "إيزيس" فإنها لم تكتف باحتلال "الختم الأعظم" الأمريكي بل أصرت على أن تطبع "عينها" على كل دولار ولكن أخطر ما يهدد الولايات المتحدة هو "النظام العالمي الجديد" لأنه "كلمة السر في المؤامرة الكبرى للقضاء على المسيحية وعلى الطريقة الأمريكية في العيش".. وبالطبع "هناك رؤساء أمريكيون عديدون شاركوا ويشاركون في تنفيذ المؤامرة، أحدهم توماس جيفرسون وآخرهم جورج بوش ".

          المرشح للرئاسة الأمريكية ليندون لاروش هو بطل المواجهة بين سقراط البريطاني وأفلاطون الأمريكي، أما نجم الحرب بين إيزيس والمسيحية فهو بات روبرتسون الذي سحب ترشيحه لرئاسة الجمهورية ليقوم بدعم الرئيس السابق جورج بوش وفق الشروط التي وضعها روبرتسون واستجاب لها "الرئيس" بوش!
          وما بين لاروش وروبرتسون تتطور نظرية "المؤامرة"، وتحتل مساحة واسعة في أيديولوجية الأحزاب والتنظيمات السياسية المعاصرة، سواء في أوربا أو فى أمريكا، ويخرج "فرسان المعبد" من أكفانهم، أبطال الحروب الصليبية الذين تحالفوا مع فرقة "الحشاشين" المسلمين وأضاعوا القدس من أيديهم، فاستحقوا الموت شنقا أو حرقا (!) في نهاية القرن الرابع عشر للميلاد. ويستمر هذا الحوار اللاعقلاني في الغرب، وفي أمريكا بالذات، ليستثمر ينابيع الخوف والرعب التي تفجرها نظرية المؤامرة، ويخترع "مهندسو الخوف" في كل يوم تفاصيل جديدة يرفدون بها هذه الينابيع، فيزداد عدد المؤيدين والأنصار وكذلك المعارضون، ويتحول العالم إلى مسرح تتواجه فوقه قوى الخير وقوى الشر، ولا يمكن أن يقع فيه أي حدث نتيجة المصادفة العارضة، لأن كل شيء مخطط مسبقا ومرسوم بدقة منذ فجر التاريخ وحتى نهاية العالم.
          ومع ذلك، فإنه في هذا الحوار الأقرب إلى الجنون والذي تشارك فيه أعلى قيادات الحركات السياسية والدينية تقتصر المواجهة بين القوى المختلفة على المطبوعات والمنشورات والندوات وآلاف البرامج الإذاعية والتلفزيونية والحملات الإعلانية والانتخابية، ينام المواطن خلالها آمنا لينهض في اليوم التالي ويتابع مواجهة الأحداث المتلاحقة في مسلسل المؤامرة الكبرى، مما يزيد في غنى وخصوبة التاريخ.
الشرق يلغي "الآخر"
          هذا في الغرب، أما في الشرق، وفي العالم العربي والإسلامي بالذات، فإنه منذ بداية هذا القرن ومع انهيار دولة الخلافة العثمانية، ثم قيام الدولة العبرية فيما بعد فوق أرض فلسطين، باتت نظرية "المؤامرة" هي العنوان الرئيسي للتحولات الكبرى. وللحروب والانقلابات والتصفيات الجماعية والمطاردة اليومية والقهر والإرهاب السافرين. فالمؤامرة على الإسلام أو القومية أو الهوية الوطنية والمذهبية أطلقت من عقالها قوى زعمت لنفسها "الحق المطلق" في مواجهة "المتآمرين" لما خاصة على الصعيد المحلي، وسواء  كانت هذه القوى داخل السلطة أو في خنادق المعارضة فإنها، انطلاقا من قناعاتها الكاملة بأنها وحدها تملك ناصية الحقيقة المطلقة، اعتمدت البطش والإرهاب والتصفية، الجسدية الوسيلة الوحيدة للحوار مع " المتامرين"، باعتبارهم الشر المطلق، ولم يعد، مصادفة، كما يؤكد الباحث والزميل حازم  صاغية، أن يخرج من صفوف هذه الأمة قيادات تتولى أعلى مراكز السلطة، مثل صدام حسين، وكفاءتها الوحيدة  هي أنها حاولت اغتيال  عبدالكريم قاسم، كما أنه ليس من المصادفة أن يزعم أحدهم لنفسه دور "البطل الشعبي"، ومقياس هذه البطولة هو عدد العبوات الناسفة التي يزرعها لتدمير المجتمع المدني و"السلطة المتآمرة على الدين"، بينما تخرج بالمقابل أنظمة تقيس نجاحاتها بعدد المعارضين الذين تتم تصفيتهم في كل يوم على أيدي قواتها المسلحة.
          هذا الحوار المدمر لثوابت المجتمع وقيمه المشتركة وعقله الجمعي يحمل بذور السقوط للجميع، ففي خضم الصراع الدامي يتم تغييب النهاية التي من أجلها يقوم هذا الصراع، وتتحول الوسيلة إلى غاية بحد ذاتها، وعندما تكون هذه الوسيلة هي القتل والتدمير فإن المجتمع كله يفقد عقله وتتساوى فيه الهرطقة والإيمان، العلم والخرافة، السحر والمعرفة وتتحول فيه الأيديولوجيا إلى مشروع قتل أو.. انتحار (!)، وليس من المفارقة أن نكتفي بثلاث حروب فقط لمواجهة "المؤامرة" الصهيونية على مدى ما يقارب من نصف قرن، بينما في المواجهة مع "الداخل" فإن حروبنا لا تتوقف، وهي لا تستخدم الكلمة بل الرصاصة التى تضن بها على "المؤامرة الكبرى".
           وإذا كان لكل مجتمع في الغرب مجانينه وهو قادرعلى الرقي والتطور والاستمرار معهم، فإن شرقنا يكاد يعكس الاية فيجعل لكل مجانين مجتمعهم الذي يبشرهم بالموت قتلا أو انتحارا.
          وهنا بعض من جنون هذا الغرب، كما ورد في كتاب "هندسة الخوف" للمؤلف الأمريكي جورج جوتسون بالإضافة إلى مقابلات شخصية مع كاتب هذه السطور.
توماس يظهر في مصر
          في عام 1945 وبينما كان أحد المزارعين يفلح أرضه في شمال مصر، عثر على جرة كبيرة مدفونة بالتربة منذ حوالي 1500 عام. حمل المزارع الجرة إلى منزله. وتعاون مع والدته على فتحها، ولخيبة أمل الاثنين فإن الجرة لم تكن تحتوي إلا على 13 مخطوطة مكتوبة على ورق البردي. واحتفظ المزارع بالجرة بينما استعانت أمه ببعض أوراق البردي لإشعال النار (!)، ومن حسن حظ المؤرخين، فإن ما تبقى من تلك المخطوطات كان كافيا للكشف- وللمرة الأولى في التاريخ- عن المذهب "الغنوصي"، مترجما إلى القبطية، وكان من بين أبرز تلك المخطوطات "إنجيل القديس توماس" الذي اعتقدت الكنيسة الكاثوليكية أنه زال من الوجود نهائيا، بعد أن كرست الكثير من وقتها وجهودها لإحراق نسخ هذا الإنجيل مع أصحابه باعتباره زندقة سافرة تلغي دور الكنيسة لتضع العقل بديلا عنها، استنادا إلى ما قاله يسوع في الإنجيل المذكور، عندما سأله أحد أتباعه: كيف نستطيع تحديد "الطريق"؟ فأجاب: "هناك ضوء داخل كل إنسان، وهو يضيء العالم كله.. إن العقل هو منارة الجسد". وهذا الإنجيل يتناقض مع ما ورد في إنجيل يوحنا الذي تعتمده الكنيسة الكاثوليكية، حيث يجيب السيد المسيح عن السؤال نفسه بالقول:
          أنا الطريق، أنا الحق، أنا الحياة، لا أحد يستطيع الوصول إلى الرب إلا من خلالي. وبينما تعتمد الكنيسة على التفسير الحرفي للإنجيل، فإن أصحاب الغنوصية يزعمون أن قيامة السيد المسيح من قبره هي قيامة رمزية، بالروح وليس بالجسد، تؤكد على أن روح المخلص باقية في هذا العالم، وأن في كل إنسان قبسا من هذه الروح، يضيء بالمعرفة النابعة من العقل وبالتالي فهو لا يحتاج إلى الكنيسة لخلاصه بل يحتاج إلى المعرفة التي تقوده، عبر الخيار الحر، إلى الحق.
من إيزيس إلى بوش
          وهذه الهرطقة، كما تراها الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانتية، هي حلقة فحسب في المؤامرة الكبرى لاقتلاع المسيحية ووأد الإيمان وزرع نبتات شيطانية بديلة يكون محورها الإنسان وليس خالق هذا الكون.
          وفي كتابه "النظام العالمي الجديد" يقول الداعية الأمريكي بات روبرتسون الذي دعم الرئيس جورج بوش في خلال حملته الانتخابية: إن جذور المؤامرة تعود إلى المصريين القدماء من أتباع الإلهة "إيزيس"، ومنهم انتقلت إلى العالم الرياضي " فيثاغورث" الذي حولها إلى ديانة عقلانية، وعنه أخذ "الغنوصيون". وفي القرون اللاحقة، ومع اشتعال الحروب الصليبية ضد المسلمين، حمل لواء هذه الدعوة "فرسان المعبد" الذين تعاونوا مع "الحشاشين" المسلمين في إحدى المراحل، ومن أولئك الفرسان انتقلت إلى أتباع "الصليب الوردي " ومنهم إلى الفيلسوف آدم ويشبوت، صاحب فلسفة التنوير إلى "الماسونين الأحرار"، وعبر الماسونية انتشرت فى العالم كله، فأطلقت الحركات الشيوعية والنازية وغزت معظم المؤسسات الأمريكية، بما فيها بنك الاحتياط الفيدرالي ومجلس العلاقات الخارجية..
          ويرى روبرتسون الذي يتولى رئاسة مجلس إدارة شبكة التلفزيون المسيحية أن أبرز مظاهر "المؤامرة" التي شارك فيها أكثر من رئيس أمريكي من بينهم جيفرسون وآخرهم بوش هو طبع صورة الهرم على الدولار الامريكي وفي ذروته عين "إيزيس" التي ترى كل شيء، وقد اشترط على الرئيس بوش،. وفق رواية صحفية، أن يقوم بدعمه في حملته الانتخابية مقابل أن يتوقف عن استخدام عبارة "النظام العالمي الجديد" لأنها كلمة السر التي يستخدمها "المتآمرون" للسيطرة على أمريكا وإعلان حكومة تحكم العالم كله ويقودها.. الشيطان (!). ووفق الرواية نفسها، فإن الرئيس وافق على هذا الشرط (!).
          ولا تقتصر نشاطات روبرتسون على الولايات المتحدة، إذ إن تنظيماته الدينية تعمل في أمريكا وإفريقيا والفلبين.
لاروش وجنون التاريخ
          في عام 1982 وفي مطار "نيوارك" الدولي كان وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر يتأبط ذراع زوجته السيدة نانسي في طريقهما إلى مغادرة المطار، عندما فاجأتهما إحدى الفتيات بالسؤال التالي: هل صحيح أنك شاذ جنسيا وتفضل النوم مع الفتيان الصغار؟ وقبل أن يتسنى لوزير الخارجية فرصة للإجابة أو التعليق أطبقت السيدة نانسي قبضتها على عنق الفتاة وكالت لها صفعة مدوية نقلتها عدسات التلفزيون، وتحولت إلى فضيحة الشهر، وتصدر اسم ليندون لاروش مانشيتات الصحف وعدسات التلفزيون، إذ كانت الفتاة السائلة عضوا في تنظيم "مؤسسة الطاقة" التي يقودها لاروش.
          ليندون لاروش بدأ حياته السياسية عام 1968 وأنشأ تنظيما نقابيا يساريا. ثم أضاف تنظيمات أخرى من بينها التجمع الوطني لمكافحة المخدرات، مؤسسة الطاقة، نادي الحياة، واللجنة الديمقراطية الوطنية.. ثم ما لبث أن انقض على اليسار ورفع شعار اقتلاع الحزب الشيوعي وحزب العمال الأمريكي وأنصار البيئة والحركات المؤيدة للإجهاض، وأنشأ فروعا لحركته تدعم الاستعانة بالطاقة النووية. في كل من كندا والمكسيك وفنزويلا وفرنسا وبلجيكا والدانمارك وإسبانيا وألمانيا.. وتحول إلى مرشح دائم للرئاسة الأمريكية، يعتمد على فريق عمل متعصب، وعلى دعم مالي كبير من أنصار يزعم أن عددهم يزيد على 20 مليون أمريكي.
          يرفع لاروش شعار "مؤامرة عصور الانحطاط الجديدة" ويرى أن الإنجليز هم رأس الحربة في هذه المؤامرة، وأن هنري كيسنجر ومن بعده الكساندر هيج والنائب لاري ماكدونالد وعشرات آخرين هم "عملاء" للإنجليز، وأنهم حاولوا اغتيال الرئيس رونالد ريجان، والبابا يوحنا بولس الثاني وآخرين، وينشر لاروش في مطبوعاته وبينها صحيفة يومية ومجلة أسبوعية، أن المؤامرة لإعادة أمريكا إلى عصور الانحطاط هي حلقة في سلسلة بدأت منذ أيام سقراط وأفلاطون، ومن بعدهما انقسم العالم إلى فريقين: أفلاطوني، يعيش عالم المثل ويقاتل لتطوير العالم الأرضى ليقترب من المثال، وسقراطي يغرق في مادية العالم آلأرضي ويغرف من المتع والملذات في الحلال والحرام من الجنس الذي يوفره التلفزيون والمخدرات التى هي ذروة الجنون بالمتعة. ويقول لاروش إن جميع المفكرين والفلاسفة والعلماء كانوا منحازين لأحد الفريقين، وأن التاج البريطاني هو في معسكر سقراط بينما الآباء الأمريكيون الأوائل من صانعي الاستقلال مقاتلون في خنادق أفلاطون.. غير أن معسكر سقراط نجح أخيرا في اختراق أمريكا بمساعدة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سى. آي. أيه" وشبيهتها السوفييتية "كي. جي. بي " ومعهما مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي وعشرات المؤسسات الأخرى، وأن "المتآمرين" حاولوا اغتياله شخصيا، مرات على الأقل لأنه فضح مؤامرتهم التي هي امتداد للصراع في عصور الانحطاط بين "فرسان المعبد" الصليبيين ومنافسيهم  "أهل الشفاء".
          وبالطبع تدخل الشيوعية والنازية والماسونية قاموس لاروش باعتبارها حلقات في المؤامرة وكذلك الصهيونية. ورغم أنه لم يعلن عن إنشاء فروع لتنظيماته في الشرق الأوسط، إلا أن مساعدته بربارة كينج كشفت في حوارات معي أثناء عملي في أمريكا أن لاروش يعطي اهتماما مميزا لما يجري في الشرق الأوسط لأن الصهيونية هي إحدى حلقات المؤامرة على الولايات المتحدة، وخاصة اللوبي الصهيوني في الكونجرس، وجمعية "بناي بريث" اليهودية.
          وبعد أن تدخل بربارة في تفاصيل دقيقة تنم عن معرفتها بالخارطة السياسية في لبنان كما في إسرائيل تقول بثقة شديدة: "إن الصهيونية في إسرائيل أما الماسونية فإنها في الأردن، إذ إن الملك حسين هو رئيس المحفل الماسوني الثالث عشر وهو طرف  في المؤامرة البريطانية على أمريكا".
          ويعيش لاروش في نيويورك وسط حراسة مشددة تحكمها شبكات الإنذار وشاشات التلفزيون، ويتابع حروبه عبر منشوراته وكتبه لمواجهة عصور الانحطاط الجديدة.
وحروب الطوائف
          الأقلية "الكاثوليكية" فى أمريكا لا يزيد عددها على 50 مليون مواطن، غير ان النظام السياسي في أمريكا أتاح لها أن تدفع بالكاثوليكي جون كيندي إلى سدة الرئاسة وبعد اغتيال كيندي شاعت نظرية "المؤامرة" وتغذت على الأحقاد التاريخية بين الكاثوليك والبروتستانت، وخرجت من بين الفريقين قوى متشددة تزعم لنفسها العصمة وتتهم "الآخر" بما في ذلك بابا الفاتيكان، بأنه يحمل في خدمة معسكر الشيطان.
          القس ليم لاهاي مؤسس ما يسمى "الأغلبية الأخلاقية التي دعمت الرئيس رونالد ريجان بحوالي مليون ناخب، وفق ما تزعم، قامت بتمويل طبع وتوزيع منشور كتبه رئيس جامعة "بوب جونز" وهي معقل المتشددين البروتستانت، يصف فيه البابا بولس السادس بأنه "عدو المسيح، مخادع وحليف للشيطان". بينما يقوم الداعية المتعصب البرتوريفيرا بمساعدة الناشر جان شيك بتأليف وطبع كتب تبيع عشرات الآلاف من النسخ وتزعم أن الكاثوليكية انحدرت من الشيطان "لوسيفر"، وأن الفاتيكان يسعى إلى إنشاء كنيسة عالمية، على أنقاض البروتستانت، وأن الآباء الكاثوليك يقومون باغتصاب الفتيات أثناء "الاعترافات" وقد ردت إحدى صحف الكاثوليك بأن عرضت جائزة قيمتها 10 آلاف دولار لمن يستطيع أن يؤكد صحة هذه التهمة. غير أن ريفيرا وضع كتابا كشف فيه أبعاد "المؤامرة" ووصف مؤسس فرقة الجزويت الأب الإسباني أغناطيوس لويولا بأنه من أتباع "فلسفة التنوير" التي أطلقها الفيلسوف البافاري آدم ويشبوت لهدم قلعة الإيمان وهي الكنيسة واستبدالها بالعلم والأهرامات المصرية (!).
          الكاثوليك ردوا بالسلاح نفسه على جبهتين، الأولى هي أنهم اعترفوا بوجود مؤامرة تقودها جماعة آدم ويشبوت، ولكن المشاركين فيها هم اليهود والشيوعيون ورجال المصارف والبروتستانت الجدد، وهدف المؤامرة هو الاستيلاء على الفاتيكان وتأسيس الحكومة العالمية "العلمانية" التي بشر بها الإنجيل إيذانا بنهاية العالم، أما الجبهة الثانية، فقامت في الثمانينيات من هذا القرن وأنشأت حوالي 200 كنيسة في الولايات المتحدة. واتخذت من الكاردينال الفرنسي مارسيل لوفافر رئيسا لها، حيث عادت إلى استخدام اللغة اللاتينية في قراءة وتفسير النصوص الإنجيلية لإحباط مؤامرات البروتستانت والماسونيين الأحرار على الكنيسة، لأن الترجمة الإنجليزية للإنجيل تشير في أصول فقراتها إلى "أن دم المسيح أهرق من أجلكم ومن أجل جميع البشر" بمن فيهم البروتستانت، بينما يقول النص القديم "إن دم المسيح أهرق من أجلكم ومن أجل كثيرين آخرين". من دون أن يشمل الخلاص.. البروتستانت.
          هذه نماذج فحسب عن نظرية "المؤامرة لا فى الغرب" وبالتحديد في الولايات المتحدة. وإذا كان أصحابها، على اختلاف انتماءاتهم، يدعي كل منهم أنه صاحب الحقيقة المطلقة، أو "الفرقة الناجية" حسب القاموس الإسلامي، فإن الحوار بين هذه الفرق يكتفي بالحديث عن الدماء التي سالت في العهود الماضية دون أن يحاول تجديدها أو رفدها بدماء جديدة يزعم أصحابها أنهم من أهل... الشهادة (!).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق